"علي" دكتور جامعي بـ"شقاه": ترك فلوس والده وباع عصير على تروسيكل

"علي" دكتور جامعي بـ"شقاه": ترك فلوس والده وباع عصير على تروسيكل
بات يحمل منصبًا هامًا، يراه طلابه وأصدقائه كل يوم مُنعمًّا في مكتبه مرتديًا بذلته ورابطة عنقه، يتجاوز طرقات الجامعة في عجالة، ليلحق بموعد المحاضرة، يُنثر أوراقه ليُلقي على الحضور علمًا تشربّه، تلك الهيئة التي اعتاد الجميع رؤيته عليها لم تكن وليدة اللحظة، إذ تحمل بين طياتها ملامح سنوات طوال من السعي والاجتهاد.
لم يتوار من سرد مواقف واجهته خلال عمله كمندوب مبيعات لأحد الشركات، حين يفحص أحدهم أرشيف صوره القديمة في حسابه الشخصي، إذ تخفي ورائها ذكريات المراهقة والشباب، التي قضاها سعيًا من أجل مهنة أحبها، يجلس الآن في مجالس الشباب يقص عليهم كيف بدأ من الصفر إلى أن بات أستاذا جامعيا.
مدرس تربية رياضية بمرتب 313 جنيه
في طرقات غير ممهدة بقرية "منقباد" إحدى القرى التابعة لمركز أسيوط، اعتاد الدكتور "علي نور الدين" السير يوميًا على قدميه وصولا إلى مقر عمله كمدرس تربية رياضية بأحد المدارس التابعة لوزارة التربية التعليم، براتب شهري ٣١٣ جنيها فقط، لم يجد غيرها أمامه حينها رغم تخرجه من كلية التربية الرياضية في عام 2008، بالترتيب الرابع على دفعته: "مكنش ليا نصيب فى التعيين، لأنهم أخدوا الأول والتاني بس"، يحكي أستاذ جامعة أسيوط لـ"الوطن"، موضحا أن تلك الوظيفة كانت نواة لحياة عملية ناجحة، تجاوز خلالها عقبات شتى.
عدم تعيينه بكليته عقب تخرجه، لم يثبط عزيمة الدكتور الجامعي الثلاثيني، بل قرر إعداد رسالة الماجستير بدعم وتشجيع من والده، الذي أصر أن يعتمد على نفسه في الإنفاق على مصاريف الدراسات العليا، رغم كونه من أسرة ميسورة الحال: "والدي علمني أتعب عشان حلمي وميأسش".
بصوت امتزجت فيه مشاعر الفخر بما حققه والتطلع إلى المزيد، بدأ يروي كيف لجأ إلى امتهان عدة مهن مختلفة بعضها لا علاقة لها بتخصصه: "اشتغلت مدخل بيانات في جمعية خيرية، وبعدها مندوب مبيعات فى شركة تكييفات".
مندوب مبيعات غيرت الصدفة حياته
ثلاث سنوات مضت على تخرجه، بما تحمله من تعب وكفاح وسهر بين الكتب والمراجع، حتى حصل ابن محافظة أسيوط على درجة الماجستير رسيما في عام 2011، هنا بدأت ملامح مستقبله تكتمل خطوطها العريضة أمامه: "اللي حواليا شجعوني أكمل الدكتوراه كمان بعدها".
إعلان عابر وقع أمام عين الدكتور"علي" يومًا ما، يطلب معيدين لجامعة المنيا حاصلين على درجة الماجستير، لم يتردد ثوان في التقدم إلى اختبارات الوظيفة، إلا أن القدر لم يكن حليفه في تلك الخطوة، رغم كونه مستوف الشروط المطلوبة كافة.
يقول: "طلعت الأول على كل المتقدمين وبعدها بشهر روحت أستلم الشغل، قالولي تم استبعادك وتسليم شخص غيرك للمنصب، لأنك مش من أبناء المنيا"، قرار غير قانوني بات عقبة في طريق الشاب الثلاثيني، لكن لم ينل من عزيمته شيئًا.
معيد جامعي وبائع عصير بدرجة دكتوراه
دعوى قضائية رفعها الدكتور الجامعي -حينها- للتظلم في استبعاده، كان الطرف الرابح فيها لعدم قانونية القرار منذ البداية، واستلم مهام منصبه كمعيد في كلية التربية الرياضية بجامعة المنيا، فترة طويلة، واستكمل المضي قدمًا في طريقه إلى الحصول على درجة الدكتوراه.
نشأته في أسرة ميسورة، ورغم ما يحمله من شهادات علمية، لم تكن سببًا في أن يخجل الشاب الأسيوطي من العمل كبائع عصير على تروسيكل متنقل بعد زواجه وزيادة أعباءه المادية، قبل أن تضع زوجته مولودهما الأول، إذ يقتسم ساعات يومه بين العمل وإعداد رسالة الدكتوراه.
يوضح: "كنت ببيع عصير على تروسيكل، والدي علمني أكسب فلوسي بنفسي"، وفي عام 2017 بات يحمل لقب دكتور جامعي رسميا بعد حصوله على درجة الدكتوراه: "طلبت طلب نقل لجامعة أسيوط عشان أرجع محافظتي".
ملخص سنوات التحدي والإصرار، باتت مصدر قوة وفخر يعتز بها الدكتور الجامعي الشاب، ينصح بخبرته الشباب دوما على المثابرة، لم يقف عند نقطة الحياة الأكاديمية، بل افتتح أول "سبا - spa" صحي في محافظة أسيوط: "مفيش حاجة اسمها فشل أو يأس".