طه حسين يحيي "آمنة" التي قتلها الأدب الغربي

كتب: مها طايع

طه حسين يحيي "آمنة" التي قتلها الأدب الغربي

طه حسين يحيي "آمنة" التي قتلها الأدب الغربي

لم يكن طه حسين بعيدًا عن الأدب الغربي، على الرغم من إنه لم يكن يتحدث الإنجليزية، إلا إنه استطاع أن يغوص في بحوره ويشتم رائحته المتداخلة مع فنجان القهوة الذي يحتسيه يوميا، وهو ينصت إلى صوت أنثوي عشقه دون أن يراه، صوت لم يبخل يومًا أن يكون عينيه، وهي "سوزان بريسو" زوجة عميد الأدب. يدعونا "طه حسين" إلى عالمه المظلم المُضيء بخياله الواسع حين يؤلف "دعاء الكروان" وسبق وقيل عنه إنه تأثر برواية أجنبية للكاتب "توماس هاردي" التي بعنوان "تس سليلة دربرفيل" المترجمة إلى العربية من الشاب المصري فخري أبو السعود، الذي مات منتحرًا بعد ترجمتها بشهر، وقد نشرت الترجمة سنة 1938. توارد الخواطر لديهما قد يمنح القارئ القدرة على القول إنهما كانت تربطهما علاقة وثقية أثناء تأليف الروايتين. لعل "هاردي" في روايته أراد إن يكون روتينيا ومجتمعيًا دون أن يضيف روحه، فجعل البطلة في روايته "تس" فتاة ريفية بسيطة تعشق فتى من أسرة غنية، عابث لا يعبأ بشيء سوى إغواء الفتيات ويفقدهن بكارتهن، فتحاكمه بالقتل العمد، فتنصب محكمة لها وتعدم شنقًا. أما "دعاء الكروان" فكلما قرأت سطرًا راقدًا بين ركام سطوره، يرق قلبك وتزرف الدموع دون سابق استئذان. ففتاته الريفية نشأت في أسرة ترى "الشرف" تاجًا تتحلى به الفتاة، فإذا سقط عنها، ماتت فتاته. أزال طه حسين الستار عن الفوارق الاجتماعية بين "آمنة" وخصمها "المهندس الزراعي" بلدا من أن تثأر منه لتستريح شقيقتها "هنادي" خلف ترابها التي تتوارى تحته، جعلها تتصالح معه ويولد الحب المتبادل بينهما، فالمشاعر حرة طليقة لا تهدأ رياحها إلا عندما تصطدم بقلب تسكن بداخله. يبدأ "المهندس" بالتخلى عن عبثه وإظهار مشاعره الجياشة تجاه "آمنة" فتنسى ثأرها ولا ينسى "الخال" الذي قرر أن يصوب طلقة الشرف تجاه "المهندس" فتفاديه "آمنة"، في رسالة من الكاتب إن الحب وليد اللحظة لا يموت إلا إذا مات المحب. ولم يكتف "هاردي" بإضفاء ملامح الشؤم دون شعاع أمل، فأظهر الآلهة مستريحة بعد أن تحققت العدالة بقتل "تس"، أما كاتبنا المصري جعل من ذلك الطائر "الكروان" منبهًا لـ"آمنة" بألا تغفل عن ثأر "هنادي" حتى لا تقع فريسة تحت أنياب "المهندس"، في حين رأى أحد الكتاب إن وجود "طائر الكروان" يمثل وحده قائمة بذاتها فيمكن حذفه من النص دون أن يضطرب السياق وذلك في مقالة للدكتور عبد الرشيد محمودي في الأهرام اليومي بتاريخ 14 ديسمبر2013، حيث وجه رسالة للدكتور محمد مندور بأنه أخطأ لاعتباره "الكروان" لا يمثل نموذجا أساسيا للرواية. ففي رأيه أن "الكروان" يمثل "الإله الأعلى" الذي يرى ما يجري داخل منزل "المهندس الزراعي" فيصدر صوته حتى تفيق "آمنة" من غفلتها.