مع تكرار كلمة فيروس كثيراً على أسماعنا فى وسائل الإعلام بخصوص «كورونا» الذى غيَّر مسار العالم، وأوقع كثيراً من الضحايا والمصابين، جاء جرس الكلمة ليوقظ فى النفس التفكير فى نوعٍ آخر من الفيروسات لا يقل شراسةً، بل ينخر فى عظام مجتمعنا، متسبِّباً فى كوارث لا حصر لها، وهو ما أُطلق عليه مجازاً «فيروس البرود».. لا أقصد برودة الجو أو المكان، مثلاً، أو انخفاض درجة حرارة جسم الإنسان، أو أحد أعضائه، بل أعنى فيروساً من نوع آخر، بمثابة أسلوب حياة لدى بعض الكائنات/الناس، ممن لديهم هذه «المناعة» التى تحميهم من الإصابة بعدة أمراض.. لكن انتبه فليس معنى ذلك الدعوة للمحافظة على الصحة بواسطته!
نستطيع أن نقول إن «البرود» هو نوع من «اللامبالاة.. التكاسل.. التجاهل.. عدم إنجاز المهام.. السماجة.. وكل هذه التعبيرات»، لدى فئة برعت فى هذه «المهارة» التى لا يُتقنها -للأسف- الأسوياء!
فى رأيى.. يتخذ هذا الفيروس -فى الغالب- حاضنته لدى مَن يتعامل مع غيره، للحصول على كل ما يريده، سواء كان حقه أم لا، دون أن يمنعه من ذلك «لوم.. عتاب.. زجر.. أو حتى تقويم»، ويكون لمن يصيبه قُدرة عجيبة على التحكم فى أعصابه، والمحافظة على دمه من الحرق، بل يُكسبه مناعةً تتمثل فى نوع من «بلادة الحس».. وبالتالى لا يصاب بأمراض «الضغط، والجلطات، والسكرى» خصوصاً، بل يتسبب فى إصابة المخالطين له بها!
كثيراً ما نقابل هؤلاء المرضى فى وسائل المواصلات، والمستشفيات، والمطاعم والكافيهات، وبعض «المصالح الحكومية»، والأخيرة لها وضع خاص، حيث يُعطل المصابون به داخلها مصالح المواطنين لأتفه الأسباب، أو يؤخِّرون تنفيذها، ويهدرون الوقت بلا مبرِّر، فعقارب الساعة لديهم متوقفة تماماً.. والأمور كلها لديهم عادية جداً، لا فرق بين طارئ عاجل أو غيره..
وتظهر أعراض هذا الفيروس فى الموظفين هكذا.. التأخير يومياً عن الحضور واختلاق الأعذار.. قضاء المصالح الشخصية فى وقت العمل، واستنزاف موارد المكان (حلب المكان لآخر قطرة).. تقطيع الخضار وتجهيزه للطبخ فى المنزل لدى الموظفات.. اتخاذ العبادة وسيلة لإهدار الوقت ليس إلَّا.. التلكُّؤ فى تسليم العمل حتى لا يُكلف غيره.. الجمود وعدم الإبداع أو حل المشكلات «اربط الحمار مكان ما صاحبه عايز».. التردد كثيراً على (الحمَّام) دون سبب، فهو بيت الراحة لهم... إلخ.
ينتج عن هذا الفيروس مرض آخر أو متلازمة ترتبط به تماماً أسميها «متلازمة الروتين»، يحملها أصحاب المقولة الشهيرة «اللايحة بتقول كده يا أفندى.. وفوت علينا بُكرة»، بحجج مثل: (الأوراق ناقصة - الأختام غير واضحة - استيفاء التوقيع.... إلخ) وربما انتهى الأمر بطلب رشوة أو عدم قضاء المصالح، وتعطيل الجميع.
لا تخلو السينما المصرية من تصوير هذه الظاهرة فى أعمالها، ومنها فيلم «أربعة فى مهمة رسمية» للراحل أحمد زكى، وفيلم «الإرهاب والكباب»، الذى دارت أحداثه بمجمع التحرير، حيث ضم العمل مجموعة من المرضى بهذا الفيروس.. وكانت النتيجة فى النهاية تحوُّل مواطن مُسالم يصطدم بعقبات «الروتين والبرود»، إلى مسلح يهدد بتفجير ونسف «المجمع»، وتعطيل مصالح المواطنين جميعاً..
ربما يكون علاج المصابين بهذه الفيروسات -إن ظهرت أعراضها- بالتحرك السريع ودون إبطاء لتطهير المؤسسات منهم بشكل مباشر، حتى نسلم جميعاً منهم ومن هذه الفيروسات اللعينة، كما أن اتجاه الدولة الآن هو حصر هذه الظواهر وتقليلها تمهيداً لتلاشيها نهائياً من خلال تحويل الخدمات إلى إلكترونية، عن طريق شبكة الإنترنت، والتعامل الرقمى، وبذلك يتم القضاء نهائياً على الروتين والبطء والتلكؤ فى تلبية خدمات المواطنين، بشكل غير مباشر، تيسيراً عليهم، وقضاءً لمصالحهم فى أسرع وقت ممكن وبدقة عالية.. والله الموفق.