كان رسول الله -صلى الله الله عليه وسلم- قبل البعثة ونزول الوحى عليه مثالاً عملياً ونموذجاً يُحتذى به فى مكارم الأخلاق، يؤيد هذا ما جاءت به الأخبار، من أنه كان يوصف فى قومه بـ«الصادق الأمين»، بل كان نعم السند والمعين لجميع أفراد المجتمع من حوله، فقد أخبرت السيدة خديجة -رضى الله عنها- فى وصفها الدقيق لمكارم أخلاقه عليه الصلاة والسلام، وأن ما كان عليه سيكون سنداً وعوناً له -صلى الله عليه وسلم- فى طريقه لإصلاح البشرية وإخراجهم من ظُلمات الجهل والضلالة إلى نور الإيمان والعلم.. فحينما عاد إليها رسول الله بعدما نزل عليه «جبريل» -عليه السلام- فى غار «حراء»، حيث كان يتعبَّد فيه ويتفكر فى خلق الله سبحانه، كما كان يفعل جده خليل الله «إبراهيم» من قبله، جاءه الملَك فقال له: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ -أعادها عليه- وفى الثالثة قال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)، فرجع بها حتى دخل على «خديجة» فقال: «زمِّلونى زمِّلونى».. ثم قال لـ «خديجة»: «لقد خشيت على نفسى». قالت له «خديجة»: (كلا أبشِر فوالله لا يُخزيك الله أبداً، والله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق).
بهذه الصفات التى ذكرتها السيدة «خديجة» كان يحيا «محمد بن عبدالله» فى قومه: (يصل الرحم، ويصدق الحديث، ويحمل الكّل، ويكسب المعدوم، ويعين على نوائب الحق).. ومَن كانت هذه صفاته حقاً لا يُخزيه الله أبداً، وكذلك شأن كل مَن يتمثلها فى حياته.
ثم توالى نزول «الوحى»، ليحمل المصطفى أعظم رسالةً للإنسانية جاءت رحمة للعالمين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، وإن ادَّعى متطرفو كل عصر أنها خاصة بأمةٍ دون غيرها، مشعلين نار البغضاء بين أبناء الأمم، مستغلِّين جهل البعض بأمور دينهم للدفع بهم كوقود لمعركة عمادها الكراهية بين أبناء الشعوب، وغايتها ضياع أرواح الأبرياء من أبناء الإنسانية جميعاً.
لقد بيَّن الله تعالى فى القرآن الكريم أنه شرع لنبيه ما وصَّى به الأنبياء -عليهم السلام- من قبله، فدين الله واحد، والشرائع تناسب كل عصر، وفى ذلك يقول النبى صلى الله عليه وسلم: (الأنبياء إخوة لعلّاتٍ: أمهاتهم شتى، ودينهم واحد)، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «وإنِّى أَوْلى الناسِ بعيسى بن مريم، لأنه لم يكن بينى وبينه نبى»، وقد بشَّر أيضاً نبى الله عيسى -عليه السلام- بنبوة أخيه محمد عليه الصلاة والسلام، كما فى قوله تعالى: «ومبشِّراً برسولٍ يأتى من بعدى اسمُه أحمد» (سورة الصف: الآية 6).
إن عبادةَ الله ليست حكراً على أحد، فلكلٍّ دينه، والمرجع فى النهاية واحد «هو الله»، إليه يرجع الأمر كله.. فهل من سبيلٍ لتسود روح المحبة والسلام وتظلِّل راياتُ التسامح الجميع؟! ليعيش أبناء العالم معاً فى هدوء وسكينة، ولتُطفأ نيران الحقد والكراهية والبغضاء التى يُشعلها أصحابُ «المصالح والمطامع والأهواء»، وإن رفعوا شعارات مزيَّفة تحجب نور الحقيقة.. والله الموفِّق.