أزمة ارتفاع سعر الكتاب.. دور النشر تتهم المكتبات بالحصول على الأرباح

أزمة ارتفاع سعر الكتاب.. دور النشر تتهم المكتبات بالحصول على الأرباح
المؤلف والناشر والمكتبة، ثلاث حلقات تقوم عليها صناعة النشر، قبل أن يصل الكتاب إلى الجمهور المستهدف، والذى يطرح السؤال، لماذا ترتفع أسعار الكتب؟
توجه أصابع الاتهام مباشرة إلى الناشر بصفته المسؤول عن تحديد سعر الكتاب، والناشر بدوره يفجر مفاجأة، بأنه الحلقة الأضعف فى المهنة، مشيرا إلى أن المكتبات هي الجهة الأكثر استفادة من الصناعة، على غير المتوقع.
الناشر الحلقة الأضعف في الصناعة
«ربنا الأعلم بحال الناشرين والشكوى لغير الله مذلة»، بهذه الكلمات بدأ الناشر حسن غراب، صاحب دار غراب للنشر والتوزيع، كلماته عن مشكلاته مع ارتفاع أسعار النسبة التى تحصل عليها المكتبات من الناشر لتسويق الكتب، موضحا: «المكتبة تتحصل على نسبة تتراواح بين 30% إلى 50% من سعر الكتاب، من الناشر»، لافتا إلى أن الناشر هو الحلقة الأضعف فى مهنة النشر، من بين الحلقات الثلاث (المؤلف والناشر والمكتبة) مع أن الصناعة تعول عليه في الأساس.
وتابع: «المؤلف يدفع بنصه على الإيميل أو على اسطوانة، وبعدها يأتي دور الناشر والذي يراجع ويدقق ويرسم ويطبع الغلاف، وينزل ليوزع الكتاب فى السوق، وبعد ذلك تأتى معانته في تحصيل مقابل ما بذله من مجهود، فيعاني الأمرين مع المكتبات»، موضحا: «بعد انتهاء طباعة الكتاب، تأخذ المكتبة الإصدارات برسم البيع، بمعنى أن المكتبة تحدد نسبتها بعد تحديد السعر، فلو تم تحديد السعر بـ 100 جنيه مثلا، تحصل عليه المكتبة بسعر مخصوم منه النسبة المحددة، أى من الممكن الحصول عليه بسعر 70 أو 50 جنيها من الناشر، على ألا تدفع للناشر إلا بعد بيع الكتاب للجمهور، كما تعيد المرتجع لدار النشر».
وعن الحلول، قال «غراب»: «الناشر لا يستطيع البيع مباشرة للجمهور، لأن عنده مسؤوليات كبيرة بداية من استلام النص من المؤلف مرورا بالقراءة والتدقيق والتنسيق الداخلى ثم الدخول فى مرحلة إعداد الغلاف والدخول في مشاورات مع المؤلف عن شكل النص وكذلك الغلاف، كما أن الناشر حتى لو تمكن من تغطية القاهرة، فلن يتمكن من ذلك في الأقاليم، أى أنه لا يستطيع الاستغناء عن المكتبة».
وتابع: «قمنا بعمل خدمة البيع أونلاين، لكنها لم تلق الرواج المرتقب إلى الآن، وأنا فى المهنة من 1984، والموضوع متأثر بضعف الإقبال على القراءة، وهناك شهور أحيانا تدفع الناشر إلى الإنفاق من جيبه على المهنة لسيتمر، وهو ما حدث فى ظروف كورونا».
من جانبها قالت الدكتورة فاطمة البودي، صاحبة دار العين للنشر: «المكتبات تطالب بنسبة تصل إلى 45% من المبيعات للقيام بمهمة التوزيع، بعد أن كانت النسبة 35%»، لافتة إلى أن المكتبة تحصل على الكتب وبعدها تدفع الأموال للناشر، وقبل صاحب رأس المال كما أن المؤلف يحصل على 10% من الناشر، فماذا تبقى للناشر المطالب بدفع ضرائب والتزامات ومرتبات عاملين، الناشر يعاني ماديا بخصوصا في ظروف كورونا.
وقال أحمد عز العرب، مدير مؤسسة مجاز الثقافية، إن نسبة 40% التى تحصل عليها المكتبات من الناشر كثيرة، وقد تصل النسبة إلى 60% من سعر الكتاب، ولا أعرف لماذا ارتفعت النسبة فى السنوات الأخيرة، بعد أن كانت 20% فى السنوات السابقة.
وتابع «عز العرب»: «أغلب دور النشر تحاول توزيع الكتب من خلال الصفحة الشخصية لدار النشر، لكن ذلك يكون داخل المحافظة فقط، ودور النشر الكبيرة تقوم بعمل جميع مراحل صناعة الكتاب، الطباعة والنشر والتوزيع، وبعمل مكتبات لها، لكن ليس لكل دار نشر القدرة على عمل مكتبة للتوزيع، واتحاد الناشرين عمل مبادرة للتوزيع، مع الأهرام وكانت المؤسسة تتولى التوزيع فى مختلف أنحاء الجمهورية مع توزيع الصحف».
وقال مصدر مسؤول في إحدى المكتبات، رفض ذكر اسمه: «المكتبات تدفع إيجارات عالية جدا، تصل إلى 100 ألف جنيه شهريا، وحتى المكتبات الصغيرة تدفع إيجارات كبيرة جدا، وعندما يطلب صاحب المكتبة نسبة 40% مثلا، فهى ليست نسبة مجحفة، لأنها لا تغطى مصاريف التشغيل، مع ملاحظة أن بعض الأماكن تؤجر للمكتبات بالدولار (فى بعض المولات)، ثم تطلب معادل مبلغ الإيجار، والنسبة التى تحصل عليها المكتبات لا تغطى فعليا أغلب المصاريف، كما أن المكتبات تقدم خصومات على الكتب نحو 20% حاليا، مؤخرا تعويضا عن عن مبيعات فترة معرض الكتاب، بعد تأجيل الدورة، أى أن المكتبة حصلت فقط وقتها على 20% من سعر الكتاب».
70% من مصاريف تشغيل المكتبات تذهب للإيجار المرتفع
وعقب أحمد رشاد، الرئيس التنفيذي للمصرية اللبنانية للنشر والمكتبات، وعضو مجلس إدارة اتحاد الناشرين، ورئيس لجنة التسويق، قائلا: «أنا ناشر وصاحب مكتبة وهناك عوائق كثيرة لهذه المهنة، ومن يعمل فى الصناعة فى ظل الظروف الحالية بطل، فقد زادت أزمات صناعة النشر فى مصر بعد 2011، وأصبحت تعاني حاليا بشكل كبير، وظهرت عدة عوامل أدت لهذا الأزمة بعد 2011، منها زيادة عدد دور النشر بشكل كبير، وعلى النقيض ظهرت أزمات اقتصادية فى عدة بلدان عربية، كانت تعتبر سوق للكتاب، منثل ليبيا واليمن وسوريا، بما فيها دول الخليج».
عدد المكتبات غير كاف وأغلبها في القاهرة والإسكندرية
وتابع «رشاد»: «لم يعد متاحا أمام الناشر إلا الأسلوب التقليدى لتسويق الكتاب (المعارض الإقليمية والمحلية)، والأسلوب الثاني هو التوزيع من خلال المكتبات، لكن عدد المكتبات لا يتناسب مع عدد إصدارات دور النشر، وحتى المكتبات الموجودة متركزة فى القاهرة والإسكندرية والمنصورة»، لافتا إلى «حتى المكتبات الموجودة فى القاهرة عددها غير كاف لتغطية السوق بشكل جيد، فكيف يتصرف الناشر فى منتجه؟!»
وأضاف «أنا كناشر كنت أبحث عن حل، وقلنا في المصرية اللبنانية، أنى كناشر لا أستطيع حل مشكلة الصناعة بشكل كامل ولكن يمكننى حل جزء من المشكلة، بعمل مكتبات في بعض المناطق، فقررنا فتح أول مكتبة فى الزمالك، ونجهز لافتتاح فرعين آخرين للمكتبة في غضون سنة نصف، في القاهرة، وبعدها سنخرج للمحافظات، وأنا بذلك أسهم فى حل جزء من المشكلة».
وأوضح «رشاد» أن النسبة التى تحصل عليها المكتبة من تسويق الكتاب، ليست مجحفة، لأن المكتبة يتم التعامل معها كنشاط تجاري، أى صاحب المكتبة يدفع إيجارا مثل محلات الملابس والموبايل، وهى إيجارات مرتفعة جدا (عدة آلاف)، شهريا، وفى النهاية السلعة/ الكتاب ليست الأكثر رواجا، قياسا للسلع الأخرى، بينما في أوروبا وأمريكا لا يتم محاسبة المكتبة بالأسعار نفسها للعاملين فى الصناعات الأخرى، و70% من مصاريف تشغيل المكتبات تذهب للإيجار المرتفع، والذى يعتبر العائق الأكبر لصاحب المكتبة.
وأشار إلى أن المشكلة فى المنظومة، هي أننا نحتاج أن يكون لدينا عدد قراء كاف، وألا يتم محاسبة صاحب المكتبة كأى سلعة أخرى، كما أن هناك مشكلة كبيرة تؤثر على أصحاب المكتبات، وهى تزوير الكتب، فنحن نجد العديد من الكتب المزورة، وهو يخصم جزءا من حيز السوق العام، والذى بدوره يؤثر تأثيرا كبيرا على المبيعات الشرعية للمكتبات.
وتابع: «نحتاج من الحكومات العربية دعم الصناعة فى العموم، لأنها القوة الناعمة القادرة على إحداث نهضة فكرية فى المجتمعات وعلى مقاومة الأفكار المتطرفة، كما نحتاج فى مصر إلى تفعيل مشروع القانون الذى تقدمنا به فى مجلس النواب والمختص بمكافحة تزوير الكتاب، وسيحل جزء كبير من أزمة الناشر والمكتبات».