46 عاما من العطاء بقرية تونس.. «إيفيلين» السويسرية وداعا

كتب: أسماء أبو السعود

46 عاما من العطاء بقرية تونس.. «إيفيلين» السويسرية وداعا

46 عاما من العطاء بقرية تونس.. «إيفيلين» السويسرية وداعا

عاشت «إيفيلين بوري» الخزافة السويسرية حياة الفلاحين في ريف مصر، حيث افترشت الأرض، واستخدمت اللمبة الجاز لتبديد عتمة الليل، وملأت المياه من الطلمبة، وارتدت ملابس أهالي الريف، وتحدثت بلهجتهم، بل وأحبت أهالي قرية تونس بمحافظة الفيوم، والذين بادلوها نفس المشاعر.

خلال زيارتها للقرية النائية الفقيرة، رفقة طليقها الشاعر سيد حجاب، قبل ما يقرب من نصف قرن، قررت الزوجة السويسرية الشابة، في ذلك الوقت، الاستقرار في قرية تونس، وبنت منزلاً من الطين، اعتمدت على إضاءته بـ «لمبة الجاز»، ثم قررت بناء مدرسة بجوار منزلها، لتعليم صناعة الفخار والخزف، لتعليم أبناء القرية حرفة صناعة الفخار بطريقة صحيحة ومبدعة.

رحلة 36 عاماً من عمر «إيفيلين» في الحياة الريفية البسيطة

قضت «إيفيلين بوري»، 36 عاماً في قرية «تونس»، تعيش حياة ريفية بسيطة، تأكل من أكل الفلاحين وترتدي ملابسهم، واستمرت حياتها كذلك حتى نظمت أول مهرجان للخزف بقرية تونس عام 2011، برعاية أحمد علي، محافظ الفيوم آنذاك، ذلك المهرجان الذي كان سبباً في تحوّل حياة أهالي القرية النائية، واهتمام المسئولين بها، كما كان سبباً في توصيل مياه الشرب والكهرباء لأهالي القرية.

طيور وحيوانات من الطين سر بناء «إيفيلين» لمدرسة الفخار

ذات صباح باكر، خرجت «إيفيلين» تتجول في قرية تونس وتستنشق هوائها النقي، فوجدت بمجموعة من الأطفال يجلسون على حافة إحدى الترع، يصنعون أشكالاً مختلفة من الطيور والحيوانات بواسطة الطين، الذي يستخرجوه من  الترعة، ففكرت في أنّ تحول تلك الهواية إلى حرفة لهم تنفعهم حينما يكبروا وتكون مصدر رزق لهم، خصوصاً أنّها خريجة كلية الفنون التطبيقية وخزّافة قديمة، وعملت طوال سنوات لدى «رمسيس ويصا واصف» ، فاستعانت بالدكتور عمر الفاروق، لمساعدتها في اختبار طمي تونس في الحرق، وحينما تأكدوا من جودته شيّد لها المدرسة، وبدأت في تعليم الجيل الأول من أطفال القرية لصناعة الفخار.

بداية انطلاق القرية البدائية للعالمية بفضل «إيفيلين»

لم تكتف «إيفيلين» بإنشاء مدرسة وتعليم الأطفال لصناعة الخزف إلا أنّها دعت الكثير من أصدقائها في مصر والدول الأجنبية لزيارة القرية، وبالفعل بدأوا يتوافدون الواحد تلو الآخر واشتروا أراضي وبنوا عليه منازل بالطمي على الطراز الإسلامي، وأبرزهم الفنان محمد عبلة والمهندس المعماري حسن فتحي، والمهندس المعماري عمر الفاروق، وغيرهم، والذين أعجبوا كثيراً بالقرية التي حبّاها الله طبيعة رائعة حيث تكسوها الزراعات والأشجار، وتطل على بحيرة قارون والساحل الشمالي للبحيرة، وخلفها صحراء وادي الريان الأمر الذي جعلها كلوحة فنية بارزة من صنع الخالق.

«إيفيلن» جعلت «فخار تونس» الأجود والأروع والأشهر عالمياً

وبفضل مدرسة «إيفيلن بوري» التي علّمت أطفال قرية تونس صناعة الخزف والفخار بدقة ومهارة عالية، اشتهر «فخار تونس» في جميع أنحاء العالم، وأصبح طلابها يشاركون في الكثير من المعارض بالدول الأجنبية، بالإضافة إلى تصدير منتجاتهم للكثير من الدول أبرزها بلجيكا وسويسرا وفرنسا والبرازيل والإمارات والكويت والسعودية وغيرها من جميع أنحاء العالم.

«إيفيلين» كانت تفرح بافتتاح ورش خاصة لطلابها وتحزن لفشلهم

كانت الخزافة السويسرية «إيفيلين بوري» تفرح دائماً بنجاح طلابها وتمكنهم من افتتاح ورش خاصة بهم، وتظل تدعمهم وتساندهم بعد انفصالهم عن المدرس بل إنها كانت تقوم بمساعدتهم في تسويق وتصدير منتجاتهم، كما كانت تحزن كثيراً حينما يفشل أحد طلابها أو لا يتقدم ويتطور بسهولة، وكانت تظل تلح عليه في التعليم حتى ينجح.

حب وزواج وفن برعاية «إيفيلين بوري»

لم تكن «إيفيلن» فقط سبباً في سعادة أهالي قرية تونس بتعلّم حرفة وإتقانها والتربح منها، بل كانت سبباً في الكثير من حدوث قصص الحب والزواج في مدرستها سواء بين المصريين أو الأجانب أو المصريين والأجانب، حيث كان الكثير من طلابها في المدرسة يقعون في غرام بعضهم البعض ثم يخبروها ويتزوجون مع بعضهم أبرزهم الفرنسيين الذين تزوجوا شباباً من تونس خلال تعلمهم صناعة الفخار في مدرسة «إيفيلن».

رحلت «إيفيلن» قبل أن تحقق حلمها بالحصول على الجنسية المصرية

لم تكن «إيفيلن» تحلم بشئ سوى أنّ تحصل على الجنسية المصرية التي سعت كثيراً للحصول عليها على مدار 46 عاماً عاشتهم في قرية تونس، وكانت تحزن كثيراً حينما يتم رفض طلبها وتردد قائلةً «أنا مصرية أكتر من المصريين الذين يريدون أن يهاجروا ويتركوا مصر.. أنا تركت بلدي منذ أكثر من 46 عاماً حتى الآن وأسافرها فقط لرؤية أشقائي كل 6 أعوام» إلا أنّها رحلت دون تحقيقه، حيث توفيت منذ قليل إثر إصابتها بهبوط حاد في الدورة الدموية عن عمر ناهز 86 عاماً


مواضيع متعلقة