أول أيام «الباقيات الصالحات» دون عبلة الكحلاوي.. الدار تبكي راعيتها

أول أيام «الباقيات الصالحات» دون عبلة الكحلاوي.. الدار تبكي راعيتها
- الباقيات الصالحات
- دار الباقيات الصالحات
- عبلة الكحلاوي
- وفاة عبلة الكحلاوي
- الداعية عبلة الكحلاوي
- الباقيات الصالحات
- دار الباقيات الصالحات
- عبلة الكحلاوي
- وفاة عبلة الكحلاوي
- الداعية عبلة الكحلاوي
حزن شديد طاغٍ على ناصية إحدى الشوارع الهادئة بمنطقة الأباجية بالمقطم، في شارع محاط بظلال الأشجار الضخمة، الأجواء تشير إلى أنّ هناك ثمة شخص عزيز رحل عن هنا، الجميع داخل الشارع تعلو التعاسة وجوههم، في منتصفه يقف أفراد أمن على اليسار، يتحدثون عن وجع الفراق الذي شعروا به، ويتبادلون الأحاديث والسجائر، أمام بوابة صغيرة لمبنى كبير، تعلوها لوحة مكتوب عليها «جمعية الباقيات الصالحات.. المجمع الخيري».
فور الدخول إلى دار الباقيات الصالحات، تجد اللون الأسود يغلب على ملابس النساء، والأطفال لا يمارسون عادتهم في اللعب والمرح ويغلب عليهم السكون، أما الحوائط فيكاد يسمع لها أنين من الحزن على وفاة الدكتورة عبلة الكحلاوي، الداعية الإسلامية الشهيرة، ومؤسسة الدار، إثر إصابتها بفيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19) أمس الأول.
«الوطن» عايشت أجواء دار الباقيات الصالحات، في أول أيامها بعد رحيل «الكحلاوي»، وملاقاة ربها ووصيتها الأخيرة بألا تغلق الدار.
في بهو كبير، يجلس بعض العاملين يأخذون قسط من الراحة، غابت الابتسامة عن ملامحهم، وسكان الدار من المسنين لم يظهر منهم سوى امرأة في السبعينيات من عمرها، تجلس على كرسي أمام الباب الداخلي للجمعية، وترتل القرآن الكريم بصوت يخالطه الدموع، قبل أن تقوم بشكل مفاجئ، وتطلب من إحدى العاملات أن تعيدها لقاعة الاستقبال.
خطوات قليلة تفصل البهو عن قاعة الاستقبال، التي بدت فارغة على غير عادتها، لا يوجد بها سوى 3 عاملات، يطهرن المكاتب والكراسي بالمطهرات الوقائية، حفاظا على سلامة المرضى والمسنين القاطنين بالجمعية، وفي نهاية القاعة، يمتلئ الممر بصور الراحلة، بضحكتها البشوشة.
أمام غرفة محمد راضي، مدير إدارة المساعدات الخارجية بالجمعية، يجلس «راضي» داخل غرفته مع بعض المديرين، يتبادلون أطراف الحديث عن السيرة العطرة للداعية الراحلة، وكيف كانت تسعى لتسخير ما في وسعها لرعاية المسنين والفقراء، وغير القادرين ومرضى ألزهايمر، مؤكدا أنّ أكلها لم يكن يتجاوز رغيف من الخبز مع قطعة جبن، «هو أكتر من كده زهد في الدنيا إيه؟»، وأنّها تركت فراغا كبيرا داخل الجمعية بين المرضى، والعاملين، بسبب تعلقهم وحبهم لها، «أي مكان بتدخله كانت بتسيب فيه أثر طيب».
إيمان نور الدين، مديرة دار «أمي» بالجمعية، وافقت سابقها الحديث، موضحة أنّ «المكان حزين عليها»، ولم يعد للحياة طعم دون «ماما عبلة»، التي أبدا لم تقصر مع العاملين أو المسنين، ولطالما تمنت افتتاح المستشفى الجديد في حياتها، لكنه لا يزال تحت الإنشاء.
مستشفى آلـ«ياسين».. حلم عبلة الكحلاوي التي رحلت قبل تحقيقه
مستشفي آلـ«ياسين»، مبنى صغير على قطعة أرض واسعة، عبارة عن أدوار متكررة، يضم المستشفى بعض العيادات والأجهزة الحديثة، وهو ما شرحه الدكتور مصطفى الكامل مسؤول المشروعات بالدار، «قبل مرض الدكتورة بفترة افتتحت العيادات، وكانت بتتمنى تشوف افتتاح المستشفى كمان، ربنا يقدرنا وننفذ وصيتها».
حاولت «الوطن» التواصل مع أحد نزلاء الدار، لكن حالة الحزن التي تملّكتهم والصدمة من رحيل من كانت ترعاهم، حالت دون ذلك، وطوال فترة الوجود هناك، لم يصدر من أحدهم صوتًا، فقط نظرات شاردة وحزينة وأقدام تسير وكأنّها محملة بالأثقال، وتفكير بالمستقبل ولسان حالهم يقول: «يا ترى هيكون إيه مصيرنا؟».
الخروج من الجمعية كان أصعب من الدخول لها، العودة من تلك الشارع الذي عُرفت أسباب مأساته، أمر صعب على من يأتي للمكان غريبًا، فكيف يمر على أهل الدار؟، وكيف لإنسان أن يرحل عن الدنيا ويظل حي في قلوب الكثيرون والحياة دونه تبدو وكأنّها لا تحتمل؟.. الجميع هناك على يقين أنّ عبلة الكحلاوي فارقت الحياة، لكن ذكراها ستظل خالدة، وسيرتها الطيبة ستعيش أطول من عمرها، وستظل نجاحات الدار تنسب لها حتى بعد وفاتها، ودعوات ساكنيه تحيط بها في مرقدها.