بالدموع والهتافات.. عمال "النساجون الشرقيون" يودعون محمد فريد خميس

كتب: أحمد ماهر أبوالنصر

بالدموع والهتافات.. عمال "النساجون الشرقيون" يودعون محمد فريد خميس

بالدموع والهتافات.. عمال "النساجون الشرقيون" يودعون محمد فريد خميس

شيعت أول أمس جنازة رجل الصناعة محمد فريد خميس والذي وافته المنية صباح يوم السبت الماضى بأحد المستشفيات الأمريكية عن عمر ناهز 80 عاما.

وحضر الجنازة آلاف العمال والمواطنين المحبين له، لإلقاء تحية الوداع للرجل الذي دعم الصناعة عقودا طويلة وساهم في الارتقاء بصناعة السجاد.

مع دقات الخامسة عصرا بمصانع النساجون الشرقيون بالعاشر من رمضان بدأت الحشود تتوافد على سرادق العزاء الذي أقيم داخل أرض المصنع، الحزن يكسو الوجوه، والدموع تنهمر من أعين الكبار قبل الصغار، جنازة مهيبة وحضور كثيف.

اقترب موعد وصول الجثمان فهرول الجميع في محاولة للدخول لصلاة الجنازة، ولكن منعهم الأمن بعدما امتلأت الساحة الداخلية للمصنع بالمواطنين، ودار حوار طويل امتد لأكثر من نصف ساعة بين المواطنين المتجمعين حول البوابة وبين الأمن الرافض لدخولهم.

"محدش هيدخل تاني" قالها الحراس الذين كانوا حريصين على عدم السماح بدخول أعداد إضافية إلى أرض المصنع منعا للتكدس بالداخل، ليرد عليهم العمال بجملة قصيرة "عايزين نصلي الجنازة، جايين مخصوص"، وسط توسلات المواطنين المتجمعين حول الباب الرئيسي للمصنع وافق الأمن على دخولهم ولم يغلق الباب مجددا، وظل التوافد حتى غابت الشمس، دون انقطاع.

على جدران المصنع الخارجية كانت لافتات الوداع تنتشر بصورة كبيرة، وبداخله أيضا، إلى جانب صورة الراحل بجوار مسجد قد بناه في الولايات المتحدة الأمريكية.

وسط ذهول الحضور من نبأ الوفاة والصدمة على الوجوه وصل الدكتور علي المصيلحي وزير التموين، إلى قاعة كبار الزوار التي خصصتها إدارة المصنع لاستقبال الضيوف من الشخصيات العامة والمشاهير، ليلحق به محمد سعفان وزير القوى العاملة، وعدد كبير من علماء الأزهر، بالكمامات دخل الجميع إلى تلك القاعة في انتظار وصول الجثمان والذي كان من المقرر له أن يصل مع دقات الحادية عشرة صباحا، ولكن تأخر الوصول إلى الرابعة عصرا، ليتم مرة أخرى تأجيل مراسم تشييع الجثمان حتى الخامسة والنصف، نظرا للإجراءات الصحية بالمطار.

الكراسي وضعت في كل مكان، ومع اتساع مساحة المصنع زاد عدد المقاعد بشكل كبير، كي تلائم هذا الحشد الهائل من الحضور، لم يخل مكان منها، حيث وضعت أيضا في المساحات الخضراء داخل المصنع.

اقترب أذان المغرب وزاد التوتر على الوجوه، فالجميع يتساءل لماذا كل هذا التأخير، حتى ارتفع الأذان وهنا دخلت السيارة التي كانت تقل الجثمان، وبدأت الأصوات تتعالى، واقترب الجمع منها، وكأن الجميع يريد أن يلقي نظرة الوداع، وسط هذا الزحام الشديد توقفت السيارة كثيرا حتى الوصول إلى السرادق، إلى حد دفع أمن الشركة إلى إبعاد الجميع من حول السيارة حتى يتمكن السائق من الوصول إلى مبتغاه.

اصطف الحضور على جنبات الطريق المؤدي للسرادق، بعد دعوات أحد الشيوخ داخل السرادق من أجل توسعة الطريق كي تصل السيارة إلى الساحة المخصصة للصلاة، كاميرات الهواتف الذكية كانت تعمل دون توقف منذ دخول السيارة التي كانت تقل جثمان الراحل، حتى إقامة صلاة الجنازة.

رفع أذان المغرب، البعض يصلي والبعض الآخر يقف إلى جانب الجثمان ولا يريد أن يتحرك، حتى انتهت صلاة المغرب، وهنا تعالت الأصوات والهتافات "فريد فريد يا حبيب الكل"، انخرط الجمع فى البكاء عند إخراج الجثمان من الباب الخلفي للسيارة التي تقله، وتهافت عليه الآلاف، إلى حد دفع أحد القساوسة حرص على الحضور لتشييع الجثمان، إلى تنظيم الصلاة بعد أن هرول الجميع إلى داخل السرادق دون النظر إلي إمكانية الصلاة من عدمها، ووقف القسيس بجوار الجثمان، وبجانبه أحد الشيوخ، ينظمان الصفوف، ويحاولان إبعاد الحضور عن الجثمان، وهنا غابت الشمس قبل الصلاة، وأضاء الجميع كشافات الهواتف، على الرغم من وجود كشافات كهربائية ذات إضاءة قوية، وما إن انتهت صلاة الجنازة حتى هم الجميع مرة أخرى بالالتفاف حول السيارة في آخر لحظات الوداع.

يقول أحمد عيسى، 42 عاما، أحد العمال، إن الراحل كان بمثابة أب، وداعم لهم بشكل كبير، ولم يكن يترك أحدا منهم في محنة، حتى إنه كان يخصص رواتب شهرية إضافية لعمال النظافة، لإعانتهم على المعيشة: "بقالي 20 سنة شغال معاه، مشفتش فيهم غير الخير، وفي خلال كل المدة دي، كان دايما وسطينا، وماكانش، بيتأخر على حد".

ويقول محمود مصطفى، 45 عاما، عامل بشركة النساجون الشرقيون، إنه يعمل بالشركة منذ 10 سنوات، مشيرا إلى أنه يعتبر أن وفاة محمد فريد خميس صدمة قوية تلقاها ونبأ سيئ: "كان بيهتم بينا ودايما عايز يطورنا وقدر يعمل ده فعلا، وكان بيوفر لينا كورسات تدريبية ببلاش".

تبكي حنان عبدالمنعم، عاملة، من منطقة شبرا، وتقول إنها لم ترَ منه سوى الخير منذ أن عملت في الشركة منذ 15 عاما: "كان عامل علاج مجاني لينا يبقي ازاي ما نبكيش عليه".

على الأرض افترش مصطفى سلامة ومعه 3 أصدقاء، بملابس ريفية تدل على جذورهم، يشير "سلامة" إلى أنه جاء خصيصا من محافطة المنوفية لتوديع الراحل، حيث يعمل معه منذ عقود طويلة.

خرجت السيارة بصعوبة بالغة من ساحة المصنع وتوجهت صوب مقابر الأسرة بالروبيكي، وبدأ الحضور في الانصراف.

 

 


مواضيع متعلقة