«وأن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهورى»!
أى قسم لليمين الدستورية فى مصر لمن يتولون وظائف عليا عامة أو من فى حكمهم تبدأ جميعها بعبارة «وأن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهورى» كأول تعهد والتزام لمن يقسم.. فمثلاً ينص قسم رئيس الجمهورية حرفياً على: «أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهورى وأن أحترم الدستور والقانون وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة وأن أحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه» وذلك وفقاً للمادة 144 من الدستور، الذى نص على أن يكون القسم السابق أمام البرلمان الممثل للشعب، وبالتالى يكون رئيس الجمهورية أقسم أمام الشعب كله.. فى حين يقسم نواب الشعب أنفسهم القسم التالى أمام رئيس الجلسة الإجرائية الافتتاحية بالنص التالى: «أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهورى وأن أحترم الدستور والقانون وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة وأن أحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه» النص السابق وفقاً للمادة 104 من الدستور.. بينما تنص المادة 165 على الصياغة التالية لليمين التى يقسم عليها رئيس مجلس الوزراء وأيضاً الوزراء حيث يقول: «أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهورى، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه»، بينما يبقى نص اليمين الذى يؤديه المحافظون مختلفاً فى بعض جمله وفى وجوده تشريعياً؛ حيث تم النص عليه فى القانون رقم 43 لسنة 1979 وينص طبقاً للمادة 25 منه على: «أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهورى وأن أرعى مصالح الشعب وسلامة الوطن وأن أحترم الدستور والقانون وأن أؤدى عملى بالذمة والصدق»! وهكذا يبدأ أيضاً بالتعهد بالحفاظ على النظام الجمهورى للبلاد!
ربما كثيرون لا يعرفون أن النصوص السابقة تطبيق والتزام بأول مادة بالدستور التى جاءت بعد الديباجة مباشرة ونصها كالتالى: «جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة موحدة لا تقبل التجزئة ولا ينزل عن شىء منها، نظامها جمهورى ديمقراطى يقوم على أساس المواطنة، والشعب المصرى جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها ومصر جزء من العالم الإسلامى تنتمى إلى القارة الأفريقية وتعتز بامتدادها الآسيوى وتسهم فى بناء الحضارة الإنسانية».
السؤال الآن: الدولة -كجميع مؤسسات الحكم- حريصة على الالتزام بالنظام الجمهورى وتضمين كافة نصوص اليمين القانونية تعهداً بذلك.. لكن هل يتم الالتزام بذلك فعلياً وعملياً فى سلوك الكثيرين؟ للأسف شهدت السنوات الخمسون الماضية استيلاء علنياً لجماعة الإخوان المجرمة على منابر إعلامية عديدة ربما كان أخطرها وأهمها هى آلاف المساجد والزوايا التى استغلوها فى مخاطبة المصريين فبدأوا بالانتقام من ثورة يوليو ورجالها الذين أسسوا النظام الجمهورى فى مصر.. كان طبيعياً أن يبدأ الطعن فى النظام الجمهورى نفسه عماد الدولة ذاته لكن كان هدم النظام وأسسه غير مقبول فى ظل وجود رئيس جمهورية وقتئذ، لذلك كان الحل بخلاف استهداف جمال عبدالناصر نفسه هو تبييض العصر الملكى مع تجاهل أنه أصلاً كان عصراً للاحتلال الأجنبى للبلاد!
تزامن ذلك مع تحول الدولة وقتها وبعد دستور 1971 إلى الحكم بالشرعية الدستورية بديلاً للحكم بالشرعية الثورية، وطبقاً لكلام رئيس الجمهورية وقتها أن النظام الجمهورى أصبح مستقراً فى ضمير الأمة والمجتمع! ورغم أن هذا صحيح لكن أدى ذلك إلى لجوء الكثيرين إلى القضاء للحصول على أحكام تلغى أحكام سابقة طالتهم فى الستينات.. بعضهم حصل بالفعل على أحكام وبعيداً عن تناولها والتعليق عليها لكن استغل ذلك فى تغليفه بتلفيق اتهامات خطيرة لأبناء الجيش العظيم منها مثلاً اتهام منحط بما أسموه «الاستيلاء على مجوهرات أسرة محمد على»، وبغض النظر عن كيف أصبح لمحمد على وأولاده وأحفاده مجوهرات يمكن الاستيلاء على ما تبقى منها بعد سفرهم بأغلبها وتهريبهم وتصرفهم فى الباقى، لكن ضاعت الحقيقة وسط طلقات طائشة أصابت ودوشت أيضاً.. فالسلطة وقتها لم تتحرك لنفى الاتهام ولم تبدأ فى تحقيق قضائى يحقق ويقول للناس الحقيقة.. وانتشرت خلافاً للاتهام المنحط عبارات مثل «شِلنا ملك وجبنا 20 ملك آخر»!
ظل الحال كذلك دون واقعة واحدة يمكن الاستناد إليها. فلم نعرف من تحديداً «سرق إيه» تحديداً.. وإنما ظلت أصوات الطلقات الطائشة تزعج الأجواء المصرية حتى أصدر اللواء محمود الجوهرى رئيس لجنة المصادرات كتاباً مهماً «سبع سنوات فى مجلس قيادة الثورة» الذى أصدره فى عز عز الحملة وهو كتاب مهم يشرح بالتفاصيل والمستندات حقيقة ما جرى.. لكنه ومع غيره مما صدر فيما بعد لم يكن بحجم الحملة الهائلة طعناً وتشويهاً فى الثورة التى أسست للنظام الجمهورى.. وتلميعاً فى العصر الملكى!
كل ما سبق تم أمام أطفال وشباب وقتها كبروا وظل كل ذلك عالقاً فى أذهانهم، وكثيرون منهم أصبحوا كتاباً وإعلاميين، وبالدفع الذاتى يمارسون اليوم الأمر نفسه! رغم أنهم ووفقاً للانتماء الاجتماعى تظل الثورة ثورتهم وقامت من أجلهم وأنقذت أجدادهم وآباءهم من مصير مؤلم.. لكن هكذا الانطباع الذى تشكل ويتحول الآن إلى سلوك صحفى وإعلامى.. والسؤال: غابت الدولة طويلاً فى الماضى عن مواجهة ذلك فهل يصح أن يستمر إلى اليوم ونحن أصلاً فى معركة عنيفة مع الإخوان وإعلام الإخوان وأكاذيب الإخوان وأثر الإخوان على وعى وثقافة الناس؟ هل يصح والرئيس ومؤسسات الدولة الأخرى تحافظ على النظام الجمهورى أن نرى الطعن فيه علناً فى كتابات البعض وفى برامج البعض وفى قنوات البعض؟! حتى لو كانت صحفاً وقنوات خاصة، فلماذا لا يتدخل الأعلى للإعلام؟!
المواجهة الأمنية الشجاعة والعظيمة مع الإخوان تتم بكفاءة كبيرة وتضحيات عظيمة.. لكن تبقى «إزالة آثار الإخوان» هدفاً نحتاج إلى الشروع فيه.. فلا يصح أن يقال هنا عين ما يقال فى قنوات الشر.. المنقول حرفياً من كتب وإصدارات وصحف وأشرطة تسجيل الإخوان التى صدرت قبل أربعين عاماً ويزيد!
إن الحفاظ على النظام الجمهورى لا يتم بتضحيات الجيش والشرطة ولا بقسم اليمين القانونية.. إنما يتم -بالإضافة إلى ذلك- بترسيخ فكرة «الجمهورية» فى وعى الناس خصوصاً الأجيال الجديدة التى ولدت أصلاً وهذه الأكاذيب هى وحدها المتداول أمامهم!
وإذا كان ذلك بعض ما ينشر ويذاع فما الذى يمنع وزارة التربية والتعليم مثلاً من أن تتضمن مناهجها ما يرسخ ذلك من دروس وموضوعات؟! وكيف أصلاً تحصن «25 يناير» من الطعن والتجريح ويترك النظام الجمهورى نفسه الذى يقسم الجميع على الحفاظ عليه.. بل والحفاظ المخلص عليه.. محلاً للطعن والتجريح والتزييف والتزوير والتلفيق والإهانة؟!