الكاحول "المليونير الفقير" في مخالفات البناء.. وعادل إمام شاهد من 34 سنة

كتب: ماهر هنداوي

الكاحول "المليونير الفقير" في مخالفات البناء.. وعادل إمام شاهد من 34 سنة

الكاحول "المليونير الفقير" في مخالفات البناء.. وعادل إمام شاهد من 34 سنة

أثار مصطلح «الكاحول» حالة من الجدل في الشارع المصري خلال الأيام الماضية متزامنا مع قضايا التصالح في مخالفات البناء، الحدث الأكثر حاليا بين المواطنين، وأصبحت كلمة «الكاحول» لفظا متكررا على ألسنة مقدمي البرامج الفضائية وضيوفهم، أثناء الحديث عن مخالفات البناء وقانون التصالح وما يتعلق بها من الرسوم.

وكثير من المصريين يستخدمون كلمة "الكاحول"، عند وصفهم أو مناداتهم لشخص ما غالبا ما يكون ضعيفا أو بسيط الحال أو يمكن بسهولة الضحك عليه دون الاهتمام بأصل الكلمة، إلا أنه كان مفاجأة للكثيرين أن ذكر الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء كلمة "الكاحول"، في حديثه خلال المؤتمر الصحفي، الذي عقده لتوضيح بعض الحقائق عن التصالح في مخالفات البناء، مما لفت انتباه الكثيرين لها.

الكاحول مهنة ظهرت لاول مرة منذ 40 عاما في مصانع الطوب الطفلي 

«الوطن» بحثت عن أصل كلمة وجذور مصطلح «الكاحول»، وكيفية انتشاره بين عامة المجتمع المصري، فكانت هناك مفاجآت كثيرة، من بينها أنه تم استخدام مصطلح كاحول، منذ أكثر من 40 عاما وبالتحديد مع بداية فترة الثمانينيات، مع انتشار ظاهرة تجريف الأراضي الزراعية، وتبويريها ، وقيام أصحاب مصانع الطوب الطفلي، باللجوء إلى شراء «طبقات الطمي التي تغطي الأراضي من المزارعين أصحاب الأرض، لاستخدامها في تصنيع الطوب الطفلي، وذلك بعد إغراء الفلاحين بمقابل مادي كبير، ولما وجد المزارعون والفلاحون أنها أصبحت وسيلة ثراء سريعة لهم، بعيدا عن مشاق زراعة الأرض وتكاليفها، وعلى أثر ذلك انتشرت ظاهرة تجريف الأراضي الزراعية.

ولما رأت وزارة الزراعة والحكومة أنذاك، أن الظاهرة أصبحت خطرا يهدد جودة إنتاج الأراضي ويؤثر على الأمن الغذائي القومي، أسرعت بسن القوانين لوقف نزيف مساحات الأرض البور نتيجة عمليات التجريف، وصدرالقانون رقم 116 لسنة 1983 لوزارة الزراعة، ونصت المادة 150 منه على حظر تجريف الأرض الزراعية أو نقل الأتربة لاستعمالها في غير أغراض الزراعة، ومنها صناعة الطوب الطفلي "الأحمر"، وتوقيع عقوبة الحبس عامين وغرامة 2000 جنيه، على القائم على عملية التجريف وضبط جميع وسائل النقل والآلات والمعدات المستعملة في نقل الأتربة الناتجة عن التجريف.

وهنا لجأ أصحاب مصانع الطوب الطفلي الأباطرة، إلى حيلة لكي يستمروا في شراء الطمي من أصحاب الأراضي، وكانت في استئجار شخص فقير من الأرزقية الذين يعملون باليومية ويعاني بؤس الفقر، ممن لديهم من عمال المصنع، يستغلونه لإنجاز المهمة، ليكون ستارا لهم دون أن يتعرضوا لأي عقوبات من الدولة، فيقوم صاحب المصنع منهم ببيع المصنع لهذا العامل الأرزقي، على الورق فقط، مع ضمانات من الباطن تضمن لهم حقوقهم في الملكية ومن بينها إرغامه على التوقيع على شيكات، على بياض، وإمعانا في الاذلال قد تصل إلى التوقيع على ورق طلاق زوجته، ويوكلون إليه أمر علمية التجريف على أنه صاحب المصنع والمعدات والآلات المستخدمة، ليكون هو المسئول في حال ضبطه متلبسا بمخالفة القانون، ويتحمل هو العقوبة  من الحبس والغرامة التي بالطبع سيسددها عنه المالك الأصلي نظير حمايته من الوقوع تحت طائلة القانون.

 

الضحية أرزقي حاول من خلالها الهروب من الفقر والضنك فأطلق عليه زملاؤه "متكحول" 

وكان هذا الضحية الأرزقي، الذي يعاني الأمرين من الفقر، يطلق عليه زملاؤه في المصنع، "المتكحول"، و"الكاحول"، لما يتعرض له من إذلال وقهر نتيجة ماجرى له بسبب البحث عن لقمة العيش وأي مصدر رزق ولو كان المقابل الحبس خلف جدران السجن.

ثم انتشرت ظاهرة «الكحول» بعد ذلك مع التوسع في بناء العقارات المخالفة، خاصة في محافظة الإسكندرية، وهدم الكثير من الفيلل والقصور القديمة وبناء عمارات وأبراج شاهقة بدلا منها، في فترة التسعينيات وحتى سنوات قليلة قبل 2011 ، ثم في مناطق حدائق الأهرام والرماية بالجيزة وبعض مناطق مدينة نصر بالقاهرة.

أفلام ومسلسلات الثمانينات تناولت مصطلح «الكاحول» على طريقتها الخاصة

ولأن الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية، انعكاس للواقع الذي يعيشه المجتمع، فقد عالجت كثير من الأفلام والأعمال التليفزيونية ظاهرة العقارات المخالفة وسقوط الكثير منها مما أدى الى تشريد مئات المواطنين والأسر، بسبب الجشع والفساد والغش في مواد البناء، في الوقت الذي كان لايتعرض أباطرة العقارات المخالفة لأي عقوبات، بسبب خروجهم كالشعرة من العجين من هذه القضايا، للجوئهم للشخص "الكاحول" المعدم، الذي كان "يشيل" عنهم قضاياهم وجرائمهم، ويقبل بدخول السجن بدلا عنهم مقابل حفنة من الفلوس تنتشله ومن يعول من «معاميع» والعوز والضنك والفقر، ولذلك وظفت السينما أفلامها في هذه الحقبة وما تلاها لفضح ظاهرة "الكاحول" وسوء استغلال أباطرة الفساد للمال والنفوذ.

 

كما وجدناه مجسدا في فيلم كراكون في الشارع ببطولة الزعيم عادل إمام ويسرا، وناقش قضية تشرد أسرة بسبب سقوط العقار الذي يسكنون فيه بسبب الغش في مواد البناء، في الوقت الذي لم يعرف السكان فيه سوى الشخص الذي باع أو أجر لهم الشقق، دون أي سابق معرفة بصاحب العقار الأصلي.

وكذلك مسلسل، "أهلا بالسكان" الشهير بعصفور أفندي للمؤلف فيصل ندا، بطولة حسن مصطفى وحسن عابدين، وقدمه التليفزيون المصري عام 1984، وتدور أحداثه حول عائلة الأستاذ (عصفور) الذي يستخدمه صاحب شركة العقارات التي يعمل بها لأن يكون "الكاحول"، مستغلا أنه يعاني من سوء الأحوال المعيشية في المنزل الذي يقطنون به، ويحاول العثور على شقة جديدة تسع أسرته جميعًا، ويوافق مدير الشركة التي يعمل بها على منحه شقة جديدة هو وعائلته في إحدى العمارات التي بناها مخالفة، بشرط أن يكون متحملًا للمسئولية القانونية عن العمارة.

في السينما الظاهرة توسعت لكاحول القتل والمخدرات وكل الجرائم 

 

ونجحت السينما في توسيع مصطلح "الكاحول"، رصدا للواقع الذي يعيشه المجتمع، من "كاحول" تجريف الأراضي والعقارات المخالفة، إلى أن أصبح هناك "كاحول" "يشيل قضايا" كل الجرائم الجنائية، ليصبح عادل إمام أشهر "كاحول" في السينما، كما في فيلم، حب في الزنزانة، مع سعاد حسني، حيث ناقش قصة رجل أعمال يدعى الشرنوبي (جميل راتب) يتاجر في الأغذية الفاسدة يدفعه جشعه وجبروته للاتفاق مع أحد الشباب (عادل إمام) الباحثين عن المال والهروب من الفقر، للاعتراف بجريمة بدلا منه ويحكم عليه بالسجن، مقابل الحصول على المال والهروب من الفقر، كما وظفت السينما شخصية الكاحول، في فيلم "قاتل ما قتلش حد" والذي قام بدورها عادل إمام في دور "عادل" موظف بسيط وفقير يعمل بإحدى شركات التأمين، ويعيش مع طفلته "نهى" التي تركتها زوجته وحيدة بعد وفاتها إلا أن "عادل" يكتشف إصابته بورم في المخ، ويخبره الطبيب المعالج أن حياته ستنتهي خلال أشهر قليلة، ويتصادف معرفته من خلال عمله بشركة التأمين، تفاصيل جريمة قتل لأحد الأشخاص المؤمن على حياته بالشركة، ومعرفته بأن القاتل هو زوجة المقتول، لطمعها في المبلغ المالي الكبير من بوليصة التأمين التي أمن على نفسه بها، وعرض عليها أن يعترف بارتكابه الجريمة مقابل أن تعوضه القاتلة بمبلغ مالي كبير يؤمن به مستقبل ابنته الصغيرة قبل وفاته، وكذلك في فيلم المدبح بطولة نادية الجندي وصلاح قابيل وحمدي غيث، كان معظم جرائم الذبح المخالف، ينجو منها أصحاب المجازر ويتحملها عنهم الصبية والشباب المدبح من العمال الفقراء مقابل الإنفاق على أسرهم.


مواضيع متعلقة