رسالة إلى وزير الخارجية المصرى

لقد طلعت علينا وسائل الإعلام فى 17 يوليو 2014، نقلاً عن وكالة الشرق الأوسط أن وزير الخارجية المصرى فى حفل إفطار أقامه لرؤساء تحرير الصحف، قال إن مصر تريد أن تتجنب نقاط الصدام مع إثيوبيا ومحاولة تقليل الأضرار الواقعة على مصر من هذا السد، وأضاف سيادته أن مصر لا تستطيع إيقاف بناء سد النهضة، لكنها تستطيع تعظيم عائدات النهر فى إطار التعاون مع إثيوبيا وباقى دول حوض النيل. ماذا يعنى هذا الكلام الخطير من وزير خارجية مصر، وهو الذى يمثل سياسة مصر الخارجية فى أهم ملف وأزمة تواجهها الدولة؟ وما نقاط التصادم المتبقية مع إثيوبيا، وقد تجنبناها تماماً، لصالح إثيوبيا وبشكل لافت للأنظار، فى البيان المشترك الصادر من الدولتين. لقد تنازلنا فى البيان المشترك عن ذكر الحصة المائية المصرية ارضاء للعزيزة إثيوبيا، لأنها لا تقر بها، واكتفينا فقط بكلمة الاستخدامات المائية بشكل غير محترف ولا يحافظ على حقوق مصر المائية. يا معالى الوزير كان يجب على الأقل استخدام تعبير أدق وأفضل وأكثر تحديداً لحقوق الشعب المصرى الغلبان مثل «كميات الاستخدامات المائية الحالية». وماذا يتبقى من نقاط التصادم مع إثيوبيا، وقد خضعنا وامتثلنا لرغبتها ووافقنا على العودة إلى اللجنة الثلاثية والتى سبق أن فشلت وفشل التفاوض من خلالها. وهل نحن لا نعلم أن الدولة الثالثة ممثلة بالنظام السودانى الحالى تؤيد كل ما تريده إثيوبيا فى إطار علنى ومعروف. إن تصريح سيادتك للإعلام وأمام الجميع بأن مصر لا تستطيع إيقاف بناء سد النهضة فيه مرارة فى حلوقنا وجرح لكرامتنا. ولكن للأسف تصريح سيادتك قريب من الصحة، خاصة أن حكومة ميدان التحرير المصرية المجيدة سبق أن أقرت فى وثيقة اللجنة الثلاثية عام 2011 أن سد النهضة تحت الإنشاء، وكان السد وقتها لم يتم إلا وضع حجر أساسه. معالى الوزير، إننى أعذرك تماماً، فأنت مثلما يقول المثل البلدى جاى من الدار على النار، ومصر وسياساتها الخارجية مليئة بالملفات والمشاكل والعقبات، وملف حوض النيل يحتاج إلى خبرات خاصة عن دقائق وتاريخ المنطقة والأحداث وهى ليست متاحة للجميع. ليس هناك مفر من مواجهة الواقع بأن ملف حوض النيل هو أهم ملف لمصر والمصريين. والحقيقة أنه لا يتوفر بالجهاز الحكومى إلا القليل الذين يعملون بالملف ومعظمهم خبراته محدودة، ولكن الأخطر أن هناك من هو متأثر، بل مؤمن بالسياسات والتوجهات الأمريكية فى إدارة هذا الملف، وهؤلاء هم الخطر الحقيقى على مصر. ولكن هناك دائماً المراجع والملفات والأجهزة والكتب والمراجع والجهات السيادية، ولن يكون هناك عذر لسهو أو لخطأ مسئول فى هذا الملف. هل من المعقول يا معالى الوزير أن نقول السد الإثيوبى أصبح حقيقة واقعة، فى حين أنه لم يتم الانتهاء من بناء 30% منه، وحتى لم تكتمل رفع أساساته. هل من المعقول يا معالى الوزير أن نقول للمصريين تحملوا النقص فى حصتكم المائية حتى نستطيع أن نبدأ وننتهى إن شاء الله من إقامة مشاريع تنمية النهر لتعويض هذا النقص فى الحصة؟ إن هذه المشاريع قد تأخذ عقوداً عديدة للتنفيذ، وقد تعطلها حرب أهلية جديدة فى السودان، وقد توقفها أمريكا أو آخرون. وحتى إن نفذت هذه المشاريع فسوف تمر المياه على عدة دول قبلنا لا تعترف بحصتنا المائية، فتصلنا المياه أو لا تصل، وقد يُبنى سد آخر أو سدود. أرجو أن هذه التصريحات لا تمثل الموقف الرسمى للدولة، وأنها كانت فقط دردشة رمضانية. أما إذا كان هذا هو موقف الدولة الرسمى من سد النهضة، فلماذا التفاوض حول السد ولماذا نملأ الدنيا ضجيجاً بأن مصر القوية لن تضحى بحقوقها وحصتها المائية؟ وهل هذه التصريحات للاستهلاك المحلى فقط؟ الخوف كل الخوف أن تكون سيادتك اقتنعت برؤية بعض الأصوات الجاهلة أو المدسوسة التى تحوم فى الساحة حالياً فى الأجهزة الحكومية من مديرى المكاتب والمتأمركين، وحتى بعض المسئولين السابقين. أتذكر أننى سمعت وزيراً سابقاً منذ شهر تقريبا فى بعض وسائل الإعلام، ذاكراً فى جرأة يحسد عليها، بأن رأيه أن سد النهضة أصبح حقيقة واقعة، وأن التفاوض المصرى مع إثيوبيا يجب أن ينحصر فقط حول سياسات تشغيل السد وسنوات التخزين. هذا الوزير نفسه هو الذى سبق أن طالب البنك الدولى عام 2008 بتمويل دراسات الجدوى للسدود الإثيوبية من خلال مبادرة حوض النيل، معللاً ذلك بأن السدود تمثل أحد محاور تنمية حوض النيل الشرقى. سياسة التشغيل وسنوات التخزين لن يكون لها تأثير محسوس فى تقليل الأضرار على مصر، ولكن سوف يتم تصديرها إلى الرئيس المقبل ووزير خارجية آخر. إن هذا الفكر الذى يحاول البعض تسويقه وبخباثة شديدة فى الأوساط الرسمية، لن يؤدى إلا إلى الانهزام الكامل والانكسار وتركيع مصر الشامخة. تحت هذا السيناريو سترى مصر سد إثيوبيا جديداً يوماً بعد آخر، ونرى ونشاهد مصر مشلولة من قلة الحيلة والمهانة. إن الحل الوحيد لحفظ كرامة وهيبة مصر ومكانة مصر فى الداخل والخارج، هو أن تقوم الحكومة بوظيفتها الحقيقية والجهد والعرق فى الحفاظ على حقوق البلاد والمحافظة على الأقوات، وأن تطالب بالتفاوض المباشر مع إثيوبيا حول سد أصغر وبسعة تخزينية أقل لا يسبب أضراراً جسيمة لمصر.