حكم أكل الكبدة في الإسلام بعد دراسة دينية تحرم الدم المسفوح

كتب: أحمد البهنساوى

حكم أكل الكبدة في الإسلام بعد دراسة دينية تحرم الدم المسفوح

حكم أكل الكبدة في الإسلام بعد دراسة دينية تحرم الدم المسفوح

من آن لآخر يثور تساؤل عن الأطعمة المحللة والمحرمة، خاصة أكل الكبدة باعتبارها من الأكلات الأكثر شعبية خاصة في مصر، وأجريت دراسة تطبيقية عن الأطعمة المحللة والمحرمة ومستجداتها الفقهية بعنوان «دراسة تطبيقية مقارنة في ضوء سورة المائدة» لكل من الدكتور عدنان العساف، والدكتورة جميلة الرفاعي، بالجامعة الأردنية، وتحدث البحث عن سبب نزول الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[1-2:المائدة].

وبالتزامن مع موضوع البحث، يثور تساؤل بخصوص أكل الكبدة هل حلال أم حرام؟ لا سيما أن الكبدة معروف عنها أنها عبارة عن تجمع دموي.

أحل لنا ميتتان ودمان

وفي هذا الخصوص يقول الدكتور عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر، إنه قد أحل لنا ميتتان ودمان فالميتتان هما السمك والجراد، والدمان هما الكبد والطحال.

وتابع الأطرش في تصريح خاص لـ«الوطن»: «إن أكل الكبد حلال لا شيء فيه، الأطعمة المحرمة واردة في القرآن الكريم في قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (3).

البحث الأردني

وبالعودة إلى البحث الأردني الذي نشر على موقع دار الإفتاء الأردنية، فقد استهدف بيان أهم قواعد وأحكام الأطعمة في الفقه الإسلامي، منطلقاً من المنظور القرآني لهذا الموضوع وفقاً لما ورد في سورة المائدة، وبمنهج فقهي مقارن في المذاهب الأربعة، وقد تضمن تخريج علل هذه الأحكام لتكون أساساً للبحث والاجتهاد فيما يستجد من الأطعمة مستقبلاً، كما ألقى الضوء أيضاً على تطبيقات معاصرة لأحكام الأطعمة الواردة في هذه الآيات الكريمة من سورة المائدة كالمستجدات الفقهية المتعلقة بطريقة قتل الحيوانات مأكولة اللحم، وحكم اللحوم المستوردة من البلاد الأجنبية، والمستجدات المتعلقة بالأطعمة المعلبة وأطعمة (الكوشر)، والمستجدات المتعلقة بالأطعمة التي تقدمها المطاعم المعاصرة، كما ألقى الضوء على تطبيقات معاصرة للصيد.

وتحدث البحث عن الدم، موضحا أن المقصود بالدم الوارد في هذه الآية الكريمة هو الدم المسفوح، لقوله تعالى: (أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا)[145: الأنعام]، قال ذلك: ابن عباس، وسعيد بن جبير[67].

واتفق الفقهاء[68] على حرمة الدم ونجاسته، وأنَّه لا يؤكل ولا ينتفع به؛ لأنَّه يحمل فضلات الجسم، بما فيها من أمور ضارة (كالجراثيم، والميكروبات، وغيرهما مما يسبب الأمراض)، ومن ثمّ إذا شربه الإنسان فقد يناله الضرر، وينتقل إليه المرض الذي يحمله الدم.

أما الدم الباقي في اللحم وعظامه فهو طاهر[69]؛ لحديث السيدة عائشة عندما كانت تسأل عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، فكانت تقول: (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا)[145: الأنعام] ثم تقول: «كنَّا نطبخ البُرمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلوها الصفرة من الدم فنأكل ولا ننكره»[70]، كما أنَّ في التحفظ منه مشقة، والدين الحنيف رفع المشقة والحرج عن المكلفين، قال القرطبي: «ومن أصول الشرع أنَّه كلما حرجت الأمة في أداء العبادة، وثقل عليها سقطت العبادة عنها»[71].

ويجدر بالذكر أنَّ الظاهرية خالفوا جمهور الفقهاء، فقالوا إنَّ الدم كله حرام، فقد حرم في أول الإسلام في مكة الدم المسفوح وحده، ثم حرم بالمدينة الدم عموماً، فمن لم يحرم إلاَّ المسفوح وحده، فقد أحل ما حرم الله، واستدلوا أنَّ الآية التي حرمت الدم جملة هي آية المائدة، وقد ورد أنَّها آخر سورة نزلت، لذا ما وجدنا فيها من حرام فيجب علينا أن نحرِّمه[72].

الرأي المختار

هو حرمة تناول الدم المسفوح لورود النص في هذا، سواء كان دم حيوان مأكول اللحم أم محرم الأكل أو دم إنسان، ويستثنى من حرمة الدم المسفوح الباقي في العروق ولمشقة تجنبه، ولا بد من الإشارة إلى أنه يجوز أن يعطى الدم للمريض عن طريق العروق والأوردة، إذا دعت لذلك دواعي الطب الحديث، كالعمليات الجراحية وغيرها، لما في ذلك من إنقاذ لحياة الإنسان، والقول بهذا يحقق مقصداً ضرورياً من مقاصد الشريعة الغراء وهو حفظ النفس، كما أنَّ حقن الدم في العروق يختلف طبياً عن تناوله عن طريق الفم والجهاز الهضمي، والله أعلم.

 


مواضيع متعلقة