الحوار المجتمعى.. الفرصة التى أتاحها الرئيس للجميع

عماد فؤاد

عماد فؤاد

كاتب صحفي

المؤكد أن الرئيس عبدالفتاح السيسى أخمد الفتنة بتوجيه الحكومة والبرلمان لتأجيل تعديلات الشهر العقارى لمدة لا تقل عن عامين.

التوجيه مهم بالقطع خاصة فيما يتعلق بسرعة صدوره، والمؤكد أن الجميع سيلتزم به لأنه توجيه رئاسى، كما سيلتزم الجميع أيضاً بما طالب به الرئيس بضرورة إجراء حوار مجتمعى حول تعديلات القانون.. التأجيل سيتم، والحوار المجتمعى أيضاً، ولكن ما هو شكل الحوار المجتمعى، وكيف سيتم، وهل سينجح المنظمون له والقائمون عليه فى الوصول إلى النتائج المرجوة.. هنا بيت القصيد.

الحوار كوسيلة للتواصل والتفاهم لتحقيق المنافع ودرء المخاطر سمة حضارية وفضيلة اجتماعية وقيمة أخلاقية، وتبرز أهميته كلما كانت القضية المطروحة متشابكة بين الأوضاع الاجتماعية والسياسية وارتباطها بالوضع العام.

بداية.. يجب أن نهيئ للحوار المجتمعى المرتقب بيئة حاضنة وأجواء إيجابية، تزرع الثقة والأمل بل اليقين فى إمكانية الوصول لنتائج ملموسة تحظى بتوافق كل الأطراف حتى وإن لم تحقق الرضاء الكامل للبعض.

الحوار إذن يتطلب وعياً دقيقاً ومسئولاً، ينطلق من فهم القضية المطروحة أولاً فى سياقاتها وتقاطعاتها، وبعدها فهم كل طرف من المتحاورين لذاته وصولاً إلى فهم الشريك فى الحوار.

التأسيس لحوار مجتمعى جدى وهادف ومنتج يتطلب قراءة جيدة وصحيحة للواقع، وفيما يتعلق بالشهر العقارى تحديداً (قضية الحوار)، يجب أن تكون القراءة على أساس أرقام وتقارير علمية وميدانية دقيقة قدر الإمكان، وتتم إتاحتها للجميع (أطراف الحوار) بمنتهى الوضوح والشفافية، وبعده يتم التعامل معها بموضوعية حتى لا يتبناها البعض كخطاب سياسى أو أيديولوجى للتهييج ودغدغة المشاعر، وهذا وارد بالطبع، وإن حدث يجب على الجميع الوعى بأهمية الوصول للهدف ببدائل وحلول مقبولة متجاوزين كل المطبات سواء كانت طبيعية أو مصنوعة على طريق الحوار.

ويتطلب التأسيس لحوار مجتمعى وسياسى جاد وهادف وعياً شاملاً ومعرفة دقيقة بالآخر؛ بأدبياته ومفاهيمه، بمواقفه ومرجعياته، بحجمه وحضوره فى الساحة المجتمعية، وأن يرى كل طرف أن الآخر له اعتباره بما يملكه من أطروحات جديرة بالاعتبار، وهنا يجب الانتباه إلى أن التعصب للرأى والتفكير الأحادى وادعاء امتلاك الحقيقة أو الركون إلى ما يتصوره البعض من رصيد فكرى يمتلكه أو ماضٍ نضالى، غالباً يكون عائقاً أمام التواصل والتفاعل، وإذا ما سيطرت على الحوار تلك الحالة لن نصل فى النهاية إلى بديل واحد متاح يمكن الأخذ به.

يطلق بعض علماء الاجتماع على الثقة والتعاون والتشارك الحر والمبدع فى الشئون العامة مصطلح «رأس المال الاجتماعى»، وأن الأثر الإيجابى لرأس المال الاجتماعى يظهر فى «تعديل المناخ السياسى والثقافة السياسية، وذلك بالتوجه نحو التعاون والتحول من التطرف إلى الاعتدال ومن التعصب العقائدى إلى التسامح، ومن المذهب التجريدى إلى الإدارة العملية، ومن الإفصاح عن المصالح إلى تجميع المصالح، ومن الإصلاح الاجتماعى الجذرى إلى الحكم الجيد».

وهذا لا يعنى اختفاء الجدل السياسى لكنه يعنى إدارة الاختلاف فى ظل الثقة المتبادلة بين الخصوم السياسيين، ومن البديهى أنّه لا يمكن التحول من التطرف إلى الاعتدال ومن التعصب العقائدى إلى التسامح ومن الإصلاح الاجتماعى الجذرى إلى الحكم الجيد، إلا بالتواصل والحوار أو النقاش العام.

فى أواسط القرن الثامن عشر جاء جان جاك روسو بفكرة «العقد الاجتماعى»، للخروج مما سمّاه «الحالة الطبيعية» إلى الحالة المدنية وإرساء أسس الدولة الحديثة، التى لا تفرض على مواطنيها شيئاً لا يفرضونه على أنفسهم، والتى تحتكر العنف، وتعاقب الأفراد والجماعات على ارتكابه، علاوة على المساواة فى الحريات والحقوق المدنية والسياسية، بحيث تنظر جميع الأطراف المتعاقدة إلى المصالح المشتركة فيما بينها بتوافق مجتمعى وتفهّم وقبول. فقبل الوصول إلى العقد الاجتماعى الذى يحقق العدالة والمواطنة المتساوية، وتلجأ المجتمعات إلى الحوار المجتمعى لخلق مساحة آمنة بعيدة عن التعصبات والصراعات القائمة فيما بينها، لتمكّن الأفراد من تبادل الأفكار والمعارف واكتسابها وتطويرها، وإيجاد حلول للمشكلات التى لا يخلو منها المجتمع.

الرئيس السيسى بتوجيهه لإجراء حوار مجتمعى حول قضية محددة وواضحة وضع الجميع أمام مسئولياته.. حكومة وبرلمان وأحزاب وقوى سياسية ومنظمات أهلية ومراكز دراسات، ولعلها تكون فرصة مناسبة لاختبار قدرتنا جميعاً على الفعل وليس القول فقط، وقد يكون نموذجاً قابلاً للتكرار فى قضايا أخرى حال نجاحه.