الجنزوري والدكتوراه في أمريكا.. رحلة دراسة ونجاح تنتهي بحزن النكسة

كتب: دينا عبدالخالق

الجنزوري والدكتوراه في أمريكا.. رحلة دراسة ونجاح تنتهي بحزن النكسة

الجنزوري والدكتوراه في أمريكا.. رحلة دراسة ونجاح تنتهي بحزن النكسة

لأعوام عديدة، عمل على ترسيخ الأمان والاستقرار والدعم السياسي للبلاد، داخلها وخارجها، منذ أن كان داخل قريته بالباجور في المنوفية، إلى التحاقه بوزارة التخطيط، والتي تدرج فيها إلى أن وصل لمنصب بالغ الأهمية وهو رئيس الحكومة لمرتين، قبل أن يترك العمل السياسي تماما، ويرحل عن العالم، تاركا خلفه مسيرة سياسية مضيئة.

وفاة كمال الجنزوري

رحل الدكتور كمال الجنزوري، رئيس وزراء مصر السابق، بعد صراع طويل مع المرض، بمستشفى القوات الجوية، بالتجمع الخامس في القاهرة، عن عمر ناهز الـ88 عامًا، شغل العديد من المناصب والمسؤوليات منها وصوله إلى رئاسة الحكومة مرتين، ولقب بـ«وزير الفقراء».

مسيرته السياسية والشخصية، تزدحم بالكثير من الأسرار والتفاصيل الخفية التي كشف بعضها في مذكراته الشخصية التي نشرتها دار «الشروق» بعنوان «طريقي»، وكان بينها واحدة من محطاته البارزوة بحياته وهي دراسته للدكتوراه في أمريكا.

من الباجور لأمريكا.. حلم الدكتوراه

بعد طفولته في الباجور، وانتقاله إلى القاهرة والتحاقه بالعمل في وزارة الزراعة ومنها إلى التخطيط، أعلنت الأخيرة عن بعثة لدراسة الاقتصاد بالولايات المتحدة للحصول على درجة الدكتوراه، التي فاز بها مطلع عام 1963، ليسافر بصحبة أسرته إلى مدينة لانسينج عاصمة ولاية مشيجان للدراسة بجامعة مشيجان، المصنفة وقتها بأنها من أفضل 10 جامعات بالاقتصاد في أمريكا، حيث شرح الجنزوري بخط يده شكل المدينة وقتها ونظام الدراسة.

رغم مرور العديد من الأعوام، إلا أن رئيس الوزراء الراحل كان يمتلك ذاكرة قوية يتذكر من خلالها تفاصيل عديدة عن حياته، حيث سرد جانبا من نظام الدراسة، والمشرف عليها الأستاذ الدكتور لورانس ويت، مضيفا أنه حرص على دراسة 5 مواد بدلا من 3 خلال الفترة المحددة ليتمكن من العودة سريعا إلى مصر، وضاعفها أيضا خلال السنوات اللازمة للتأهيل لإعداد الدكتوراه، قائلا: «سارت الدراسة على نمط واحد، أذهب صباحا إلى الجامعة، ومساء إلى المكتبة التي تحتوي على قدر هائل من الكتب، وحرصت على حضور كل الندوات التي كانت لقاءات خصبة لالتقاط من يصلح كنواة لقيادة سياسية بالبلاد، ولكم كنت أود أن أرى ذلك في بلدنا بدلا من مراقبة لاعبي الكرة».

طفلته الأولى والضائقة المالية

وبعد أشهر قليلة، استقبل الجنزروي وزوجته طفلتهما الأولى بأمريكا، ليواجه حينها ضائقة مالية ضخمة، حيث لم يكن راتبه يتجاوز 260 دولار، بينما وصلت تكلفة الولادة والحضانة إلى 820 دولارا، وهو ما يتجاوز قدرته وقتها، لتمنحه المستشفى هدية للمولودة وهي إمكانية تقسيط المبلغ على عام، ما أسعدهما بشدة وقتها.

الصدق والحرص على العمل.. الجنزوري يبدي إعجابه بالمجتمع الأمريكي

وفي العام نفسه، لمس الفارق البالغ في الديمقراطية، بعد اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي، وتولي نائبه ليندون جونسون، الذي تجرأ أحد الشباب على إهانته على الهواء مباشرة، ليرد عليه بابتسامة وينهي الأمر دون خلاف، حيث قال الجنزوري واصفًا الموقف: «لم أصدق أذني ولم أتصور ذلك على الإطلاق».

كما أبدى إعجابه أيضا بالحرص الشديد بين أفراد المجتمع الأمريكي على كسب المال والعمل، حيث ضرب مثالا بأحد أصدقائه في الجامعة والذي تصادف أنه حفيد صاحب مصانع شركة فورد الضخمة لإنتاج السيارات، ولكنه كان يعمل خلال فترة الصيف لتوفير المال له من أجل الدراسة، لذلك حرص على التعلم بقدر كبير عن السياسة والاجتماع والعلاقات الإنسانية والأسرية بمختلف الولايات.

وكان أول المنضمين لجميعة المصريين في الولايات المتحدة وقتها، ليمثل منطقة شمال شرق أمريكا، مع آخرين منهم الدكتور سعد الدين إبراهيم والدكتور محمد عبدالهادي والدكتور أسامة الباز، وبالتزامن مع ذلك لمست الجامعة الأمريكية تميزه لتقرر تعيينه باحثا.

 

يوم العداون.. الجنزوي: بكيت كما لم أبك من قبل ونسيت الدكتوراه

حرص الجنزوري على الانتهاء سريعا من الدكتوراه، حيث بدأ الاستعداد للامتحان التحريري والشفوي الذي تصادف أنه يوم 5 يونيو 1967، الذي ظهرت نتيجته بنفس اليوم، بصحبة 3 أجانب و4 أمريكان، والأجانب هم النيجيري جون أبولو الذي أصبح وزيرا للخارجية ببلاده لاحقا، وفرانسيس فانجيج أرجنتيني الذي بات وزير الاقتصاد أيضا فيما بعد، أما الأمريكان كان بينهم بن ديفيد، وهو إسرائيلي الجنسية.

وكتب: «كنا في الجامعة، فأعلن نجاحي أنا وصديقي الأجانب، ورسوب الإسرائيلي والأمريكان الثلاثة، فسجدت لله حمدا على بلوغي ما سعيت وجاهدت من أجله منذ خروجي من بلدي مصر، وعدت سريعا للمنزل لأجبر زوجتي وأحتضن طفلتي، ليجد أمام شقته والشقة المجاورة، رقصة الدبكة الشهيرة في بلاد الشام، بينهم بن ديفيد فتركتهم ودخلت الشقة وأغلقت الباب واستمعت للتلفزيون وكان المذيع هو المعلق الشهير وولتر كرونكايت يعلن أن الحرب بين إسرائيل والعرب بقيادة مصر بدأت وانتهت خلال 6 ساعات بهزيمة العرب ومصر وانتصار إسرائيل، وأن الجيش المصري بدأ في الانسحاب العشوائي تاركًا سيناء».

سيطر عليه حينها شعور من الصدمة والحزن العارم، حيث لم يصدق ذلك كونه ترك مصر ولديه يقين في قدرتها على مواجهة إسرائيل، ليصف حالته حينها: «بكيت كما لم أبك من قبل، وبكت زوجتي وابنتي سوزان على ما بدا علي من حزن، وخرجت بعدها من المنزل لأسمع في مساكن قريبة شدو أم كلثوم بكلمات مصر التي في خاطري فبكيت».

من شدة الحزن وقتها نسي الجنزوري أمر الدكتوراه، وخاصة يوم 9 يونيو 1967 حينما سمع الرئيس جمال عبدالناصر يعلن التنحي، قائلا: «كان يومًا تعيسًا حزينًا لن أنساه أبدًا، بدا لي كل شيء ضاع، أذكره كدرس مستفاد لابد من الحرص دائمًا ألا يتكرر»، حتى تمكن من استعادة ثباته وإنهاء الرسالة ومناقشتها في الأٍبوع الأول من يوليو بالعام نفسه وحصل عليها بالفعل، عائدا إلى مصر على متن باخرة من نيويورك إلى إيطاليا ومنها إلى الإسكندرية.

 

 

 


مواضيع متعلقة