ابنة المقدم محمد خيري شهيد أكتوبر: عاش لوطنه.. ودماءه سالت على جواب لي

كتب: كريم عثمان

ابنة المقدم محمد خيري شهيد أكتوبر: عاش لوطنه.. ودماءه سالت على جواب لي

ابنة المقدم محمد خيري شهيد أكتوبر: عاش لوطنه.. ودماءه سالت على جواب لي

الساعة 2 ظهرًا يوم السادس من أكتوبر عام 1973، كانت الصغيرة عمرها لم يتخط الـ8 سنوات، تلهو وتلعب مع ممن في سنها، قبل أن تلحظ القلق على وجه أسرتها، وحينما سألت عن السبب حصلت على إجابة وهمية قدر وعي عقلها، مرت الأيام وبدأت الحرب وانتهت ومر عليها نحو 4 أشهر، ولكنها سألت السؤال الصعب الذي لم تجد له إجابة قط، «هو فين بابا؟»، الجميع يتهرب من الإجابة واللسان يحتجز الكلام، الصغيرة تجد جميع أفراد عائلتها حولها إلا هو، ولم تكن «أميرة» تعلم حينها أن والدها المقدم محمد خيري شهيدًا ضمن أبطال حرب 6 أكتوبر.

مرت السنوات سريعًا على أميرة محمد خيري، وربما كانت أيامًا ثقال بعد فقدان والدها الشهيد البطل، وها هي الذكرى الـ48 لحرب أكتوبر المجيدة قد حلت، وجلبت معها الذكريات والحواديت مجددًا كعادة كل عام، حلّ اليوم الذي تتذكر فيه والدها وكل تفاصيل حياتهما قديمًا وإن كانت لا تسلاه قط ولا يغيب عن بالها في الأساس، لذا تحكي لـ«الوطن» عن أيام قضتها معه، وحكاية نصر أكتوبر ولحظة استشهاده وكم الفخر الذي تركه لها بعد رحيله.

22 من أكتوبر يوم استشهاد المقدم محمد خيري

ليلة 22 من أكتوبر، كانت موعد استشهاد المقدم محمد خيري، والتي تروي تفاصيلها ابنته «أميرة» ، قائلة، إنَّه كان واحدًا ضمن قادة اللواء 22 مدرع، والذي كان يقوم بالمهام الموكلة إليه شرق القناة، وفجأة جاءه أمر بالعبور والتوجه إلى غرب القناة لسد الثغرة، بدأ القتل في معركة كبيرة بالدبابات، قائد اللواء العقيد مصطفى حسن أصيب، فبدأ والداها بقيادة اللواء لإكمال المهمة إلى أن أصيب واستشهد، «قاتلوا ببسالة حتى رحلوا».

انتهت الحرب وانتصرت مصر واستردت أرضها، الجميع عاد والمصابين وصلوا لبيوتهم، إلا الشهيد «خيري» تأخر ولم يظهر، فبدأ خال «أميرة» وكان ضابطًا في الجيش آنذاك بالبحث عنه، حتى علموا بأمر استشهاده، وذهب لمكان استشعاده فوجد ساعته توقفت عند الساعة الثانية ظهرًا، وبجوارها جوابا جهزه ليرسله لأسرته ولكنه كان غارقًا بدماء الشهيد.

تتذكر الابنة آخر مكالمة بينها وبين والدها، فرغم أنَّ الجوابات بين المقدم الشهيد محمد خيري وأسرته لم تنقطع، إلا أنَّه اتصل بالأسرة هاتفيًا قبل استشهاده بيومين وتحديدًا يوم 20 أكتوبر، «طلبني يكلمني بالاسم وقال لهم أنا عايز أكلم أميرة، وقال لي أنا جايلكو قريب واسمعي كلام ماما يا حبيبتي.. كأنه بيودعني».

48 عامًا مرت على الحرب، وفي كل ذكرى لأكتوبر تستعيد «أميرة» حكاياتها مع والدها على حد قولها، منذ الصغر كانت تشاهد أفلام الحروب وتتصور أنها ترى والدها، حتى أدركت مع الوقت أنَّها مشاهد تمثيلية، ودائمًا ما كانت تتفاخر بأنَّ والدها أحد أبطال أكتوبر، وفي حصص الرسم كانت ترسم الدبابات والأعلام، لأنَّها شاهدتها وهي صغيرة على الحقيقة.

هواياته الرماية والرياضة وحب الرسم والموسيقى

صفات حميدة للأب الشهيد البطل تتذكرها الابنة، ولا تنسى حينما كان يذاكر لها دروسها ويعلمها كيف تذهب للمدرسة وحدها ويسير خلفها بخطوتين، وأيضًا هواياته في الرماية والرياضة وحب الرسم والموسيقى التي غرسها بداخلها، «رغم الإجازات القليلة بتاعته، كان بيفسحنا ويودينا النادي ونزور قرايبنا ويتصور معانا كتير».

تُثني أميرة محمد خيري على الاهتمام الذي أصبحت الدولة توليه لأبناء شهداء 6 أكتوبر خاصة في آخر عامين، وترى أنَّه أصبح هناك تقدير معنوي ومسجل بأنواط وتكريمات، «المشير طنطاوي كمان قبل كدة كرمني أنا وأختي وسألنا بصوت أبوي محتاجين حاجة أو حد مضايقكم؟» 

على مستوى أحفاد المقاتل محمد خيري، فتعلمهم والدتهم خلاصة التجربة، وماذا فعل جدهم وكيف ضح بحياته من أجلهم، ترى أنه درس للأجيال المقبلة، حتى يصبح تراب بلدهم هو أهم ما لديهم، يدافعون عنه بكل قطرة دماء، «والدي كان شخص جميل وإيجابي ومتعاون ويتعامل بلطف مع جميع المستويات والفئات». 

رسالة ابنة الشهيد عبر «الوطن»

تركت «أميرة» رسالة لوالدها في ذكرى أكتوبرالمجيدة هذا العام عبر «الوطن»، ورغم أنَّها قد لا تصل إليه، إلا أنَّها خرجت صادقة من قلب ابنة فقدت والدها في طفولتها وظلت سيرته العطرة تحاوطها إلى الآن، «وحشتني أوي، مر عليا أوقات مفتقداك فيها، أولادي كان نفسهم يشوفوك ويستمتعوا بالقعدة معاك، في لحظات الفرح كان نفسي تكون موجود، في ولادة بناتي وجوازهم كان نفسي تكون معايا بس هو ده حال الدنيا، الحمدلله».

المقدم محمد خيري من مواليد عام 1941 التحق بالكلية الحربية وتخرج في الدفعة 42 حربية عام 1961، وشارك في حرب الاستنزاف من 68 إلى 70، كما شارك في حرب اليمن، وعمل مدرسًا في مركز تدريب المدرعات حتى قبل حرب 6 أكتوبر.


مواضيع متعلقة