"كوميسا".. مخالفات الدول تدق أجراس"حرب تجارية" في أفريقيا

كتب: هشام إبراهيم وعبدالرحمن فرحات

"كوميسا".. مخالفات الدول تدق أجراس"حرب تجارية" في أفريقيا

"كوميسا".. مخالفات الدول تدق أجراس"حرب تجارية" في أفريقيا

حالة من الارتباك سادت الأجواء خلال الأسبوع الماضى، مع قرار كينيا بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على وارداتها السلعية من مصر ومجموعة من الدول الأخرى المشاركة فى اتفاقية الكوميسا وتجمع شرق أفريقيا، مخالفة بذلك الاتفاقيات التجارية التى تعزز من تنشيط حركة التجارة الأفريقية، الأمر الذى دفع العديد من المصدرين لإرسال شكاوى للجهات المعنية سواء فى الغرف التجارية أو وزارة التجارة والصناعة. وتمثل هذه الأزمة أهمية كبيرة لمصر، خاصة أنها لم تعتبر كينيا مجرد شريك تجارى فقط، ولكنها تعتبر البوابة الرئيسية للصادرات المصرية للقارة السمراء، خاصة دول شرق أفريقيا، حيث قامت مصر بافتتاح أكبر مركز لوجيستى لتنمية الصادرات للقارة فى كينيا خلال 2017. كما تشير أحدث البيانات الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، إلى وصول إجمالى قيمة الصادرات المصرية للكوميسا لنحو 2.1 مليار دولار عام 2019 مقابل 1.9 مليار دولار عام 2018 بنسبة زيادة قدرها 11.3%. وقالت مصادر مطلعة فى تصريحات خاصة، إن الأيام الماضية شهدت مخاطبة الجانب المصرى لنظيره الكينى للتأكد بشكل رسمى من صحة المعلومات الواردة من جانب عدد من الشركات المصرية حول تلك الأزمة، منوهة بأنه بموجب الرد الكينى ستعقد وزيرة الصناعة لقاء مع مسئولى المجالس التصديرية واتحاد الصناعات ومجلس الأعمال المشترك لبحث إجراءات احتواء الأزمة، واتخاذ القرارات اللازمة لتفادى التأثيرات السلبية المحتملة لذلك القرار على حركة الصادرات المصرية لكينيا خلال الفترة المقبلة.

حسام فريد: مجلس الأعمال المصري الكيني سيقوم بصياغة مذكرة تفصيلية حول مدى التأثير المتوقع جراء القرار

وتعليقاً على الأزمة، قال حسام فريد، رئيس الجانب المصرى لمجلس الأعمال المشترك مع كينيا، إن المجلس سيقوم بصياغة مذكرة تفصيلية حول مدى التأثير المتوقع جراء القرار حال التأكد من تطبيقه، متابعاً أن المجلس انتهى من إعداد قائمة بعدد الشركات المصرية المصدرة للسوق الكينية تمهيداً للاجتماع المقرر عقده مع وزارة التجارة والصناعة. وأوضح فريد أن تطبيق اتفاقية الكوميسا يساهم فى رفع تنافسية المنتجات المصرية بكينيا والأسواق المجاورة، أمام نظيرتها من الدول الأخرى، أما فى حالة وقف التنفيذ فسوف يمثل ذلك تحدياً كبيراً أمام القطاعات التصديرية.

خالد أبوالمكارم: قمنا بمخاطبة الجهات المعنية لاتخاذ الإجراء اللازم حيال الأزمة

ويأتى ذلك فى الوقت الذى يؤكد فيه خالد أبوالمكارم، رئيس المجلس التصديرى للصناعات الكيماوية، أن كينيا تعتبر أحد أهم الشركاء الاستراتيجيين لمصر فى شرق أفريقيا، وذلك باعتبارها بوابة مصر لأسواق شرق أفريقيا، خاصة مع وجود ميناء مومبسا، وامتلاكها نظاماً مصرفياً وتكنولوجياً متطوراً ييسر من حركة التجارة، مشيراً إلى أن حجم الصادرات المصرية لكينيا فى قطاع الصناعات الكيماوية فقط وصل إلى 82 مليون دولار خلال الربع الأول من 2020، محققاً بذلك نمواً بـ9% مقارنة بالفترة نفسها من 2019. وأوضح أن هذا النمو فى حجم الصادرات انعكس على زيادة عدد الشركات المصدرة التى وصل عددها إلى 620 شركة مصرية خلال النصف الأول من العام الجارى، محققة معدل نمو 16% مقارنة بعدد الشركات المصدرة خلال الفترة نفسها من العام الماضى. وأشار إلى أن قطاعات المنتجات الورقية، ومنتجات البلاستيك والمطاط، والمنظفات، والمنتجات الزجاجية، والأحبار والدهانات، والأسمدة، والخلايا الجافة والبطاريات، والكيماويات المتنوعة هى أبرز القطاعات التصديرية المصرية للسوق الكينية. وتابع أن المجلس قام بمخاطبة قطاعات الاتفاقيات التجارية والتمثيل التجارى بوزارة التجارة والصناعة لاتخاذ الإجراء اللازم حيال أزمة الرسوم الجمركية التى فرضتها كينيا، والتى تخالف أحكام تجمع دول جنوب وشرق أفريقيا.

وليد جمال الدين: مشكلة كينيا مؤقتة

والالتزام بالاتفاقيات التجارية عالمياً لم يصل للمستوى المطلوب

ومن ناحية أخرى، يرى الدكتور وليد جمال الدين، رئيس المجلس التصديرى لمواد البناء والحراريات والصناعات المعدنية، أن أزمة توقف كينيا عن تفعيل العمل باتفاقية الكوميسا مؤقتة وفى طريقها للحل، موضحاً أنها مشكلة فنية نتيجة انتظار كينيا للعمل بالاتفاقية الأفريقية الكبرى الجديدة التى كان من المقرر تفعيلها خلال الفترة الحالية ولكنها تأخرت فى الدخول لحيز التنفيذ، ما أدى لوجود فجوة زمنية بين العمل بالاتفاقية الجديدة وإيقاف العمل بالاتفاقية القديمة. وأضاف أنه قد تلجأ كينيا للرجوع إلى البرلمان لتمديد العمل بالاتفاقية الحالية لفترة مؤقتة لحين بدء العمل بالاتفاقية جديدة. وهو ما أكدته تصريحات الجانب الكينى فى وسائل الإعلام الرسمية، التى أوردت أن العمل بالاتفاقيات التجارية «EAC وCOMESA» قد انقضى فى 31 ديسمبر 2019، ويأتى هذا فى أعقاب عملية التبنى البطيئة من قبل الدول الأعضاء البالغ عددها 26، والتى من المفترض أن توقع وتصدق على اتفاقية منطقة التجارة الحرة الثلاثية (TFTA)، والتى تنطوى على توسيع التعريفات التفضيلية للسلع المستوردة من الدول الأعضاء، مع مراعاة الشروط المتفق عليها (قواعد المنشأ). ونظراً لأن اتفاقية منطقة التجارة الحرة الثلاثية بين الكوميسا ومجموعة دول شرق أفريقيا ومجموعة سادك لم يتم التصديق عليها بالكامل بعد من قبل العدد المطلوب من الدول الشريكة، أدى ذلك لحدوث أزمة نتيجة عدم تمديد العمل بالاتفاقيات القديمة.

أزمة الرسوم الجمركية الكينية تنضم لمسلسل الانتهاكات لاتفاقيات التجارة.. واستمرار المخالفات يضعف نفوذ المنظمات والتجمعات التجارية

وبناء على ذلك، طالبت غرفة كينيا الوطنية للتجارة والصناعة KNCCI، فى بيان لها، الحكومة الكينية بضرورة النظر فى طرق ضمان عدم توقف الأعمال التجارية من خلال إدخال الحواجز التجارية، مؤكدة أنه فى حالة التأخر فى اتخاذ قرار يدعم حرية التجارة مع الشركاء التجاريين، قد يؤدى ذلك إلى حرب تجارية محتملة بين كينيا وبقية الدول الشريكة فى الكوميسا، وهو ما يؤدى إلى تفاقم الأزمة فى ظل استحواذ الكوميسا على أكثر من 73% من إجمالى صادرات كينيا إلى أفريقيا. كما أبدت شركات الشحن قلقها حيال ذلك، حيث تُعد الكوميسا أكبر منفذ للمنتجات الكينية، وفى حالة تصاعد الأزمة، فقد تتكبد هذه الشركات خسائر كبيرة.

ومن جانبها تسعى الأمانة العامة لمجموعة شرق أفريقيا إلى تمديد الشروط من قبل الجمعية التشريعية لشرق أفريقيا، للسماح بمعاملة تعريفة تفضيلية للسلع من الكوميسا وSADC، حتى عام 2023. وبمنظور أوسع، لم تمثل الرسوم التى فرضتها كينيا الانتهاك الوحيد لاتفاقية الكوميسا، فهى حلقة من مسلسل طويل من الانتهاكات والمخالفات التى قامت بها العديد من الدول المشاركة فى هذه الاتفاقية أو غيرها من اتفاقيات التجارة الحرة وفقاً لمصالحها دون الامتثال للشروط والضوابط التى وافق عليها برلمان الدولة، ما يشكل خطراً حقيقياً على توازن التجارة العالمية وبقاء وفاعلية الاتفاقيات التجارية بشكل عام، بل ويصل الخطر إلى بقاء منظمات ضخمة مثل منظمة التجارة العالمية التى أثبتت ضعفها فى وضع حدود للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وغيرها من الانتهاكات التجارية التى تتبعها الدول الكبرى وفقاً لأهوائها ومصالحها التجارية والسياسية؛ فهل يلزم القانون الدولى بالامتثال للاتفاقيات التجارية وتنفيذها دون مخالفة؟!

فى هذا الصدد أوضح وليد جمال الدين، أنه ما دامت قد صدقت برلمانات الدول على الاتفاقيات التجارية، فمنذ هذه اللحظة أصبحت ملزمة قانوناً باحترام الاتفاقية، مشيراً إلى أن هناك العديد من الدول التى تقوم بمخالفة الاتفاقيات التجارية خاصة عند شعورها بالتهديدات التى قد تلحق بأسواقها نتيجة دخول منتجات منافسة بتيسيرات جمركية تنص عليها الاتفاقية، أو فى حالة عدم قدرتها على الاستفادة من الاتفاقية بالشكل الكافى. وتابع: «فى هذه الحالات، تقوم الدول المتضررة بتقديم شكوى للسكرتارية العامة للمنظمة التى تشرف على تطبيق الاتفاقية، مثل منظمة التجارة العالمية أو الكوميسا على سبيل المثال، ومن ثم تدخل الشكوى فى طور التفاوض لإلزام الدول المخالفة على احترام الاتفاقية، وفى حالة فشل المفاوضات تتعرض الاتفاقية إلى خطر البقاء وبالتالى يدخل الأطراف فى صراعات تجارية وتتأثر حرية التجارة». ويرى جمال الدين أن الآونة الأخيرة شهدت انتهاكات عدة لاتفاقيات التجارة عالمياً، مما يجعل إلزامية الاتفاقيات لجميع الأطراف الموقعة لم يطبق بشكل كاف لضمان حرية التجارة، موضحاً أن الكوميسا على سبيل المثال تواجه العديد من المخالفات المؤقتة التى تلجأ إليها بعض الدول وفقاً لمصالحها التجارية، مؤكداً أنه على الرغم من تلك الانتهاكات فإن اتفاقية مثل الكوميسا تمثل أهمية كبيرة لأطرافها وتعمل بشكل جيد. وقال رئيس المجلس التصديرى لمواد البناء والحراريات والصناعات المعدنية، إنه على الإدارة المصرية اتباع مبدأ «المعاملة بالمثل» كورقة ضغط على الدول التى تخالف الاتفاقيات وتتخذ إجراءات ضد الصادرات المصرية، فعلى سبيل المثال إذا تأخرت كينيا فى العمل بالكوميسا يقوم الجانب المصرى بفرض رسوم على المنتجات الكينية وتعطيل استيرادها.

 


مواضيع متعلقة