الغزو البري لـ«غزة»

فجر الجمعة الماضى نقلت وكالة «فرانس برس» عن جيش الاحتلال الإسرائيلى توغل قواته فى غزة، بعدها بادرت القناة العاشرة الإسرائيلية إلى نفى الخبر، وخرج المتحدث باسم جيش الاحتلال مؤكداً أن خطأً وقع فى الترجمة.

ما تعلنه الجهات الرسمية فى إسرائيل حول الغزو البرى لغزة يتناقض مع ما يحدث على أرض الواقع. فقد سلطت العديد من وسائل الإعلام العالمية الضوء على مشاهد نقل الآليات العسكرية من أنحاء عدة من إسرائيل وحشدها على تخوم غزة.

يحدث على الأرض أيضاً استدعاء لنحو 7000 من احتياط جنود جيش الاحتلال وسط أوامر أصدرها وزير الحرب (المسمى بوزير الدفاع) الإسرائيلى بدفع المزيد من التعزيزات العسكرية إلى حدود غزة.

وفى زخم الجهود المبذولة لوقف إطلاق النار وإنهاء التصعيد العسكرى بين قوات الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية فوجئنا بالولايات المتحدة الأمريكية ترسل طائرة عسكرية لسحب 120 أمريكياً عسكرياً ومدنياً من إسرائيل بسبب تصاعد أعمال العنف.

بادرت إسرائيل يوم السبت الماضى أيضاً إلى تدمير مبنى الجلاء بغزة الذى يضم عدداً من المكاتب الإعلامية التابعة لقنوات ووكالات أنباء - بعضها أمريكي - فى خطوة عجيبة وغير متوقعة.

هل تحمل هذه التفاعلات التى تحدث على الأرض مؤشراً على وجود عزم مبيت للقيام بالخطوة الأخطر المتمثلة فى غزو «غزة»؟.

الغزو خطوة تتمناها إسرائيل، فى سياق رغبتها فى الضغط على الغزاويين إلى أقصى مدى ممكن، ومنح قوات الاحتلال الفرصة كاملة لتفكيك القدرات العسكرية لفصائل المقاومة، لكن يحول دون تحقيق هذه الأمنية عدد من العوامل.

من أبرز هذه العوامل التجربة البائسة التى عاشها الكيان الصهيونى حين غزا غزة برياً وسيطر على نواحيها أيام «شارون»، وعانى الأمرّين نتيجة عمليات المقاومة، وخرج «شارون» منها وهو يردد أن الوجود فى غزة أشبه بـ«الكابوس».

تشترك تخوم غزة فى جزء منها أيضاً مع الحدود المصرية، مما يجعل مسألة غزوها من جانب جيش الاحتلال أمراً محفوفاً بالحيطة والحذر، لأن تهديد غزة يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومى المصرى.

ولعلك تعلم أن مصر أدارت قطاع غزة لفترة طويلة من الزمن، فى أعقاب نكبة 1948، حين تدخلت لإدارة المدينة حتى لا يبتلعها الاحتلال ضمن ما استولى عليه من أراضٍ فلسطينية.

وليس هناك خلاف على أن التدخل المصرى حينذاك يؤشر إلى اهتمام صانع القرار المصرى بهذا الجزء من الوطن الفلسطينى، نظراً لما يشكله من أهمية بالنسبة للأمن القومى للبلاد.

وغزة من أكثر المدن العربية كثافة من حيث عدد السكان قياساً إلى مساحتها، حيث يقطنها أكثر من 2 مليون فلسطينى يعيشون على ما يقرب من 365 كيلومتراً مربعاً.

ولك أن تتخيل تأثير السيطرة على أراضى القطاع على السكان الذين يضيق بهم المكان.

اجتياح الاحتلال الإسرائيلى لغزة ليس بالأمر السهل، وهو فى كل الأحوال غير مأمون العواقب، وقيام تل أبيب بهذه الخطوة يعنى ببساطة أنها عزمت على أمر ما، لأنها جربت قبل ذلك الاحتلال البرى وخرجت مدحورة مذعورة من المدينة الباسلة، وبالتالى فتدخلها - إذا حدث - هذه المرة قد تكون له أهداف أكبر مما تتخيل.