مفتي الجمهورية: القرآن ذكر الفساد 50 مرة ووضع قاعدة لمواجهته

مفتي الجمهورية: القرآن ذكر الفساد 50 مرة ووضع قاعدة لمواجهته
- شوقي علام
- الإفتاء المصرية
- دار الافتاء
- مكافحة الفساد
- شوقي علام
- الإفتاء المصرية
- دار الافتاء
- مكافحة الفساد
قال د. شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم إن الفساد ظاهرة تعاني منها المجتمعات الإنسانية على اختلاف توجهاتها ومكوناتها وثقافاتها وأيديولوجياتها؛ فهو آفة عالمية لم يسلم منها مجتمع ولا تخلو منها دولة، ويصاحبه آثار ونتائج ضارة وكارثية على المجتمعات والأفراد.
أضاف المفتي، خلال كلمته في مؤتمر مكافحة الفساد، الذي عقد برعاية محافظة القاهرة وحضور اللواء خالد عبد العال محافظ القاهرة، والدكتورة مايا مرسي، رئيس المجلس القومي للمرأة، أن الفساد في حقيقته يشكل عقبة خطيرة لسيادة القانون والتنمية المستدامة، ويزعزع الثقة في المؤسسات العامة والخاصة، ويقوض الشفافية، ويحول دون سن قوانين عادلة وفعالة، فضلا عن إدارتها وإنفاذها والاستناد إليها في إصدار الأحكام القضائية، ومن هنا تكاتف سائر العقلاء من أجل محاربة الفساد والقضاء عليه، وقد تجلى ذلك في "اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد" الصادرة عام 2003.
ولفت المفتي النظر إلى أن كل دولة قامت بما يلزم من إصدار التشريعات ووضع الآليات اللازمة لمكافحة الفساد، وفي بلدنا تتعدد الأجهزة الرقابية المكافحة للفساد وتقوم بما عليها خير قيام، كهيئة الرقابة الإدارية، والجهاز المركزي للمحاسبات، ومباحث الأموال العامة، وغير ذلك كثير.
وأوضح علام أن مكافحة الفساد لم تكن في ثقافتنا وليدة توجه عالمي معاصر أو اتفاقية حديثة، بل إن محاربته ظلت إحدى قيمنا الحضارية، نراها في شريعة الإسلام وحضارته منذ القدم، ففي إطار الحرص على حياة الشعوب واستقرارها أكد الإسلام على موقفه الرافض لكافة أشكال الفساد، ونهى عنه وشدد على تحريمه وتجريمه، بل إن دستور الإسلام قد نص على أن الله عز وجل لا يحب المفسدين، فقال تعالى في القرآن الكريم في سورة القصص: "ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين"، وقد كان ذلك نواة أساسية لقيام الحضارة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها.
وأكد المفتي أن القرآن الكريم بين أن السبب في انتشار الفساد بين بني البشر هو بعد المنحرفين منهم عن الله تعالى؛ ومن ثم ضعف الوازع الديني واستساغة ارتكاب الجرائم، فمن هنا يظهر الفساد ويشيع؛ قال تعالى في سورة الروم: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس".
وأشار علام إلى أن الفساد ظاهرة سلبية توجد في المجتمع الإنساني أينما كان، لأن الله تعالى خلق في الإنسان الشر بجانب الخير؛ قال تعالى: "ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها"، ولذلك نجد أن كلمة الفساد وما يشتق منها من ألفاظ قد ذكرت في القرآن الكريم ما يقرب من خمسين مرة، مما يدلنا على خطورة الفساد ومدى تأثيره الضار على الإنسان والمجتمع ككل.
الإسلام سن تشريعات متعددة للقضاء على الفساد
وشدد "علام" على أن الإسلام سن تشريعات متعددة من شأنها القضاء التام على الفساد بكل صوره وأشكاله، وانتهج في سبيل ذلك سياستين: الأولى: وقائية احترازية، والثانية: علاجية عقابية.
وأكد المفتي أن السياسة الأولى للإسلام في مكافحة الفساد في تربية الفرد وتنشئته على حب الله ومراقبته في كل سلوك وتصرف يصدر منه؛ قال تعالى: "إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم"، وقال جل جلاله: "واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون".
وعندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، كما أكد الإسلام على أهمية الأخلاق في حياة الإنسان؛ فكان مما امتدح الله به نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم أن قال: "وإنك لعلى خلق عظيم".
وبذلك يخرج الإسلام لنا أجيالا من البشر الربانيين الذي يخافون ربهم ويخشونه ويراقبونه؛ فلا يصدر منهم فساد ولا انحراف، وإن حصل فإنهم يعودون سريعا إلى رشدهم ويتوبون إلى الله ويعيدون الحقوق إلى أصحابها.
كما اتخذ الإسلام سلسلة من التدابير الاحترازية لمنع وقوع جريمة الفساد قدر الإمكان؛ وذلك من خلال سد الطريق أمام كافة الأسباب المؤدية إلى الفساد؛ كالفقر، وغياب المحاسبة، وعدم المساواة، وجشع النفوس.
وشدد مفتي الجمهورية على أن الإسلام قد حارب الفقر من خلال الأمر بالسعي في الأرض وطلب الرزق، فقال تعالى: "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه"، وفتح أبواب العمل في الزراعة والصناعة والتجارة وكافة أوجه الرزق الحلال، ففي الحديث: "ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان إلا كان له به صدقة"
وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: "ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده".
كما أمر الإسلام بالتصدق على الفقراء والمحتاجين كي لا تمتد أيديهم إلى المال الحرام؛ فقال تعالى: "قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال"، وقال صلى الله عليه وسلم: "الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار".
كذلك جعل الإسلام الزكاة ركنا من أركان الإسلام؛ قال تعالى: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم".
التوعية هي أولى وسائل مواجهة الفساد
وأشار أيضا إلى أن الإسلام قد أمر بالعدل والقسط بين الناس حتى لا يستغل أحد سلطته أو منصبه لتحقيق مصالح خاصة؛ قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا".
وأضاف أن الإسلام حارب أيضا الطبقية والتمييز بين الناس، حيث "لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى"، كما أخبرنا نبينا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، لافتا إلى أن هذه هي سياسة الإسلام في الاحتراز من الفساد، وأما سياسته العلاجية العقابية فتتمثل في تجريم كل ما من شأنه أن يكون صورة من صور الفساد أو فعلا من أفعاله، كما أمر الإسلام بمقاومة الفساد والفاسدين ونهيهم عما يقومون به، فحرم الإسلام السرقة وحرم الرشوة؛ ولعن النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي، ومنع كذلك من أكل أموال الناس بالباطل؛ فقال تعالى: "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون".
الفساد آفة عالمية لم يسلم منها مجتمع
وقال المفتي إن من أهم العوامل التي تؤدي إلى انتشار ظاهرة الفساد الجهل بما ينتج عنه من آثار سلبية على الفرد والمجتمع والوطن وضعف الوازع الديني؛ ومن هنا كان من أول وسائل مواجهة الفساد بمختلف أشكاله التوعية بخطر الفساد وآثاره، والتعريف بصوره وأحكامها الشرعية؛ لتنمية الوازع الديني في كل شخص.
وأوضح أنه يقع على عاتق الكثير من المؤسسات القيام بهذه التوعية؛ وعلى رأسها المؤسسات الإعلامية والدينية والتعليمية؛ فينبغي الاهتمام بتطوير الخطاب الإعلامي والديني وتنميته في مجال التوعية بآثار الفساد وتشجيع الإعلاميين والخطباء على تناول هذه القضية، وبخاصة الكوادر المؤهلة والقادرة على ذلك، مع زيادة دعم وتشجيع برامج توعية الجمهور بآثار الفساد، وعقد دورات تدريبية متطورة للإعلاميين والخطباء في مجال التوعية بذلك تركز على كشف السلبيات التي تلحق الفرد والمجتمع.
أما في المؤسسات التعليمية فينبغي نشر التوعية والثقافة بين الطلاب في المدارس وتعريفهم بالآثار السيئة للفساد.
ونوه مفتي الجمهورية إلى أن دار الإفتاء المصرية قد وقفت في طليعة مؤسسات الدولة تكافح الفساد وتواجهه في سياق رسالتها المتمثلة في بيان الأحكام الشرعية في إطار من الانضباط المؤسسي الواعي بتحقيق مصالح الخلق في ظل مقاصد الشريعة، فلم تترك دار الإفتاء فرصة لمحاربة الفساد والتنبيه على مظاهره وأخطاره إلا وقامت باستثمارها، فأصدرت الفتاوى التي تبين حرمة الاعتداء على المال العام، وحرمة التعدي على الملكية الشائعة واستغلال الطرقات العامة وأراضي الدولة، ونشرت فتاواها في تحريم دفع الرشوة وتحريم الاحتكار، وغير ذلك كثير
وشدد على أن الفساد يبقى في النهاية -برغم كل تجلياته الاجتماعية- ظاهرة ترتكز في الأساس على الفرد بحسبانه مادة الحركة الأولى لهذه الظاهرة، ولا أحد أقدر من الدين على التعامل مع الفرد وتنميته إيمانيا بصنع سياج داخل قلبه يقيه شر الوقوع في هذه الممارسات البغيضة.
واستطرد قائلا: لقد ربى الإسلام أولا فردا ذا خلق يخاف الله ويراقبه في تصرفاته؛ فردا لا يحب الفساد ولا يقوم به؛ بل يقاومه ويرفضه، ثم سد الإسلام كافة الطرق المؤدية إلى الفساد، ثم قاوم كافة جرائم الفساد عند وقوعها من خلال تجريمها، فوضع الإسلام بذلك خطة محكمة متكاملة لمكافحة الفساد والقضاء عليه في المجتمع والمؤسسات العامة والخاصة.