سر عناق أم الشهيد سعيد حمدي للنقيب جورج.. «ذكريات من الكلية الحربية لرمال سيناء»

كتب: شيماء البرديني

سر عناق أم الشهيد سعيد حمدي للنقيب جورج.. «ذكريات من الكلية الحربية لرمال سيناء»

سر عناق أم الشهيد سعيد حمدي للنقيب جورج.. «ذكريات من الكلية الحربية لرمال سيناء»

مشهد عابر وعفوي، لكنه يستحق أن نقف أمام تفاصيله، عناق حار بين النقيب جورج وليم، الضابط بالقوات المسلحة، وفاطمة عبدالرؤوف والدة الرائد الشهيد سعيد حمدي، عناق لم يستغرق دقائق، لكنه يلخص سيرة طويلة وذكريات تدفقت دفعة واحدة.   

الأم في حضرة الرئيس وسيرة الشهيد

«الرائد الشهيد سعيد حمدي.. يتسلم التكريم والده ووالدته» صعدت الأم بصحبة والد الشهيد، لمصافحة الرئيس واستلام التكريم، دموعها سبقتها، قدماها ترتعشان، اللحظة القاسية تعيد نفسها، تتذكر ابنها حي يرزق، تتذكره كل حين، لكن الإيمان دومًا يدفع إلي الصبر، يوم أن نادى منادي على اسم وحيدها، قفزت صورته أمام عينيها، تبكي بحرقة وهي تصعد درجات سلم معدودة، تنظر إلى الرئيس السيسي ولا تنطق بكلمة، يتبادلان الحكي بلغة الحرقة، لغة العيون الدامعة والقلوب المفطورة على خيرة أبناء الوطن، ممن قدموا الدم ثمنًا للحرية، ممكن قدموا الروح فداء لبقاء الوطن، أخفت الأقنعة الطبية الشفاه، لكنها أبدًا لم تخف ما فضحته العيون من تأثر متبادل، شعر به كل أسر الشهداء مع كلمات الرئيس السيسي، وما لمسوه حين جاءت لحظة التكريم والمقابلة وجها إلى وجه، الشهيد سعيد حمدي وشقيقه جورج وليم.

بطولة أم الشهيد سعيد.. أخفت إصابة النقيب جورج عن أسرته وتولت رعايته في المستشفى

 

 

كلمات بسيطة تحدث بها الأب إلى الرئيس السيسي، طالبه بصعود ابنته الوحيدة لتشهد تكريم شقيقها الشهيد، لكن كان للأم طلب آخر، بصوت دامع طالبت بصعود شقيق الشهيد، النقيب «جورج وليم».. لوهلة هال الجميع الاسم، للشهيد سعيد حمدي والأم فاطمة المحجبة، شقيق اسمه «جورج»؟ يصعد النقيب بخطوات عسكرية ثابتة، يؤدي التحية العسكرية أمام الرئيس السيسي ويصافحه، ثم يرتمي فيحضن أمه التي تبادله العناق والدموع، كلاهما يبكي «سعيد»، الابن والشقيق.

بداية الرحلة من الكلية الحربية 

للحكاية أصل، ترويه الأم وهي تتذكر تلك الأيام التي جمعت سعيد وجورج، حين تزاملا في الكلية الحربية، طيلة سنوات الدراسة كان «سعيد» و«جورج» بمثابة الشقيقين، تهاتف الحاجة فاطمة، جورج للاطمئنان على سعيد، وتستضيف السيدة حكيمة راغب والدة النقيب جورج، الرائد الشهيد سعيد بالأيام في منزلها، يجاور وليم، سعيد في غرفة واحدة، لا فرق بينهما، ترابطا بشكل حقيقي، لم ينتبه كلاهما لذلك الاختلاف الذي قد يتوقف عنده البعض، الصليب في يد جورج مجرد رمز لم يره سعيد، والمصحف في يد سعيد لم يره جورج إلا كتابًا مقدسًا، له قدسيته وجلاله، يحمل كلا منهما هويته لنفسه، وحبًا جارمًا للآخر بقناعة أنَّه ليس آخرًا، لكنه مكمل في الوطن وفي الحياة.

 

لـ جورج السبق في الوصول إلى سيناء

ليست وحدة وطنية كالتي تنقلها الشاشات، ليس قسًا يصافح شيخًا، وليس شيخًا يزور كنيسة، هي حقيقة حدثت بالفعل، يرويها جورج بعرفان للجميل، وتحكيها السيدة فاطمة والدة الشهيد سعيد باعتبارها «قصة كل أم في مصر»، وتختصر فعلها بأنَّها عقيدة أمهات ضباط القوات المسلحة «كلهم أبنائي».

بعد التخرج في الكلية الحربية، افترق الشقيقان، كل في طريق لتأدية الواجب وممارسة ما وهبا نفسيهما له، الدفاع عن أرض مصر، سبق جورج سعيد إلى سيناء، فجاءته الإصابة القاتلة، حينها تلقى سعيد نبأ إصابة شقيقه جورج وهو على بعد أميال منه، لم يدر إلا وهو يخاطب والده ليبلغه بإصابة جورج، حينها تحرك الأب حمدي والأم فاطمة إلى المستشفى، لم يرد كلاهما إزعاج والدة جورج أو إبلاغها لحين الاطمئنان على الابن، وفي المستشفى تجلت الوحدة التي لا تحتاج إلى شواهد، قررت الأم فاطمة الإقامة مرافق مع جورج طيلة فترة علاجه، سار الأمر طبيعيًا، حتى فوجئ جورج بأن والدة صديق عمره هي التي ترافقه في الغرفة لخدمته.

المستشفى تبعد جورج عن عيون فاطمة

غادر الأب حمدي وهو يهاتف نجله الرائد ويطمئنه على شقيقه جورج «اطمن والدتك مرافق معاه ومش هتسيبه غير لما يقوم بالسلامة.. ومش هنقول حاجة لوالدة جورج عشان متتخضش عليه»، اتفاق لم يفسده سوى اعتراض إدارة المستشفى على إقامة فاطمة مع جورج، اشتراطات المرافق في المستشفيات أن يكون قريب من الدرجة الأولى، وليس في «الأوراق» الرسمية ما يثبت هذه القرابة، لكن في الأعماق ما يفوق كل هذا بكثير.

رضخت الأم فاطمة لطلب إدارة المستشفى، لكنها نفذت ما أرادت بصورة مختلفة، كانت تذهب للمستشفى مع أول ضوء شمس، وتغادر مع انتهاء فترات الزيارة، وخلال فترة بقائها في المستشفى كانت تقوم بكل احتياجات جورج، من عناية ورعاية واهتمام، كالذي قد يلقاه جورج من والدته الحقيقية، أمر تفسره فاطمة ببساطة «ابني.. كلهم أبنائي، تخيلت انه سعيد، وعارفة إن حكيمة لو كانت مكاني كانت عملت كدة وأكتر»، ويفسره جورج باكيا «هي أمي، حتى وإن لم تكن أمي، كانت بتأكلني وتغسل هدومي وتساعدني في الغيار على الجروح وتطبطب عليا، يا بختنا بأمهاتنا».

الشقيقان «جورج وسعيد» يتبادلان المواقع

تعافى جورج وخرج من المستشفى، وعادت فاطمة إلى منزلها، والتقى الشقيقان، وتبادلا المواقع، ذهب سعيد إلى سيناء، وعاد جورج إلى القاهرة، والأمر على ما هو عليه منذ سنوات، جورج في منزل سعيد، وسعيد في منزل جورج، لا يدري أحدهما من والده ومن والدته، لكل منهما أسرتين، وحياة تفاصيلها اليومية تملأ كتبًا ومطولات.

الشهيد سعيد يترك أسرته في رعاية النقيب جورج.. حكاية وحدة وطنية تشهد عليها «فاطمة وحكيمة» 

في يوم ما، استدعت القيادة جورج لتكريمه على بطولته في سيناء عقب إصابته وتعافيه، يومها طالب النقيب الشاب أن ينال التكريم أمه التي سهرت عليه ومرضته وفعلت ما تفعله الأم لأبنها، وروى حكايته مع والدة الشهيد سعيد، وحين استدعت القيادة والدة الشهيد سعيد لتكريمه اعتذرت بهدوء «هو أنا عملت إيه.. اللي تتكرم أم البطل اللي جابت لنا جورج واللي كان هيدفع حياته ثمن الدفاع عن الوطن»، يومها فقط، وبعد 3 سنوات من الواقعة، اكتشفت السيدة حكيمة راغب والدة النقيب جورج ما حدث لابنها، وما فعلته أم سعيد معه.

كانت لحظة قاسية على الثلاثة، حكيمة وفاطمة وجورج، تعاتب حكيمة ابنها «كدة يا ابني تخبي عليا»، وتغضب من صديقتها «كدة يا فاطمة ما تقوليليش وتحرميني من ابني وهو دمه سايل»، فترد فاطمة العتاب «هو ابنك إيه، ما هو ابني، ولو سعيد مكانه مش كنتي هتعملي كده؟».. تبكي السيدتين، دون أن تدري إحداهما أن بكاء أعظم سيصيب جمعهما، وأن فاطمة ستنال المكانة وأن سعيد سينال الشهادة، وأن جورج سيظل ابن فاطمة وعوضها عن شهيدها سعيد.

حكاية وطن بالكامل، ظهرت خلف المشهد الباكي الذي لم يستمر سوي دقائق معدودة خلال تكريم أسر الشهداء بالندوة التثقيفية، وطن أوله وآخره «تحيا مصر.. ويعيش الهلال مع الصليب».


مواضيع متعلقة