إياد حرفوش يكتب: اتحاد منتجي الدواجن: بين نقد الذات وجلد الذات

إياد حرفوش يكتب: اتحاد منتجي الدواجن: بين نقد الذات وجلد الذات
هل يحتاج اتحاد منتجى الدواجن إلى التطوير؟ قطعاً وقولاً واحداً نعم، يحتاج إلى التطوير، وهناك مجال رحب للتطوير. وهل تستغنى أى مؤسسة عن التطوير إلا إذا كانت فى طور النهاية؟ التطوير يقتضى قطعاً نقد الذات ولكنه لا يقتضى جلد الذات. فما هو الفارق بين الاثنين؟ الفروق متعددة: نقد الذات يعتمد على معلومات دقيقة، أما جلد الذات فيحركه هاجس مسيطر. نقد الذات بنائى وجلد الذات هدمى عقابى. وأنا لن أناقش هنا الآليات التى أراها لتحويل النقد الذاتى إلى عمل بناء يهدف للتطوير (وليس التصوير). إذ يلزمنى الالتزام المؤسسى أن أناقشها أولاً فى مجلس إدارة الاتحاد لتكتسب شرعية العمل العام الجمعى بطبيعته، وتنتفى عنها صفة الرأى الشخصى. لكنى سأرد على بعض نغمات جلد الذات الشائعة اليوم، لأن هذا تصويب للمعلومات والأفكار لا يقتضى الصفة الجمعية.
هل يقوم الاتحاد بدوره فى تمثيل الصناعة والدفاع عن مصالحها الكلية؟
سنجيب على هذا بثلاث وقائع محددة على سبيل المثال لا الحصر، لنعالج بها مرض «ذاكرة الأسماك»:
(1) فى نوفمبر 2016م، عندما قررت الحكومة رفع الحماية الجمركية عن الدواجن المستوردة (32%) بصورة مؤقتة حتى نهاية مايو 2017م، قبل أن تقرر إلغاء هذا القرار بالغ الخطورة على صناعة الدواجن المصرية فى 5 ديسمبر 2016م. كان خلف قرار الإعفاء بطبيعة الحال مجموعة مصالح قوية من مستوردى الدواجن، صورت الأمر لصانع القرار على أنه فى خدمة الصالح العام. فمن كان خلف قرار الحكومة بإلغاء قرارها السابق بعد صدوره بأيام غير الاتحاد العام لمنتجى الدواجن؟
(2) عندما طرح وزير التموين السابق الدكتور خالد حنفى مناقصة دولية لتوريد أجزاء الدواجن الخلفية فى 2015م، وفازت بها شركة أمريكية، وخرج بتصريحات فى 21 نوفمبر 2015م عن قرب وصول شحنات الأجزاء الخلفية لطرحها فى المجمعات الاستهلاكية. تراجعت وزارة التموين فى 24 نوفمبر عن هذا التوجه بعد تدخل رئاسة الجمهورية، بناء على تواصل الاتحاد مع القيادة السياسية لبيان خطورة هذا القرار. عندما تجددت الضغوط نحو استيراد أجزاء الدواجن الخلفية من جديد فى أبريل 2020م، كان الاتحاد هو من تصدى لها من جديد بدعم من وزارة الزراعة!
(3) قرار رئيس الوزراء فى سبتمبر 2019م بتشكيل اللجنة 222 من الوزارات المعنية مع الاتحاد العام لمنتجى الدواجن، وعرض طلبات استيراد الدواجن ومصنعاتها عليها.
هل معنى هذا أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان؟ قطعاً لا! يمكن تعميق التواصل مع وزارة الزراعة والجهات المعنية، لتحقيق درجات أعلى من التنسيق.
هل يمثل الاتحاد شركات الدواجن الكبرى فقط، ولا يراعى مصالح صغار المربين؟
لأن لغة الأرقام موجزة وقاطعة، فلعلى أفاجئ القارئ بأنه بالنظر لقاعدة العضوية المكونة للجمعية العمومية الحالية التى انتخبت أعضاء مجلس الإدارة فى سبتمبر 2020م، تمثل الشركات التابعة لمجموعات الدواجن الكبرى المعروفة 25% فقط من إجمالى عدد الشركات! بينما 75% تتكون من الشركات الأصغر حجماً والمزارع ومصانع الأعلاف. فهل يشترط الاتحاد حجم استثمارات معيناً لعضويته أو حداً أدنى لرأس المال؟ الإجابة قطعاً لا! أما القول بأن الاتحاد لا يقبل عضوية المزارع والمنشآت غير المرخصة فهو حقيقى طبعاً. ولا يمكن لعاقل أن يطلب من الاتحاد غير ذلك، لأنه طلب مخالف للقانون. هل معنى هذا أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان؟ الإجابة أيضاً لا! يجب على المجلس الجديد أن يعمل على توسيع قاعدة العضوية.
هل يتحكم الاتحاد فى موارد مالية ضخمة غير مستغلة؟
وفقاً للقانون رقم 96 لسنة 1998م المؤسس للاتحاد، تحدد مادة (6) موارد الاتحاد من رسوم القيد، واشتراكات الأعضاء، ومقابل الخدمات، وغيرها. ومن يطالع المادة والحدود التى وضعتها للرسوم يمكنه تصور محدودية تلك الإمكانات المالية. إنما يأتى الخلط من صندوق التعويضات وتطوير صناعة الدواجن التابع لوزارة الزراعة، والذى لا يمكن للاتحاد توظيف موارده واستغلالها بسلطته المباشرة وبغير اعتماد وزير الزراعة. وقد تقدم الاتحاد بمشروعات عديدة منذ 2006م تقع ضمن حدود اختصاصه التى حددتها المادة (3) من القانون. هل معنى هذا أن نتوقف عن العمل على استغلال تلك الموارد بأفضل وجه ممكن؟ قطعاً لا!
فمن أين يأتى الانطباع حول تقصير الاتحاد العام لمنتجى الدواجن؟
يأتى هذا الانطباع برأينا من عدم فهم دور الاتحاد الذى حدده قانون إنشائه فى المادة الثالثة منه، التى وضعت ثمانية أغراض يعمل عليها الاتحاد، تتعلق بتمثيل الصناعة، وإدارة المعلومات الخاصة بها، والتنسيق مع الجهات الرسمية، والتنسيق والتحكيم بين الأعضاء، وغيرها. فتجد من يتوقع من الاتحاد التصدى للمشكلات الوبائية، بينما تلك مهمة الهيئة العامة للخدمات البيطرية، والمعاهد البحثية التابعة لوزارة الزراعة، والجامعات. وتجد من يتوقع منه التحكم فى مشكلة تدنى أسعار الدواجن فى بعض المواسم خلال العام، دون أن يوضح ما هى الآلية التى يمكن للاتحاد أن يرفع بها الأسعار؟ وتجد الإعلام يصرخ فى وجهه عندما ترتفع الأسعار، دون أن يوضح كذلك كيف يتوقع منه أن يخفض الأسعار؟
فهل كل شىء على ما يرام وليس فى الإمكان أبدع مما كان؟
لا، فالنقد الموضوعى للذات يبين لنا الطريق الأرشد نحو التطوير. ولكن كما قلت، هذا أمر لا يناقش بمستوى الإعلام فى البداية، لأن مناقشته تكون داخل البيت أولاً ليتخذ صفة الرأى الجمعى أولاً، ولأن تناوله الجدى يعتمد على أرقام وبيانات ونصوص قانونية يضيق بها المقام ثانياً. وختاماً.. الهجوم هدم، والنقد بناء، الهجوم محبط والنقد مفعم بالأمل، ولو كنا نريد من مجلس الإدارة المنتخب فى 6 سبتمبر الجارى أن يكون متفانياً فى خدمة الصناعة، فعلينا أن نظهر امتناناً لما أجاد فيه المجلس المنقضية ولايته، فنموذج «جزاء سنمار» نموذج هدم لا ريب فيه.