شجاعة عامل وطفلين تمنع وقوع كارثة.. القصة الكاملة لحريق مخبز الزقازيق

كتب: نظيمه البحرواي

شجاعة عامل وطفلين تمنع وقوع كارثة.. القصة الكاملة لحريق مخبز الزقازيق

شجاعة عامل وطفلين تمنع وقوع كارثة.. القصة الكاملة لحريق مخبز الزقازيق

عقارب الساعة تقترب من الرابعة عصرا والأجوء مألوفة داخل أحد الشوارع الجانبية بمنطقة «القومية»، بمدينة الزقازيق، وحركة المارة هادئة وعدد من الزبائن يترددون على المحلات التجارية وفي دقائق معدودة انقلب الحال رأسًا على عقب وسادت حالة من الفزع عقب دوي إنفجار هز المنطقة.

في أقل من دقيقة، هرول عدد من الشباب العاملين في المحلات التجارية، ليتبين لهم أن الانفجار مصدره مخبز سياحي بعد اشتعال النيران وامتداد ألسنة اللهب حول المبنى ليسارع العمال وعدد من الأهالي بينهم أب وطفليه إلى محاولة إخماد الحريق.

ووسط  أحداث يتخللها الرعب والفزع تقدم «محمد محمود عبد الحليم»، 18 عامًا حاملا بيده طفاية حريق أحضرها من محل خضروات على بعد عدة أمتار من المخبز وأثناء وقوفه خارج المحل لمحاولة إطفاء النيران تصاعدت ألسنة النيران بشكل كثيف ووقع انفجار تسبب في تجاوز النيران مسافة المترين لتلتهم النيران جسد الشاب ويصاب بحروق بنسبة تصل لـ 70 % فيما أصيب 7 آخرين بحروق بسيطة.

«أنا شكلي هيبقى أيه، أنا هقدر أقف وأمشي على رجلي تاني، أنا كنت خايف على الناس، مش زعلان بس صعبان عليا نفسي، خايف من بكرا»، كلمات رددها الشاب من على سرير المرض داخل العناية المركزة بمستشفى ههيا للحروق منذ أكثر من أسبوع لا يدري إذا ما كان يستطيع أن يعود إلى حياته الطبيعية قبل الحادثة أم أن الجانب المظلم سيطغى على مستقبله.

كلمات الابن الذي كاد يدفع حياته ثما لشجاعته تخترق قلب والدته التي تجلس إلى جواره كأنها أسهم مسنونة قبل أن تصل إلى مسامعها وسرعان ما تجمع شتاتها وتلملم جراحها وترسم ضحكة مصطعنة على وجهها وتردد عبارات تُمني أبنها بالشفاء العاجل وأنه سيغادر المستشفى وكأن شيء لم يحدث.

وتقول «حنان فؤاد شوقي»، 42 عامًا، ربة منزل مقيمة بعزبة مينا التابعة لمركز ههيا، والدة «محمد»: «من يوم الحادثة لم نشعر بالراحة وطوال فترة تواجدي مع أبني أحاول أن أرفع من روحه المعنوية وأؤكد له أنه سيكون بخير وللتغلب على حالته النفسية السيئة أقوم بتشغيل فيديوهات فكاههية له على الهاتف حتى أنتزع الضحكة من بين آلامه»، وتابعت: «قلبي بيتقطع على ابني .. وإحنا راضين بقضاء الله وقدره.. وربنا يصبرنا»، مشيرة إلى أنه أصيب بحروق في معظم أنحاء جسده.

وأضافت: «محمد يعمل في محل خضروات وفاكهة منذ عدة سنوات حيث اعتاد على العمل خاصة في فترات الإجازات من الدراسة لمساعدة والده على تحمل نفقات المعيشة وتوفير نفقات دراسته ومصاريفه الشخصية»، لافتة إلى أنه يدرس بالصف الثالث الثانوي الفني الصناعي.

وصمتت الأم قليلا لتمسح دموعها، واستأنفت حديثها قائلة: «ابني غلبان وعايش في حاله .. وراجل من صغره، ولدي 3 أبناء غير محمد وهم فتاة تكبره واثنين أصغر منه بعدة سنوات، محمد كان يقصد عمله منذ السادسة صباحا ويعود بحلول المساء ويتقاضى أجر 60 جنيها يوميا».

وأردفت: «كان حلمه إنه يتطوع في القوات المسلحة وجاء الحادث ليضيع هذا الحلم إلى الأبد»، وبنبرة صوت حزينة طالبت الأم المكلومة وزارة الصحة بتوفير الرعاية الصحية اللازمة له خاصة أن علاج الحروق يحتاج لتكاليف باهظة: «كل الأدوية متوفرة في العناية المركزة ولكن إذا تقرر خروجه واحتجازه بقسم عادي سنتحمل شراء الأدوية والعلاج غالي».

وفي السياق نفسه روت «شرين أبو سمرة»، إحدى سكان منطقة القومية التي شهدت الواقعة تفاصيل الحريق قائلة: «كنت أجلس مع أسرتي داخل المنزل وفجأة سمعنا دوي إنفجار شديد حتى أن العمارات اهتزت بسببه واعتقدنا في البداية أنه ربما يكون زلزال ثم هرولنا ناحية النافذة لمعرفة ما حدث وفوجئنا باندلاع حريق في مخبز يقع بالقرب من العمارة التي نسكن فيها».

وتابعت: «الموقف كان مفزع وحاولت أتمالك أعصابي واتصلت بالحماية المدنية لإخماد الحريق، وقبل أن تأتي الحماية المدنية حاول بعض الشباب العاملين في المحلات والأهالي إطفاء النيران باستخدام طفايات حريق ما أدى لإصابتهم وكان من بينهم محمد الذي أصيب بإصابات خطرة، ويتصف بالسمعة الحسنة ودماثة الخلق ومحبوبا من جميع السكان»، لافتة إلى أنه اعتاد على توصيل طلبات الخضروات والفاكهة لهم : «جميعنا نشعر بالحزن لما حدث له .. ونرجو الله عز وجل أن يتم شفائه وألا يؤثر عليه الحريق بشكل سلبي».

وأشار «طارق جمال الدين»، طالب بالصف الثالث الثانوي إلى أن الحريق امتد خارج المحل لمسافة نحو مترين أو أكثر وأثناء تواجد «محمد» وآخرين لإطفاء الحريق طالتهم النيران وكان محمد أكثر المتضررين.

ولفت إلى أن طفلين شقيقين أصيبا أيضا أحدهما بالوجه والذراعين والآخر بالذراعين،  موضحا أن الطفلين «أحمد أشكار، 16 عاما ومحمود أشكار 14 عاما»، كانا يحاولان إخماد الحريق برفقة والدهما حيث أحضروا نحو 4 طفايات لإخماد الحريق إلا أن انفجار اسطوانة بوتاجاز داخل المخبز أدت لزيادة حدة اندلاع النيران ما أسفر عن إصابتهم وآخرين.

وقالت أمينة علي، مستأجرة محل الخضروات، إن الشاب المصاب «محمد»، فور عمله باندلاع الحريق أخذ طفاية الحريق من المحل وتوجه ناحية المخبز للمشاركة في الإطفاء، مضيفة أنه من أكثر الشباب خلقا واحتراما وبارا بوالديه كما يعتبرها وزوجها بمثابة أسرته: «محمد نور عيننا.. لو أعرف اللي هيحصله كنت قفلت عليه باب المحل ومخلتوش يطلع.. هو جري ملحقتوش .. كان خايف على الناس .. ربنا يلطف بيه».

وطالب أهالي قرية الشاب الدكتور ممدوح غراب محافظ الشرقية بمساعدة الشاب بتوفير وظيفة له تتناسب مع حالته التي سيكون عليها إذا قدر له الشفاء وتجاوز مرحلة الخطر.

وكانت غرفة الأزمات والكوارث بديوان عام محافظة الشرقية تلقت بلاغاً بنشوب حريق في أحد المخابز بمنطقة "القومية"، على بعد أمتار قليلة من مبنى المحافظة، حيث يتم الدفع الفوري بسيارات الدفاع المدني والإطفاء للسيطرة على الحريق، وكذلك تم الدفع بعدد من سيارات الإسعاف، لنقل المصابين الـ 8 إلى مركز الحروق والجراحات التكميلية بمستشفى ههيا .

وتحرر محضر بالواقعة وأخطرت النيابة التي تولت التحقيق.


مواضيع متعلقة