كيف نتحكم فى حياتنا مع جائحة كورونا؟
لملَمَ 2020 أذيال خيبته المتخمة بالانتكاسات البشرية، خسائر فادحة فى الأرواح، انهيارات اقتصادية وبطالة كبيرة دمرت دولاً ووضعت أخرى على شفير هاوية، الكآبة واليأس والإحساس بالعجز سمات أصبحت بارزة فى سلوك البشر، جائحة كورونا التى ضربت كوكب الأرض وشلت قدرة العالم على مواجهته والقضاء عليه، وضعتنا فى اختبار صعب، ونحن نستقبل عاماً جديداً، فما زال المرض يعصف بدول العالم من أقصاه إلى أدناه.
البشرية تترقب ثمة انفراجة من كبوة الوباء الذى توقف معه الزمن عاماً كاملاً، كان كفيلاً بأن يدمر كل شىء لولا إرادة الإنسان فى حب الحياة والتمسك بها. غير أن احتياجات العقل البشرى علمتنا أن البشر يتوقون إلى امتلاك زمام الأمور، والأشخاص الذين يشعرون بأنهم قادرون على امتلاك ناصية قراراتهم وقابضون على مصائرهم مثل القابضين على الجمر، هم الأكثر قدرة على التحكم فى كل شىء فى حياتهم، بدءاً من القرارات الصغيرة وحتى الأحداث الكبرى فى حياتهم، ويكونون على الأرجح أكثر ثقة وسعادة وأفضل صحة وكفاءة ومناعة قوية، بل إن أشد المصاعب قد تهون إذا شعرنا أننا لدينا القدرة على التأثير فى نتائجها، فى حين أن المشكلات والضغوط الطفيفة قد تتعاظم إذا شعرنا أننا معدومو الحيلة وعاجزون عن تغيير الأوضاع.
مررنا بتجربة مرعبة وكان وباء كورونا مثل شبح يهدد استقرارنا النفسى والصحى، إحساسنا بالعجز أمام شراسته شعور مرعب فى حد ذاته، ويثير رغبة جارفة لدى المرء لتخفيف هذا الشعور أو التخلص منه، فى 2020 كان الإحساس بالعجز والفزع أكثر ما يميزنا بسبب الخوف من الإصابة بفيروس كورونا المسبب لمرض كوفيد -19 القاتل، فبالإضافة إلى المخاوف من الإصابة بفيروس كورونا، تسببت الجائحة فى تقييد حياتنا الشخصية والعملية من مناحٍ عديدة، وقد حذرت تقارير من أن الغموض الاقتصادى والقيود قد يستمران فى عام 2021، وبلا شك فإن فقدان القدرة على السيطرة على الأحداث والحياة الشخصية قد أثَّر على صحتنا وحالتنا النفسية بشكل سلبى شديد الوطأة، غير أن أبحاثاً ودراسات قام بها «إريك أنيسيتش»، أستاذ مساعد الإدارة والتنظيم بكلية مارشال لإدارة الأعمال بجامعة كاليفورنيا الجنوبية، تمنحنا الأمل، فقد أكدت أن الكثيرين استطاعوا التكيف مع التحديات والواقع الجديد، إلى حد فاق توقعاته، أما الأشخاص الذين لا يزالون يجدون صعوبة فى التعامل معها، فيقدم لهم علماء النفس مثل «أنيسيتش» بعض النصائح حول أفضل الطرق لاستعادة الشعور بالتحكم والسيطرة على مجريات حياتهم الآن ومستقبلاً.
ربما تكون الرغبة فى تقرير مصائرنا متأصلة فى تاريخ التطور البشرى، حتى إن الكثير من الحيوانات تعانى من الاضطرابات إذا فقدت القدرة على الاختيار وسلب منها الحق فى اتخاذ القرار، وأثبتت الأبحاث على مدى قرون أن تقييد حرية الحيوانات يؤدى إلى زيادة ملحوظة فى الاستجابة الفسيولوجية للتوتر. فما بالنا بالإنسان؟! لقد أثبتت دراسات أجريت على البشر بطرق ذكية دون تعمد تعريضهم للضغوط النفسية، أن إدراك الفرد لمدى قدرته على التحكم فى الظروف والأحداث يؤثر تأثيراً عميقاً على الطرق التى يستجيب بها للتحديات. فإذا شعر أنه فقد السيطرة التى كان يمتلكها فى الماضى، ستكون استجابته محفوفة بالتوتر والضغوط، ورؤيته لمدى قدرته على التحكم فى الأحداث، فمن يشعر بأنه أقل قدرة على تغيير مجريات الأحداث فى حياته، وعاجز عن التمسك بزمام الأمور، فإن ذلك يؤثر على صحته النفسية والجسدية ويصبح أكثر عرضة للإصابة بالأزمات النفسية والأمراض، بسبب الاستجابة الفيسيولوجية للتوتر والقلق.
ومع دخول العالم فى موجة ثانية من الوباء، وتواتر الأنباء عن الانتشار السريع للعدوى بسبب تحور الفيروس، فإننا أحوج ما نكون للهدوء النفسى والجسدى، فالشعور بالعجز والخوف من المجهول مشروع، وإحساس فطرى، لكن المبالغة فيه لدرجة التعثر والإحساس بانعدام الحيلة وفقدان السيطرة، تفقدنا البوصلة وتجعلنا نتخبط فى قراراتنا، وحتى نستطيع استعادة مجريات حياتنا مستقبلاً، علينا الأخذ بنصيحة «أنيسيتش» التى تشدد على أهمية تفادى عقد المقارنات السلبية. قد نحسد الآخرين عندما نشعر أنهم يتمتعون بقدر أكبر من الحرية أو قد نتحسر على الأيام التى كنا نملك فيها زمام أمورنا، لكن هذه الأفكار تزيد من مشاعر العجز، وانهيار الإرادة.