نص حوار جمال السادات مع"منى الشاذلي": كنت "بزوغ" مع والدي لنزهة بدون حراسة

كتب: أحمد عنتر ومحمد شريف

نص حوار جمال السادات مع"منى الشاذلي": كنت "بزوغ" مع والدي لنزهة بدون حراسة

نص حوار جمال السادات مع"منى الشاذلي": كنت "بزوغ" مع والدي لنزهة بدون حراسة

كشف جمال السادات، نجل الرئيس الراحل أنور السادات، في حواره ببرنامج "معكم"، الذي تقدمه الإعلامية منى الشاذلي، عبر فضائية "سي بي سي"، عن تفاصيل جديدة لأول مرة عن والده "بطل الحرب والسلام"، حيث قال إن الرئيس الأسبق السادات كان "حنين"، وهادئ الطباع، وكان يترك للعائلة مجال للتحدث، ولكن لو مس الحديث عمله السياسي أو أمن قومي، يصبح قليل الكلام، ولا يرد. وأشار جمال، إلى أنه أحس بنصر أكتوبر عندما ذهب والده لمجلس الشعب وتحدث، وأنه شعر بفخر واعتزاز غير عادي بسبب هذا الخطاب. وقال السادات، إنه لم يتم قبوله في اختبارات كلية الطيران بسبب نظره، وأنه أحب الطيران الحربي بسبب عمه الراحل الذي استشهد في حب أكتوبر، منوهًا بأنه كان "يزوغ" مع والده من المنزل للذهاب لكورنيش الإسكندرية بدون حراسة. وإلى نص الحوار: ■ شهر أكتوبر به جميع الأحداث، فما الذي يكون غالب بداخلك أكثر في هذا الشهر؟ -صراحة، أتحدث مع جميع من أعرفهم، وأقول لهم إني لدي الآن 58 سنة، ومرت 30 سنة ويظل الأب هو الأب من الناحية الشخصية، لأن الأب عزيز، والأم عزيزة جدا، لأننا تربينا في عائلة متكاتفة الوجدان، ولكن شعور الأب يوحشني، لأنه علمني كل شئ، سواء التعامل مع الناس، أو الصح والخطأ، ولكني أتعايش مع الواقع.. أنه لا أحد يعيش للأبد، وأحمد الله أنه استشهد وسط أولاده، لأن الجيش أولاده، لأنه كان يثق في الجيش ثقة بلا حدود، خاصة وأنه انتصر في حرب أكتوبر 1973، وأعاد الكرامة مرة ثانية للقوات المسلحة، وكان مؤمن أن القوات المسلحة لم تأخذ فرصتها في النكسة، وأثبتت نفسها في 73، وتعلمت منه فكرة "أن لا أنظر للخلف"، وكان يقول "لعله خير". ■ أريد أن أعلم كم كان يبلغ عمرك أثناء التحضير لحرب أكتوبر؟ - كان لدي 18 سنة. ■ هل كنت أنهيت الثانوية العامة؟ - نعم كنت في الثانوية العامة، ولم أكن أعلم شيء في المنزل إطلاقا، ورجعت من المدرسة بشكل طبيعي، ولم أجده في المنزل، وعلمت بعد ذلك أنه انتقل للقيادة في مصر الجديدة، ولكن نحن في المنزل لم يكن لدينا فكرة عن أي شيء، وعلمت من الإذاعة قيام الحرب عن طريق بيان القوات المسلحة أن الحرب قامت.[FirstQuote] ■ الجميع كان يتحدث عن الحرب وموعدها.. وأنت كنت تعيش في هذه الأجواء بالتأكيد؟ - ليس المطلوب أن يصدقني الناس، ولكن والدي كان يقول أشياء مقتنع بها، وعندما كان يقول سنة الحسم وما شابه، كان يعني هذا الكلام، ولكن النقطة حول أن المتاح للإقدام على هذه الخطوة لم يكن جاهزًا ومتوفرًا لسبب أو أخر سواء كان سلاح أو أشياء أخرى، وهذا الأمر عرفته بعد ذلك، لأنه لم يكن يتحدث عن شيء معنا في المنزل، وكان كتومًا، على عكس ما قد يصدقه الناس، ولم يكن يتحدث إلا عن حياتنا، وأحوالنا فقط. ■ أنت من أبرز الشخصيات العامة في مصر ورجل اقتصادي معروف، ولكن من معنا اليوم هو نجل السادات.. فتحدث معنا بهذه الصفة؟ - والدتي في التربية صارمة، وهو كان حنين في المنزل، ويفهم الصح والخطأ، ولكن كان حنين معنا، وهذا يعود لمسؤوليات والدتي الخاصة بالمذاكرة وما شابه، وعندما تكون والدتي تضغط علينا، يقول لها "يا جيهان سيبي الولد"، وعندما كنت أريد الخروج بدون حراسة كنت فعلا أخرج وأسافر وحدي، لكن والدتي كانت تريد الخروج بحساب ليس لأجل الأمن بل بسبب المذاكرة، لأننا نريد أن نحافظ على أسمه، وحتى الآن أقوم بهذا، لأنه من حقه علي أن أحافظ على أسمه. ■ كنت تقول إنه لم يتحدث عن السياسة في البيت وهذا مفهوم لأنه قائد عسكري.. ولكن مفهوم أنك تسأل بحكم أنك نجله.. فهل كنت تسأله هو أم تسأل الوالدة.. وبأي صيغة هل الإلحاح أو الفضول؟ - عندما نسأل عن شيء كنا نتحسس الأمور، ولو كانت شيء لا يمس صميم عمله ولا يوجد بها سر، وكان يترك لنا مجال للتحدث ويضحك وكل شيء، ولو كانت تمس عمله السياسي أو أمور بها أمن قومي، ومن هذا المنطلق، كان يهز رأسه ويكون قليل الكلام، ويمسك "البايب" ولا يرد، ونفهم حينها أن ننتقل لموضوع أخر، ولكنه كان يتحدث عن أي شيء أخر، وكنت أخذه و"أزوغ" من البيت ليشرب "كازوزه" على حد قوله على الكورنيش بالإسكندرية بدون حراسة أو أن يكون أحد معنا، ويكون معنا نجل الدكتور علي المفتي، واسمه "أيمن مفتي" صديقي، ويقول لنا "أدخل عربيتك ولا تقل لأحد وأنا عندي عربية خنفسة وهنزل جنبك أول ما تدخلها"، وكنت أخرج مسرعًا ويكون هو في الخلف ولا أحد يأخذ باله منه بسبب خروجي مسرعًا بالعربة، ونقف على الكورنيش ونشرب كازوزه عند أي كشك هناك، وكان هناك من يشبه عليه، وكنت أطلب منه عدم النزول من السيارة حتى نستطيع الذهاب بسرعة، وأحيانًا يأتي من يسلم عليه وكان والدي يرحب بهم، ثم نذهب، إلى أن جاء سكرتير والدي فوزي عبد الحافظ، قال لي "بص يا أبني يا حبوب". ■ أي لا يقال لأولاد السادات البيه الصغير ؟ -لا لا لم يحدث هذا. ■ شئ صعب أن تكون نجل رئيس الجمهورية ؟ - هناك ألتزامات معينة، ومن يعرف الصح يجب أن يلتزم به. ■ شباب مصر كان في حالة فوران في هذه الأوقات سواء المؤيدين أو المعارضين.. وسمعنا عن مظاهرات للمطالبة بالحرب وسمعنا عن أنه كان يتلكأ في الحرب، وهذا وصل لكم بالتأكيد؟ -كان يصلنا هذا الأمر، ولكن بداية أحب أن أشدد على أني لا أسعى لعمل عام، وأيضا لا أحب الظهور العام أو الكاميرات أو ما شابه لأن هذه طبيعتي، ولكن إحقاقا للحق، أبي كان يعلم ما يحدث وما يقال، وكان يريد الحرب وينتوي هذا، لكن كان لابد وأن تتوافر لديه أقل الأشياء لتمكنه من عمل عملية عسكرية، حتى ولو في نطاق محدود، وفي النهاية ربنا أكرمه ووفقه.[SecondQuote] ■ قالوا عام الضباب، فهل كان نمط تربيتكم يسمح لكم بقول هذا وترديد ما يقوله الناس في الشارع للرئيس ؟ -كان لدينا ثقة فيه، لأنه كان هادئ ومؤمن بالله، ودئما عندما أدخل ولدي سؤال له أحس بسكينة، وبطمأنة منه، وقال لي إن كل شئ سيكون جيد، وكانت هذه الجملة تكفيني، وكنت أنقل له التساؤلات من الجامعة حتى يعلم ما يقال، وأكون أمينا في النقل، ولكني لم أتبحر في سؤاله، بل كان يكفيني الانطباع أنه يعلم وكان لديه حركة هادئة عن طريق هز رأسه، وكان يقول لي "أنا عارف يا ابني أنا عارف". ■ كل واحد لديه واقعة محددة تلخص فرحته، وساعتها كانت الفرحة بالجيش كله وبالبلد، وأنا عايزة المهندس جمال يحكي لي هذه اللحظة بالتفصيل، كنت مع من هل والدك أو والدتك أو أصدقائك؟ -عندما عدت من المدرسة، وعلمت أن الحرب بدأت، وعلمت أن والدي في قصر الطاهرة القريب من القيادة، فقلت إني ذاهب له، لأني منذ صغري كنت أستيقظ وأذهب بجانبه، ووالدتي أيضا ذهبت، ولكني ذهبت لأكون قربه، وبعدها عندما ينزل للقيادة وأكون معه أيضا، ولكني لم أدخل، وأبقى بالخارج، أنتظره، وبالداخل يكون القادة، ولا أرى ما يحدث بالداخل، وأنتظر بالساعات حتى يخرج وأذهب معه، وكان يخرج وعلى وجهه الإرتياح والسعادة، ولا أساله في شئ إطلاقا، ولكني كنت أحس بالإرتياح، وعندما نذهب البيت أجده يسجد أكثر من 10 دقائق، وأعلم أنه يدعي ويشكر الله، وهو كان إيمانه بالله كبير، وكان يقول إن الله أعطى له أكثر مما يتخيل. ■ الأيام والمعارك والأخبار.. وأنت متربي وسط ناس لديها خبرة عسكرية فنحن لا نعلم المصطلحات العسكرية، واحساس المواطن العادي هو هل انتصرنا أو خسرنا، فهل كنت تفهمها أو تستفسر؟ -نعم.. لأني تعلمتها من الحراسة، والحرس الجمهوري الذي يحرس الرئيس، لأنهم من القوات المسلحة أصلا، ويكونوا من أسلحة مختلفة، سواء المدرعات او المظلات، أو ما شابه، ولديهم خبرات عالية جدا، وبحكم كوني شاب حين ذاك، والشباب بهم حب استطلاع، ولدي حب استطلاع، فكنت أسال عن تعريف هذه الأمور، وتعلمت تعريف الأمور، ولم يكن هناك صعوبة في فهمها. ■ هل كان هناك يوم او حفلة أدركتم فيها أننا قريبين من النصر.. هل كان هناك حدث محدد؟ -أحسست بهذا تمام، عندما ذهب والدي لمجلس الشعب في 16 أكتوبر، وأحسست أننا نتحدث فعلا من أرض صلبة وثابتة، وأن الله أكرمنا وأثبتنا أننا لسنا جثة هامدة ولن تكون لنا قائمة أخرى وما شابه، وهذا اليوم أحسست بفخر واعتزاز غير عادي، والجيش بالنسبة لي ولا تقولي أمريكان أو روس أو حاجة أبدا. ■ عندما نرى هذا المقطع بتطنطط من الفرحة والنصر بعد مرور 41 سنة؟ -عندما كنت أرى السادات ينادي على أخواتنا في سوريا ويمجد في بطولتهم وبدورهم أحسيت بفخر أن هذا فخر عربي، وأعطي لي إحساس جميل، وأنه يتحدث عن الجبهة السورية كأنه يتحدث عن مصر بالظبط، وكنت أحس أنهم أخواتنا بالفعل. ■ ماذا عن والدتك.. متى أحسست أنها أدركت وجود سعادة؟ -نفس اللحظة تقريبا، وقبلها كان هناك رعب غير عادي، لأن اليوم الأول للمعركة كنت في بيت الجيزة، وجدنا الطائرات الحربية تمر وبكثرة في إتجاه مطار ألماظة ومطارات مختلفة، ونراها في سماء القاهرة، الأمر الذي جعل والدتي مرعوبة، وهرولت في المنزل وسقطت صورة والدي، لتخاف أكثر واتخضت، وكان لديها في الأول خوف كبير.[ThirdQuote] ■ قالت إن ده فال وحش؟ -معتقدش.. ولكن أعتقد أنها قالت ذلك في سرها، لكن يوم الخطبة كنا بنتنطط في أماكنا. ■ لا يوجد انتصار بلا جروح، ومصر فقدت أبناءها.. العم عاطف السادات الذي أستشهد.. كيف كان وقع الأمر عليكم؟ -أنا زعلت، لأنه كان متبنيني، وأحسست أنه أخي الأخر، وكان يعلمني العوم، وكان رياضي وجسمه جامد وطيار، فكان شئ أنظر له بافتخار وأنا كنت أتمنى أن أكون مثله، وبالمناسبة أنا كان نفسي أكون طيار. ■ والدك لم يستطيع إدخالك؟ -والدتي لم تريد خوفا علي مثل أي أم، ووالدي كان نفسه بالقطع يريدني أن أدخل، لأني كنت أميل للطيران بشدة، وبعدها درست الطيران وحدي ودخلته. ■ كنت عايز تدخل الطيران مثل عمك؟ -أريد أن أكون مثل عمي لأنه مثلي الأعلى. ■ يقال أن الرئيس السادات كان يحبه مثل أبنه؟ -هذا صحيح. ■ كيف تم إبلاغكم بخبر استشهاده؟ -لم نبلغه في المنزل، وأعتقد أنه علم من القيادة، ووالدتي علمت ولم تقل لي، وأعتقد أنها قالت له، ولكن والدي توقف لحظة ثم وضعه في مكانة باقي الشهداء كلهم بالمعركة، في نفس القالب والمكانة ولا يقل عنهم في شئ. ■ أنت شخصيا.. كيف كان تأثير هذا؟ -أنا بصراحة لم أستطيع أن أصدق هذا وكان لدي 18 سنة، ومش قادر أصدق أنه راح كده، لأنه كان معنا، ويخرج معنا وبنروح نجيب أيس كريم، وقال إنه سيغيب قليلا، وهو تم ضربه في أول طلعة جوية، وكان أمر صعب الإدراك حينها. ■ تسافر للخارج كثيرا.. ووسائل الإعلام الأمريكي والإسرائيلي لا يتعاملوا مع النصر بحجمه ويحاولوا التقليل منه.. ما وقع هذا عليك خاصة وأنه لا يتعاملوا معه كما يجب؟ -هذا يجب أن يقابله دهاء من الإعلام المصري، وهذا لا يقلل من الإعلام لدينا، ولكن الإعلام الإسرائيلي طول عمره شاطر في عرض الموقف الخاص بها عالميا، واستعطاف العالم كله، ودائما يظهروا أنفسهم مظلومين، وأبسط شئ في نصر أكتوبر أن وزير خارجية أمريكا قال إن النصر أوصلنا فيه النقطة لأن تستغيث إسرائيل بأمريكا، والمعدات التي كان يتم تدميرها يأتي لهم بدلا منها من الناتو، لدرجة أن هناك معدات أسرت لدينا في مصر بها لون الناتو حتى الآن، وإسرائيل كانت تعوض فورا، ومصر لا تعوض بهذه السرعة، وجاء وقت من الأوقات بحسب تقديري أن والدي حسبها بأن يحافظ على بلده، لأن واشنطن لن ترمي إسرائيل في البحر، وأمر الثغرة وما ذلك مجرد شو ليس أكثر، لأن الثغرة كانت ستصفى، وهذا مدون ومسجل لأن إسرائيل لا تحتمل أن يموت لها شخص، ولديهم قيمة عالية للإنسان، والقوات الخاصة المصرية كانت تدخل يوميا للقيام بعمليات وتأسر أعداد وتقتل أخرى من هذه الثغرة، وهذا انتصار سياسي بالنسبة لهم، ولعبوا على هذه النقطة بمهارة شديدة، ولكن من الواقع العسكري هذا ليس صحيح. ■ الكليات العسكرية في العالم تدرس التكنيكات العسكرية هذا يعطينا فخر على فخر؟ -هذا حقيقي بالتأكيد. ■ أهالينا كانوا خائفين من العيش في وهم الانتصار مثل النكسة.. ماذا عنكم؟ -شخصيا، والدي عمره ما قال لي شئ لا يعنيه، ولا أتخيل أن يقول شئ لا يعنيه، قد يخطئ ولكن ما يقوله هو يعنيه ويكون الصح، ولم نكن نشك إطلاقا في أي بيانات عسكرية تخرج.