الحكومة تعود لزمن مطاردة الحيتان: الثمانينات لغسل الأموال و2020 للبناء
حيتان الأبراج انتشروا في التسعينات.. وحوت "الشعراوي" ظهر له في الأوقاف
من أرشيف الصحافة المصرية حول حيتان الفساد
الحيتان هم تطور لـ"القطط السمان"، الذين ظهروا مع تطبيق سياسة الانفتاح في مصر منذ منتصف السبعينات حتى بداية الثمانينات، وصار لقب المقاولين ورجال الأعمال المستفيدين والمتاجرين بكل البضائع وامتلكوا من ورائها ثروات طائلة؛ وجاءت التسمية لكونهم "تسمّنوا" جراء العائد الاقتصادي، وكان أول مَن أطلقه الدكتور رفعت المجحوب، رئيس مجلس الشعب في الثمانينات، وصار اسما لفيلم مصري أُنتج في نفس الفترة، ليزداد تسمنهم وتشحمهم حتى صاروا حيتانًا وديناصورات ينهبون أموال الدولة ويشيعون الفساد في مختلف قطاعاتها، وكل زمن له حكومة تتصدى وتحارب بالقانون والقوة.
5 رجال أعمال مصريين، آخر من أُطلق عليهم لفظ الحيتان في الألفية الثانية، على لسان الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، فكانوا أول من بدأت بهم الحكومة لتطبيق قانون التصالح في مخالفات البناء وعدم السماح بالتجاوز، ليشير إلى وجود 5 حيتان من كبار المقاولين بنوا أبراجًا مخالفة بكميات كبيرة في فترات سابقة، ودفعوا مليار جنيه كاملة للتصالح في مخالفات بنائهم.
حيتان المقاولات، لم يستحدث "مدبولي" وصفهم، بل ترسخ التعبير منذ التسعينات، وكان أشهر حوت في مجال المقاولات هو فوزي السيد، صاحب شركة التوفيقية، الذي عُرف بـ"حوت مدينة نصر"، الذي كوّن ثروة طائلة من وراء مخالفة قواعد الارتفاعات الواردة في اشتراطات البناء، وقبله وتحديدا في منتصف الثمانينات كان اللقب من نصيب سيدة لكنها عُرفت بـ"المرأة الحديدية"، التي استطاعت إنشاء عشرات عمارات التمليك بتجاوزات مختلفة، واختفت بمجرد ارتفاع الأصوات المنادية بالقصاص وعليه تخلت عنها الأسماء الكبيرة التي كانت تستند عليها.
"حيتان أبراج التمليك".. أرجع الدكتور ميلاد حنا، الذي كان يرأس لجنة الإسكان بمجلس الشعب عام 1985، سبب ظهورهم إلى ظهور فئة اجتماعية كونت ثروات طائلة منذ تطبيق سياسة الانفتاح في منتصف السبعينات، سعت لتغيير وضعها الاجتماعي بالانتقال من المعيشة في أحياء الطبقة الوسطى بالسكن في مواقع متميزة، ومن ثم ظهر الطلب على "الشقق الفاخرة"، فتكونت فورًا مجموعات من المستثمرين الذين وجدوا في هذا النشاط الجديد والسوق المتنامية مجالا هائلا للكسب السريع المشروع، وفقا لمقالته في صحيفة قومية كبرى عام 1994.
المقاولات ومشتقاتها كانت لها "حيتان"، وكان أشهرهم "حيتان الأسمنت"، وكتبت عنهم الصحافة في عام 1997، حين أحال المستشار رجاء العربي النائب العام حينها "حوت الأسمنت الهارب بالخارج" علي عبدالغني عطا رئيس مجلس إدارة الشركة القومية للأسمنت الأسبق، ومحمد فتحي عبدالواحد مدير عام التخطيط والمتابعة بالشركة، لمحكمة أمن الدولة العليا، بتهمة إهدار 371 مليون جنيه من أموال الدولة، لموافقتهم على مشاريع دون اللجوء لدراسة جدوى وتجارب تشغيل مسبقة وباشروا بإجراءات شابها الانحراف لإسناد مشروع رغم إخطارهم المسبق بالشك في نجاح المشروع لعدم خبرتهم في مشروع غسيل تراب الأسمنت غير المنفذ عالميا، دون أن يكون عرضه الأنسب فنيا لمشروع تحويل الأفران من طريقة شبه جافة، إلى غسيل تراب الأسمنت الناتج من الأطراف الجافة، ما ترتب عليه مخالفات أخرى.
الحيتان أبحرت من الأسمنت والإسكان، للتغذية، حتى صاروا علامة مسجلة في الدروس الخصوصية، ووجّهت الدولة في منتصف التسعينات بوجود مجموعات التقوية واعتبارها خط الدفاع ضد حيتان الدروس الخصوصية.
من الأمور الحياتية إلى الدينية ينتقل الحيتان، ففي العام 1994، بمواجهة بين الشيخ محمد متولي الذي تولى وزارة الأوقاف و"حوت المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية"، الذي روى أنّه كان يتحكم بالمجلس الذي أنشئ في العام 1959، لكنه حوله إلى إمبراطورية تتحكم في وزارة الأوقاف، وكان يشغل منصب سكرتير المجلس.
وحسب تعبير "الشعراوي"، فكان ذلك الحوت الذي لم يرد ذكر اسمه في حوار صحفي له، يسب كل وزير يأتي للأوقاف بأبشع الألفاظ ويتحكم فيه وفي قراراته، فكان الشعراوي على علم بذلك وأول قرار اتخذه عند التولي، هو إنهاء خدمة الحوت، ما عرضه للعديد من المضايقات، بدايتها من استفسار ممدوح سالم رئيس الوزراء حينها، حتى استجواب بمجلس الشعب للشعراوي عن اتخاذه لذلك القرار، حتى قرار الرئيس أنور السادات بعودة "الحوت" إلى منصبه، رغم حكم المحكمة الدستورية بإدانته وعدم جواز عودته لمنصبه، ليكون نقطة الخلاف الأشهر بين الشعراوي والسادات.