الذكر و«عالم عيال عيال»
فى مسألة ذكر الله وعدد مراته، والشيخ والمريد وما بينهما من عهد، دعونا نستحضر هذا المشهد من فيلم «عالم عيال عيال».دخلت الزوجة إلى غرفة العمليات كى تضع حملها.. وكانت صديقتها وأولادها وأولاد زوجها يقفون فى الخارج والكل فى حالة قلق.. تنظر الصديقة إلى الأولاد وتسألهم: «عاوزين ماما تخف؟»، أجابوها: «أيوه».. ردت: «خلاص قولوا يا لطيف.. يا لطيف.. يا لطيف».انطلق الأطفال يذكرون: «يا لطيف.. يا لطيف.. يا لطيف» حتى سمعوا بكاء الضيف الجديد فهللوا وصفقوا.. وفجأة قال لهم أحد الصغار: «ياللاه نقول يا لطيف تانى عشان يجيلنا أخ تانى».. فانطلق الصغار يذكرون من جديد حتى سمعوا «وأوأة» ضيف آخر.البعض يفهم معنى الذكر كما فهمه أطفال فيلم «عالم عيال عيال» فيظنون أنه مجرد ترديد باللسان أو تسميع بالكلمات.ذكر الله تعالى مطلوب فى كل وقت وحين، ولكن ظنى أن الذكر لا يعنى ترديد اسم من أسماء الله جل وعلا باللسان بعدد معين مع هز الرأس أو غيره من أعضاء الجسد.هذا الفهم للذكر يرتبط بحالات الهزيمة والضعف والانكفاء التى تضرب الفرد أو المجموع، والذكر فى هذه الحالة لا يعدو أن يكون وسيلة من وسائل التتويه والتغييب عن الواقع، شأنه شأن أى وسيلة يعتمد عليها المهزوم أو المحبط أو الضائع فى التوهان أو النسيان.فى تقديرى أن «الذكر» الذى تحدّث عنه القرآن الكريم يعنى تذكُّر الله فى كل فعل أو سلوك يأتيه الإنسان فى حياته اليومية، وليس مجرد ترديد لمفردات أو عبارات معينة على اللسان، فالإيمان محله القلب وليس اللسان، وإذا تمكّن الإيمان من قلب إنسان أسلمت له كل جوارحه.يقول الله تعالى: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ».. لا يختلف اثنان على أن المقصود بالذكر فى الآية الكريمة هو «القرآن الكريم» بما يحمله من قيم وأخلاقيات وتعاليم إنسانية رفيعة، وحفظ القرآن يعنى حفظ قيمه وأخلاقياته وتعاليمه فى قلوب وسلوكيات وسكنات وحركات المؤمنين به.كانت السيدة عائشة رضى الله عنها تصف النبى صلى الله عليه وسلم قائلة «كان خلقه القرآن»، وفى مناسبة أخرى تصفه قائلة: «كان قرآناً يمشى على الأرض».فالذكر يعنى استحضار الله فى كل سلوك يأتيه الإنسان والعمل بالقيم والأخلاقيات والتعاليم التى نص عليها القرآن الكريم.بعض البسطاء من المصريين يبررون عمليه «التفقير فى الموالد» بالآية الكريمة التى تقول: «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ». و«التفقير» من وجهة نظرهم هو الذكر بالتمايل على الجنبين وترديد «الله حى».الآية واضحة المعنى بيّنة الدلالة، وهى تشير إلى أن المؤمن يستحضر قيم وتعاليم وأخلاقيات رسالة السماء فى كل موقف من مواقف حياته، سواء كان قاعداً يحكى، أو قائماً يمشى، أو ماشياً يسعى، وحتى وهو نائم، تجده يستذكر عمل يومه ويحاسب نفسه على أعمال يومه قبل أن يحاسبه الله.الذكر بهذا المعنى «رافعة» من روافع النهوض بالفرد والمجتمع، ودعامة أساسية من دعامات بناء الإنسان النافع المنتج.الذكر -كما حدد القرآن معناه- يصنع بشراً قادرين على تطوير الحياة والنهوض بها، أما الذكر بمعناه الذى يروّج له البعض حالياً فيعبر عن بشر يريدون التغييب ويدفعون غيرهم إلى الدخول فى حالة غيبوبة، ويعكس حالة مجتمع واقعه بـ«عافية»!