تنظيم النسل.. بالحوافز!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

عبر مقالين عن الزيادة السكانية على المساحة ذاتها بـ«الوطن» الغراء، طالبنا بتصورات جديدة لمواجهة الانفجار السكانى الرهيب أحد أخطر المشكلات المزمنة فى مصر، ولا يقل فى الخطورة عن الإرهاب والفساد.. جميعهم يعرقل التنمية والتقدّم فى مصر!

قلنا إن الحوافز حل من الحلول.. وعودة الزائرة الصحية الريفية من الحلول المكمّلة، فضلاً عن عمل المرأة وتوفير فرص الحياة الكريمة لها من شأنه أن يؤثر بشكل أو بآخر على المشكلة الخطيرة!

الآن وبعد أن وضعت الدولة بالفعل خطط النهوض بالريف المصرى، وفى القلب منه المرأة المصرية تعلن الحكومة عن إطلاق صندوق خاص وصفته الدكتورة هالة السعيد بأنه صندوق حكومى، وأنه «لتأمين وتنمية» الأسرة المصرية، وأنه أيضاً سوف «يمنح حوافز للأسر الملتزمة بمحددات ضبط النمو السكانى، مع تطبيق التحول الرقمى وإنشاء منظومة إلكترونية باسم منظومة الأسرة المصرية»!

هنا نقول إن الحكومة دخلت بالفعل على خط المواجهة «العلمية - العملية» والحقيقية مع الأزمة.. وزيرة التخطيط تقول إنه سيتم ميكنة خدمات صندوق تأمين الأسرة وربطها بوحدات صحة وتنمية الأسرة، وكذلك فالمشروع يخطط لرفع كفاءة مستشفيات التكامل (التى أعادها الرئيس السيسى قبل عامين بعد وقف مشروعها بالكامل لسنوات طويلة) لتقدم التطعيمات وخدمات الرعاية الأولية من خلال عيادات لسيدات مصر مع وجود حضانات للمرأة العاملة، بما لا يمنع عملها ويحول دون عودتها للمنزل!

المخطط يسعى لتشغيل 200 مشغل خياطة ستلحق بالوحدات المذكورة فى 16 محافظة، وسيتم التدريب على إنتاج المنسوجات الطبية لسد حاجة المستشفيات، لنصل إلى الهدف قبل النهائى، وهو تدريب مليون سيدة على ريادة الأعمال عبر مليون مشروع متناهى الصغر لصالح المرأة!

الآن.. ستخرج المرأة فى الريف إلى عملها.. أو ستنشغل به.. إذ ليس بالضرورة أن تلتحق بعمل حكومى منضبط، بمواعيد محدّدة، وبالحضور وبالانصراف.. وإنما ستكون شريكة فى بناء اقتصاد وطنها بمشروعها الصغير أو متناهى الصغر.. تسعى لإنجاحه واستمراره، وبالتالى ستنشغل عما قد يشغلها ويمنعها عنه، ومن بين ذلك الحمل والإنجاب!

هذه الرؤية التى تأخرت قرابة أربعين عاماً ستُؤتى ثمارها حتماً حتى لو تأخرت قليلاً.. بعض الأعمال الكبرى تأتى نتائجها بطيئة، لكنها مهمة ومؤثرة.. وعندنا تتكامل هذه الجهود مع برنامج رعاية المرأة المصرية الملحق ببرنامج «تكافل وكرامة»، الذى يلزمها بتعليم أبنائها، ويلزمها بالزيارة الدورية للوحدات الصحية التابعة لها مع دورات التنمية البشرية المقرّرة مع المشروعات المهمة المعاونة لهذه الجهود كخطط صندوق «تحيا مصر» مثلاً التى تسير فى الاتجاه ذاته (وفّر الصندوق مشروعات صغيرة لـ١٣٦٥ سيدة وفتاة بمحافظة الفيوم و١٢٥٠ مشروعاً مثلها فى بنى سويف فى إحصائية بمناسبة العيد الوطنى للمحافظتين)، فضلاً عن مبادرات أخرى كثيرة تستهدف تغيير ثقافة مستقرة فى الكثير من مناطق مصر، خصوصاً فى الصعيد والدلتا وريفهما!

هذه الجهود الكبيرة جداً تحتاج إلى دعم وتعاون من كل مؤسسات المجتمع وأن يكون التعاون جاداً وصادقاً يشارك فيه الإعلام ليس فقط من خلال الدعاية المباشرة مثل «حسنين ومحمدين»، رغم أهميتها فى التأثير على البعض، وإنما أيضاً من خلال الشرح المبسّط للمسألة وتضفيرها درامياً وبرامجياً مع دور لوزارات الشباب والرياضة، وهى تتعامل بشكل مباشر مع شباب مصر، وهى فئة مؤثرة فى عائلاتها ومحيطها، وكذلك وزارة التربية والتعليم من خلال مناهجها ودروسها وموضوعات تعبيرها ومسابقاتها، وكذلك وزارة الثقافة من خلال ندواتها وتأثير أندية الأدب والقصة بها واتصالها المباشر أيضاً بفئات ذات تأثير فى دوائرها!

أخيراً: لا يصح والحال كذلك.. ظاهرة تلتهم موارد شعبنا وتمنع تقدمه وتحول دون وصول ثمار التنمية إليه وانعكاسها على معيشته.. ولا يصح وكل هذه الجهود تُبذل حتى الحوافز نفسها تم استقطاعها من «اللحم الحى»، كما يقولون ليُسدد المصريون فاتورتها كاملة، وحتى تحقق الخطة نجاحاتها نقول لا يصح، والحال كما شرحنا، أن تقف قوى فى المجتمع عكس حركة مجتمعنا كله.. الشعبى والرسمى.. لتشجع على استمرار الأزمة من خلال التشجيع على الزيادة السكانية، استناداً إلى فهم خاطئ للدين، وبناءً على أفكار خاطئة لا علاقة لها بالدين الإسلامى أو بأى دين آخر.. كل الأديان هدفها الأساسى سعادة الإنسان وتخفيف أعباء الحياة عنه والوصول بها إلى حدودها الدنيا.. وكل الأديان تقف موقفاً حاسماً من التواكل، وكلها تدعو إلى التفكير والتدبُّر، وليس أهم من حياة الناس لنقف وننتبه ونخطط للنهوض بها، وهو ما تفعله الدولة الآن!

هؤلاء المنحرفون بتعاليم الأديان السماوية يستحقون كل الردع الممكن.. ولا علاقة للأمر بحرية الرأى والتعبير.. إذ إن الحرية لا ينبغى أن تتعدّى إلى الآخرين، وتؤثر فى بسطاء لا يملكون الوعى الكافى للتصدى لمثل هؤلاء!

الدعوة إلى الانفلات الإنجابى تحت غطاء فقهى تستلزم أن تلعب منابر وزارة الأوقاف الدور الأكبر فى هذه الجهود، لتُقدم للناس الدين الصحيح الحقيقى.. الذى يسعى لتأسيس دولة متقدّمة ومجتمع متماسك وإنسان لا يعانى من الاحتياج ولا العوز ولا الفقر ولا البطالة ولا نقص فى وسائل التعليم والخدمات الصحية، وكل ذلك نتاج لأزمات مزمنة كثيرة أهمها الانفجار السكانى!

الخلاصة.. هذه معركة المجتمع كله، وله وعليه أن يخوضها حتى الانتصار فيها!