كيف تآمروا مع «ترامب» وعليه؟!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

كانت خطة القوى الصهيونية التى تحكم الولايات المتحدة الأمريكية وتهيمن على وسائل وأدوات صناعة الرأى العام، ومنها إلى الهيمنة على الرأى العام نفسه، وبالتالى ممثليه فى مواقع اتخاذ القرار، نقول كانت الخطة تقضى بوصول أول امرأة لتحكم البيت الأبيض بعد أول أسود يحكمه.. الهدف أن تستمر خطة ما سُمى بـ«الربيع العربى»، التى تستهدف الوصول إلى محيط مجزّأ ومقسّم حول إسرائيل إن لم تتمكن من احتلاله على المدى المتوسط، فعلى الأقل تحكمه دون احتلال مباشر من خلال اتفاقيات هيمنة عليه!

فجأة وخلافاً لكل التوقعات، وخلافاً لاستطلاعات الرأى العام، وخلافاً للخطة التى لم تحشد معها مؤسسات الإعلام الكبرى بالولايات المتحدة الأمريكية من فضائيات وصحف ووكالات أنباء وحسب، وإنما أيضاً حشدوا حتى هوليوود بفنانيها ونجومها الكبار ليُعلنوا دعمهم لهيلارى كلينتون.. ومع ذلك فاجأ ترامب الجميع بفوزه وبفارق لم يكن سهلاً تعويضه ولا تزييفه ولا الطعن عليه! ولم يكن هناك حل من المخططين إلا باللعب مع ترامب نفسه، وكانت الخطة البديلة العاجلة!

الخطة البديلة تضمّنت السير فى أكثر من اتجاه.. الأول تحرك فى الشارع من مظاهرات ومطالب بإعادة الفرز من لوس أنجلوس وحرم جامعة كاليفورنيا إلى «نابا وهايوارد» إلى جرينتش، إلى مظاهرات للطلبة فى تكساس، إلى نيويورك وأمام البيت الأبيض فى واشنطن وبوسطن وفلاديلفيا وشيكاغو وأوكلاند وبورتلاند، ونظمت أيضاً احتجاجات فى عدة دول منها كندا والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والفلبين وأستراليا، ثم ماذا «إسرائيل»، واستمر بعضها عدة أيام، وكلها ترفع شعارات أخلاقية وجذابة وجاذبة، منها «هذا العنصرى ليس رئيسى» و«كاره الأجانب» و«كاره الأسرة والمرأة»، وغيرها من الشعارات والهتافات التى أخذت تتوسّع وتتسع وتكبر وتتطرّف حتى توقع المراقبون أن تصل إلى أماكن أخرى وأن تتحول إلى العنف، وأن ينضم إليها السود، وتهيمن عليها النساء، إلا أنه فجأة توقف كل شىء، وبلا أى مقدمات، وفى كل الأماكن، وفى توقيت واحد، وكأن إشارة ما للجميع بالتوقف أو جهة بعينها أعطت الأوامر للجميع بالتوقف، واستجاب الجميع بالفعل، فأدرك الكثيرون ونحن منهم أن اتفاقاً سرياً قد تم..!!! من الذى أجراه؟ من أطرافه بما يقضى؟ وكانت الإجابات على التوالى: الذى أجراه هو الجهة التى كانت تريد إنجاح هيلارى، وتعهدت لها بذلك، وأنها ستكون أول سيدة تحكم البيت الأبيض، وأن أطرافه هم وترامب إما على ماذا؟ وما المقابل؟ فقد تأخر بعض الشىء!!

هدأت الأمور، وبدأ «ترامب» يؤكد أنه سيُنفّذ وعوده الانتخابية كلها.. فى منطقتنا العربية انتظرنا أمرين.. ترقب وخوف من أن ينفّذ تعهده باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل وبشوق أن ينفذ وعده بتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية! فى الأولى قُلنا صعب أن يفعل، وفى الثانية تفاءل الكثيرون، لكننا قلنا كتابة وصوتاً وصورة، قلنا أيضاً إنه لن يفعل! حتى لو استعد لذلك وهم باتخاذ القرار، فهناك من سيمنعه ويقولون له «أنت لا تعلم مدى أهمية هذه الجماعة لنا»! أو «لا تتدخل فيما لا يعنيك»، واستجاب ترامب!

أما عن القدس.. فقرر «ترامب» فعلاً الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، ضارباً عرض الحائط بقرارات الأسرة الدولية والأمم المتحدة التى تقر أن هناك فى هذه المنطقة أرضاً محتلة مع قرارات أخرى بالانسحاب منها، وضارباً عرض الحائط بالقانون الدولى، الذى يمنع احتلال أراضى الغير بالقوة، وضارباً عرض الحائط بجميع مبادرات السلام العربية وغير العربية، التى انتهت إلى مبدأ اتفق عليه الجميع، وهو «الأرض مقابل السلام»، أى أن ترد إسرائيل الأرض لأصحابها فى مقابل وقفهم للعداء معها، وإنهاء حالة الحرب، وصولاً -طبعاً- إلى حل الدولتين!

لم يتوقف «ترامب» عند ذلك، بل راح يشجّع دول العالم بالسير فى الاتجاه ذاته، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل مثله وتطرف فى الأمر حتى راح يهدد ويتوعد الدول التى ترفض ذلك، وبعدها قدم «ترامب» على ما لم يتوقعه أحد على الإطلاق، وهو اعترافه بضم إسرائيل للجولان، وما ينطبق على القدس ينطبق على الجولان، رغم أن الصراع على الجولان أوضح، لأنها مرتفعات محددة ولا توجد بها أماكن مقدّسة، ولا يوجد بها سكان إسرائيليون وإنما قوات عسكرية محتلة!! ومع ذلك اعترف «ترامب» بضمها وأثناء كل ذلك حاصر إيران وهبط ببيعها من النفط إلى «صفر برميل»، وبات «ترامب» كأنه رئيس لإسرائيل، وليس للولايات المتحدة!

كان الاتفاق الذى تم يقضى بذلك، ولأن هذه المنظمات لا تشترى سمكاً فى ماء، فكان لا بد من ورقة ضغط تظل على رقبة «ترامب»، حتى ينجز كل ذلك.. فكانت ورقة «التخابر أو التدخل الروسى فى الانتخابات الأمريكية»، وهى ليست فقط كفيلة بعدم انتخاب «ترامب» مرة أخرى، بل أن يكون مصيره السجن!!

حتى إن نظرة إلى عناوين الأخبار الغربية كانت كالتالى:

ورطة جديدة.. نيويورك تايمز: ترامب طلب مساعدة أستراليا فى مكالمة.

ودونالد ترامب.. أول ملياردير يحكم العالم ويتهم بالاحتيال.

ماذا قال ترامب بعد تسريب المكالمة التى قد تتسبب فى عزله؟

وهكذا ظل ترامب تحت هذه المقاصل طوال السنوات الأربع!!

الآن.. المنظمات الصهيونية وقد قدم لها ترامب كل شىء وأقصى مما كانت تحلم به سألت نفسها: لماذا ننتخبه ثانية؟ ماذا يمكن أن يقدم؟! سيكون حراً بعد إنهاء ورقة التخابر مع روسيا، فالدستور لا يسمح بولاية ثالثة، والأفضل أن يحكم الولايات المتحدة من يأمل فى ولاية ثانية، أو على الأقل من يقدم خدمات أخرى جديدة لإسرائيل!

رأى آخر يقول إن بايدن سيُعارض بناء المستوطنات وسيعيد حل الدولتين.. وهنا تكون المفاضلة برئيس يمكنه أن يدعم الفلسطينيين، وبالتالى استكمال عملية إضعاف المحيط العربى، خصوصاً أن مصر فى ما يبدو -هكذا فكروا- لن يمنعها مانع من استكمال التنمية الطموحة التى بدأت بها.. سواء تقلص أو حتى تراجع دعم الأشقاء والأصدقاء على السواء، أو حتى أقساط الديون التى نجحت مصر فى عدم تراكم أى أقساط على بعضها حتى اللحظة، وتسدّدها بانتظام، وبالتالى فمصر قادرة على التعامل مع جميع الأزمات والاحتمالات، وكان القرار بأن التعامل مع أى ضغوط ضد الاستيطان أو فتح الحوار والتفاوض حول حل الدولتين سبق أن تعاملت معه إسرائيل، ولم تفلح أى قوة على وقفها، وبالتالى فقرار اعتبار «ترامب» ورقة انتهت قد اتخذ فلا مجال أصلاً لأى عواطف أو مجاملات!

ومن هنا تطل التساؤلات بنفسها: هل تمت المبالغة فى إحصائيات انتشار كورونا عمداً؟ هل انتشرت أصلاً على هذا النحو بفعل فاعل؟ كيف انقلبت «فوكس نيوز» هكذا على «ترامب» من لسان حاله إلى لسان حال خصمه؟! وكيف اتفق «تويتر» و«فيس بوك» على حذف أخبار «ترامب» وبياناته؟! وهل هناك أيدٍ خفية وقفت خلف تدبير أحداث الاعتداءات العنصرية ضد السود وتحولها إلى وقود للغضب انفجر فى بعض الولايات فعلاً؟! وكيف ظهرت لقاحات كورونا تباعاً فور إعلان النتيجة من وسائل الإعلام؟ وكيف حشدت وسائل الإعلام لإقرار الأمر الواقع بإبراز التهانى لبايدن وأنباء اختياره لمساعديه؟!

ربما أجابت الأيام عن كل ذلك.. وربما كاغتيال كيندى وانتحار مارلين مونرو. ستدفن التفاصيل إلى الأبد!