جلال الدين الرومي.. "مولانا" رسول العشق وخليل الناي

كتب: أروا الشوربجي

جلال الدين الرومي.. "مولانا" رسول العشق وخليل الناي

جلال الدين الرومي.. "مولانا" رسول العشق وخليل الناي

"ممتلئ بك عقلًا وروحًا.. لا مكان لنقص رجاءٍ أو للرجاء ليس بهذا الوجود إلاك".. هكذا سلك طريق عشقه للتقرب إلى الله ورسوله، متصوف ينشد باسم الله العظيم، فترقى روحه في سماوات حب العلي الكبير، عاش حياته يدرب نفسه ويربيها على التفكر في ما خلق الله، تحت مراقبة القلب، قصائده لم تر النور، إلا في بدايات القرن العشرين، مع رواج حركة الترجمة الأدبية في تسعينات القرن الماضي. لأسرة ينتهى نسبها إلى الصحابي أبى بكر الصديق رضى الله عنه، ولد محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخي، نسبة إلى مدينة "بلخ" في أفغانستان في العام 1207 من الميلاد، التي اشتهرت بالعلم والفلسفة والفقه، ونسب إليها الفردوسي وابن سينا والغزالي. غادرها جلال الدين الرومي، مع والده "بهاء الدين" الملقب بـ"سلطان العلماء" عام 1219، بسبب الغزو المغولي القادم من الشرق الذي دمر المدينة بعد عام واحد، فكان عصر شهد الاضطرابات والصراعات الداخلية والخارجية بالدولة الإسلامية. انتقل مع أبيه إلى بغداد، في الرابعة من عمره، ودخل المدرسة المستنصرية، لكنه تركها بعد فترة قصيرة بسبب رحلة والده الواسعة في بعض البلدان مددًا طويلة، حتى استقر في قونية سنة 623هـ، لذلك عرف بالرومي نسبة إلى بلاد الروم، حيث أن قونية كانت جزء منها، وهي تقع في وسط تركيا حاليًا، تزوج من ابنة خوجة شريف الدين السمرقندي سنة 623 ه‍، فأنجب منها سلطان وَلَد وعلاء الدين جلبي، وبعد وفاة والده تولى مكانه في الفقه والإفتاء والتدريس. وبعد عام وصل إلى قونية تلميذ والده، تتلمذ على يد "برهان الدين محقق الترمذي"، الذي تولى تعليمه حتى نصحه بالتوجه إلى حلب للدراسة، ومنها انتقل إلى دمشق، وكان الشيخ محيي الدين بن عربي يمضي بها السنوات الأخيرة من عمره، وقضى ما يقارب التسع سنوات ما بين حلب ودمشق تحت ظل وإشراف معلمه ومرشده، ليعود بعدها إلى قونية عالمًا بارزًا في العلوم الإسلامية ليبدأ بالتدريس في المدينة وسط لفيف من مريديه. بوصول شمس التبريزي إلى المدينة، تبدأ معه رحلة جديدة مختلفة عوالمها عما اختبره الرومي مع والده ومعلمه، فكان التبريزي باحثًا عن شخص يجد فيه خير الصحبة حتى تصادف بالرومي، ولم يفترق الصاحبان منذ لقائهما حتى إن تقاربهما ظل دافعًا لحسد الكثيرين على جلال الدين لاستئثاره بمحبة القطب الصوفي التبريزي. تعددت الروايات حول ما جمع شمس بالرومي، فبعد أن تعرَّف الرومي على رفيقه، هجر التدريس والفقه كفقيه، متخليًا عن كل ما كان يشغله في حياته، مستحوذًا على روح الرومي ومشاعره، وأخذ قرب الرومي بين سنة لقائه مع شمس 1244م وسنة وفاته 1273م حوالي سبعين ألف بيت من الشعر، وبعد اغتيال التبريزي فاض حزن الرومي بأشعار و موسيقى و رقصات تحولت إلى ديوان سماه ديوان "شمس الدين التبريزي" أو الديوان الكبير، وأنشأ الرومي الحفل الموسيقي الروحي المعروف بـ"السماع". من أهم أعمال الرومي الشعرية ديوان "شمس تبريز"، وهو غزليات صوفية يصل عددها إلى ما يقارب ثلاثة آلاف وخمسمائة غزلية، نظمت على أبحر مختلفة وصلت إلى 43 ألف بيت. المولوية هي إحدى الطرق الصوفية التي تنتشر بشكل خاص في تركيا وسوريا، وأخذت هذا الاسم نسبة لـ"مولانا" أو "مولوي" كما عرف الرومي أصحابه، وهي الرقص الدائري والغناء واستعمال الناي، فكانت علاقة الرومي بالموسيقى تصل إلى أعلى درجات الروحانية، كما وصف حاله بأنه موصولة مع الله، ومن هذا المنطلق أسس المولوية. "هكذا أود أن أموت في العشق الذي أكنه لك.. كقطع سحب تذوب في ضوء الشمس"، توفي الرومي عام 1223 وهو في السابعة والستين، وترك التسامح وأفكاره الدينية المرنة تركة لمن بعده في مؤلفات الصوفية والأشعار، حضر جنازته الكثيرين من مختلف الديانات والأعراف، مسلمون، مسيحيون، يهود، عرب، فرس، أتراك، الفقير، الغني، النخبة، والنساء، والرجال.