إثيوبيا بين أبرهة والنجاشي

مجدى علام

مجدى علام

كاتب صحفي

فى كتاب الطريق إلى جهنم وهو كتاب من تأليف الدكتور مصطفى محمود فى عام 1994 والذى يتحدث فيه عن حرب المياه وأن منطقة الشرق الأوسط سوف تصبح ميداناً على المياه فى القريب، وقد بدأت مقدمات تلك الحرب من الآن، فالمياه تسرق بالفعل من نهر الليطانى، ونهر الأردن، والمياه الجوفية تسحب من تحت أرض الضفة لتروى مزارع المستوطنين، ولا يسمح للفلسطينى صاحب الأرض إلا بالقليل.

وهناك أكثر من مائة مليون يتكاثرون ويتناسلون ويتضاعفون على حصة مائية محدودة لا تزيد، والعراق ولبنان والأردن وفلسطين وإسرائيل تعتمد على أنهار الأردن والليطانى واليرموك ودجلة والفرات وعلى صحارة جوفية محدودة تحت الأرض وعلى الأمطار التى تهطل على جبال تركيا، و«المحبس» القادم منه أكثر تلك المياه فى يد تركيا تفتحه كما تشاء لمن تشاء، وقد ارتبطت إسرائيل بمعاهدات مياه من الآن بتركيا، وسوف تشترى منها حصصها الإضافية فى المستقبل بالدولار.

أما مصر فتعتمد على مياه النيل القادمة من أعالى الحبشة، وعلى صحارات المياه الجوفية فى سيناء وسيوه والوادى الجديد والصحراء الغربية.

وموجات الجفاف كوارث محتملة فى المستقبل، والتدخل العدوانى بحجز المياه ببناء السدود على منابع النيل فى إثيوبيا احتمال آخر تذكرة للأطراف صاحبة المصلحة ولكنه فى حالة الحرب سوف يصبح الاستراتيجية رقم ١.

نقص مليار متر مكعب من المياه يسبب الضرر لمليون مصرى، نقص المياه سيؤدى لفقدان فرص العمل وزيادة الهجرة غير الشرعية ومواردنا 60 مليار متر مكعب من المياه ونحتاج لـ114 مليار متر سنوياً، أى نقص فى الموارد المائية سيتسبب فى أضرار جسيمة، حيث إن نقص مليار متر مكعب من المياه سيتسبب فى فقدان ٢٠٠ ألف أسرة لمصدر رزقهم الرئيسى فى الزراعة، وهو ما يعنى تضرر مليون مواطن من أفراد هذه الأسر، وقطاع الزراعة فى مصر يعمل به نحو ٤٠ مليون نسمة على الأقل، وبالتالى فإن أى نقص فى الموارد المائية ستكون له انعكاسات سلبية ضخمة على نسبة كبيرة من سكان مصر، حيث سيؤدى فقدان فرص العمل لحالة من عدم الاستقرار المجتمعى، التى ستؤدى لموجة كبيرة من الهجرة غير الشرعية للدول الأوروبية وغيرها أو انضمام الشباب للجماعات الإرهابية، خاصة مع وصول المفاوضات إلى مرحلة من الجمود نتيجة للتعنت الإثيوبى، ومصر أبدت مرونة فى التفاوض قوبلت بتعنت كبير من الجانب الإثيوبى لمنع الالتزام بما تم الاتفاق عليه، مع التأكيد فى الوقت ذاته أن مصر لن تقبل بالفعل الأحادى لملء وتشغيل السد الإثيوبى، ومصر ليست ضد التنمية فى دول حوض النيل والدول الأفريقية، بل على العكس، فإن مصر تدعم التنمية بالدول الأفريقية بكل السبل الممكنة، والإشارة إلى أن مصر منفتحة على التعاون مع جميع الدول الأفريقية، وخاصة دول حوض النيل، بشرط مراعاة شواغل دول المصب، وقد سبق لمصر بالفعل مساعدة دول منابع حوض النيل فى بناء السدود فى إطار تعاونى توافقى، ومصر لم تعترض على أى سد فى إثيوبيا وتدعم التنمية بها، ولكنها تريد تحقيق التعاون باتفاق قانونى عادل وملزم لملء وتشغيل السد الإثيوبى، بما يحقق المصلحة للجميع، وهو ما ترفضه إثيوبيا وتعمل على فرض الأمر الواقع واتخاذ إجراءات أحادية بدون الرجوع لدولتى المصب.

وقطاع المياه فى مصر يواجه مجموعة تحديات على رأسها محدودية الموارد المائية المتاحة، والإجراءات الأحادية التى يقوم بها الجانب الإثيوبى فيما يخص ملء وتشغيل سد النهضة، بالإضافة للتغيرات المناخية وتأثيراتها السلبية، وأعدت مصر استراتيجية للموارد المائية حتى عام ٢٠٥٠ بتكلفة تصل إلى ٥٠ مليار دولار، وقد تصل إلى ١٠٠ مليار دولار، بجانب وضع خطة قومية للموارد المائية حتى عام ٢٠٣٧، تعتمد على أربعة محاور تتضمن ترشيد استخدام المياه وتحسين نوعيتها وتوفير مصادر مائية إضافية وتهيئة المناخ للإدارة المثلى للمياه.

وختاماً: إن مصر تعد من أعلى دول العالم جفافاً، حيث تعانى من الشح المائى، حيث تقدر موارد مصر المائية بحوالى ٦٠ مليار متر مكعب سنوياً من المياه، معظمها يأتى من مياه نهر النيل، بالإضافة لكميات محدودة للغاية من مياه الأمطار التى تقدر بحوالى ١ مليار متر مكعب، والمياه الجوفية العميقة غير المتجددة بالصحارى، فيما يصل إجمالى الاحتياجات المائية فى مصر لحوالى ١١٤ مليار متر مكعب سنوياً من المياه، ويتم تعويض هذه الفجوة من خلال إعادة استخدام مياه الصرف الزراعى والمياه الجوفية السطحية بالوادى والدلتا، فضلاً عن استيراد منتجات غذائية من الخارج تقابل ٣٤ مليار متر مكعب سنوياً من المياه.

وإن مصر ودول العالم تشهد تغيرات مناخية متزايدة، مما ينتج عن هذه التغيرات المناخية من تهديدات للتنمية المستدامة وتهديد لحق الإنسان فى الحصول على المياه، وتعد مصر من أكثر دول العالم تأثراً بالتغيرات المناخية، فضلاً عن المخاطر التى تواجهها أراضى الدلتا الأكثر خصوبة نتيجة الارتفاع المتوقع لمنسوب سطح البحر، وتداخل المياه المالحة، والذى يؤثر على جودة المياه الجوفية، الأمر الذى سيؤدى لنزوح الملايين من المصريين المقيمين بشمال الدلتا.

وختاماً: فإن مصر تحب إثيوبيا المسيحية التى استقبلت مسلمى مصر الأوائل وأولهم النجاشى ولا تحب أبرهة الحبشى الذى نزلت فيه صورة الفيل وأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل ويبدو أن سورة الفيل نزلت من السماء لتسجل ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم وانتصار العرب على الأحباش قديماً وإلى أبد الدهر وإذا كان عبدالمطلب انتصر على أبرهة فإن أبناءه فى مصر والعرب سينتصرون على آبى أحمد.