حكاية مسجد عمره 500 عام بالفيوم.. استوردوا سن الفيل له من الصومال

كتب: أسماء أبو السعود

حكاية مسجد عمره 500 عام بالفيوم.. استوردوا سن الفيل له من الصومال

حكاية مسجد عمره 500 عام بالفيوم.. استوردوا سن الفيل له من الصومال

صحن كبير في الوسط مُحاط بأربع أروقة أكبرها رواق القبلة، ويُشبه كثيرًا مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وتُزينه شبابيك ضخمة من الأرابيسك، ويضم محرابا على هيئة نصف قبة بُني بالأحجار المُزخرفة  بالحفر وبالأرابيسك، نُقشت عليه آيات قرآنية كثيرة أبرزها (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون).

وأول ما يأسر عينيك فور دخولك لمسجد «خوند أصلباي»، هو ذلك المنبر أحد أهم التحف الفنية الإسلامية، حيث استورد له الصدف وسن الفيل خصيصًا من الصومال ليتزين بهما، ويضم العديد من الكتابات بالخط العربي أبرزها «أنشأت هذا الجامع والقناطر خوند والدة الملك الناصر أبو السعادات محمد بن قايتباي بإشارة من الشيخ عبد القادر الدشطوطي نفعنا الله ببركاته والمسلمين آمين»، بالإضافة إلى عبارة «عز لمولانا السلطان الملك الناصر عز نصره».

ويرجع تاريخ مسجد «خوند أصلباي»، إلى القرن الخامس عشر خلال العصر المملوكي، وقامت ببنائه السلطانة «خوند أصلباي» زوجة الملك قايتباي بأوامر من الشيخ عبدالقادر الدشطوطي، بالإضافة إلى قنطرة بُنيت أمام المسجد على ضفاف بحر يوسف بمحافظة الفيوم، ويظهر ذلك جليًا في نص كتابي حُفر على عضادتي المدخل.

ويقع المسجد بمنطقة المطافي حاليًا، في أقصى الطرف الشمالي للقسم الغربي بمدينة الفيوم على ضفاف بحر يوسف.

وأكثر ما يشتهر به المسجد بعد «المنبر»، هو كرسي المصحف، الذي يتميز برسومات مزخرفة رائعة، بالإضافة إلى احتوائه على غرفة الخطيب والتي خُصصت لخطيب المسجد وتقع على يسار المنبر، وكان يتميز بمأذنة رائعة تُشبه مآذن المساجدت التي شًيدت في عصر السلطان قايتباي بالقاهرة ولكنها انهارت بفعل عوامل الزمن ولم يتبقى منها سوى السلم.

وتعرض المسجد لحدوث تصدعات وتشققات في حوائطه وإنهار نصفه المُقام على القنطرة بعدما انهارت القنطرة خلال فيضان قوي تعرض له بحر يوسف عام 1982، فتقلصت مساحته إلى النصف، وقامت لجنة من حفظ الآثار العربية بترميمه في نهاية القرن الـ 19 وتبقى منه الجزء الحالي.

وبعد ذلك عانى «خوند أصلباي» كثيرًا من إهمال هيئة الآثار الإسلامية له وتدهورت حالته، وتم إغلاقه بسبب تساقط أجزاء كثيرة منه، وأصبح آيلًا للسقوط بعدما وقعت كتابات الخط العربي من على جدرانه إثر ارتفاع نسب الرطوبة، وتم إغلاقه.

وبسبب إهمال المسؤولين له وإغلاقه لفترة طويلة، تعرض للسرقة خلال ثورة يناير حيث قام مجهولون بسرقة حشوات برونزية من الباب الرئيسي للمسجد، ثم تم سرقة حشوات نحاسية أثرية من مقبض باب المسجد، بالإضاف إلى سرقة أحد أبوابه عام 2018، الأمر الذي أجبر الآثار الإسلامية على ترميمه مؤخرًا وافتتاحه في شهر يوليو 2019.

وعقب ترميمه في المرة الأخيرة، هاجم أهالي محافظة الفيوم، الآثار الإسلامية هجومًا شديدًا واتهموهم بتشويه وطمس آثاره الأثرية، بسبب طلاء واجهة المسجد بالأسمنت، ثم الجير الأصفر، ثم أصدرت الآثار بيانًا أعلنت فيه أنّها لم تتطمس أثرية المسجد وأنّه كان ملونا بالجير قديمًا ولكن اختلفت درجة لونه بفعل العوامل الجوية.

وقال إبراهيم رجب مدير عام الآثار الإسلامية بمحافظة الفيوم، في تصريحات خاصة لـ«الوطن»، أنّ «خوند أصلباي» هو تحفة إسلامية فنية رائعة شاهدة على براعة مهندسي العصر المملوكي في العمارة في ذلك الوقت، موضحًا أنّ المسجد يشتهر بين الناس بمسجد «قايتباي» بالخطأ نسبةً إلى الملك «قايتباي»، والاسم الصحيح له هو مسجد «خوند أصلباي» لأنّها هي من شيدت المسجد.

وأوضح «رجب» أنّ المسجد كان قد انهار بالكامل ولم يكن متبق منه سوى «القبلة» وتم إغلاقه لمدة 8 أعوام، وقامت لجنة من الآثار الإسلامية بإعادة ترميمه بصورة سريعة وفي وقت قياسي، ونجحت في إبراز معالم جماله مرة أخرى بمبالغ مالية قليلة جدًا.

وعن اتهام المواطنين بطمس آثار المسجد بدهان واجهته بالأسمنت والجير، بينّ أنّ واجهة المسجد قديمًا كانت مغطاة بالجير ولم تكن مصنوعة من الحجر مثلما يعتقد أهالي محافظة الفيوم، ولكن الدهان كان مُقسمًا بخطوط طولية وعرضية جعلته يشبه الأحجار، ومع عوامل الزمن وعوادم السيارات أصبح لون الجير «غامق» وتحوّل إلى البني، واعتاد نظر المواطنين على ذلك اللون مُعتقدين أنّ واجهته من الحجارة على غير الحقيقة.

ولفت «رجب» إلا أنّ واجهة المسجد أصبحت الآن بعد مرور عامين على افتتاحه تُشبه الشكل القديم بالضبط بفعل عوادم السيارات، وعوامل التعرية، موضحًا أنّ الحائط الخارجي للمسجد مبني من الطوب الآجر، ثم اكتسى بطبقة من الملاط المُشهور في وقت بناء المسجد، مؤكدًا أنّه تم ترميم الحائط بنفس الطريقة ونفس المواد.

 

 

 

 

 


مواضيع متعلقة