الإرادة السياسية رغم أنف الصقور والحمائم (2/2)

عماد فؤاد

عماد فؤاد

كاتب صحفي

بعد أن أكد السيناتور الأمريكى «تيد كروز»، الذى قدم مشروع قرار للإدارة الأمريكية لوضع جماعة الإخوان المسلمين على لائحة الإرهاب، وجود قوى فى الدولة العميقة بالولايات المتحدة تقف خلف عدم تصنيفهم، قال: «الجماعة منظمة إرهابية أظهرت استعداداً لقتل أى شخص لا يتماشى مع نظرتهم العالمية الجهادية، علينا بالتأكيد تصنيفهم.. إنها القوى ذاتها فى الدولة العميقة، وزارة الخارجية، ووزارة الخزانة التى تناقش وتقول لا تفعلوا ذلك، لا تصنفوا الإخوان المسلمين..».

وأضاف السيناتور الأمريكى: «قد يقول البعض: ما الفرق الذى سيشكله تصنيف جماعة الإخوان المسلمين؟ دعونى أعطكم مثالاً فى الصين، قدمت مشروع قرار قبل سنوات لإعادة تسمية الشارع أمام السفارة الصينية بـ«لو جابو بلازا»، تيمناً بالصينى الفائز بجائزة نوبل للسلام وتم سجنه ظلماً فى الصين.. ويقول بعض الناس ما الفرق الذى سيشكله هذا؟.. هذا يشكل فارقا قوياً جداً، فى كل مرة تكتب رسالة إلى السفارة سيُكتب العنوان واسم الشارع وتدفع للاعتراف بوجود الشخص.. هذه هى القوة التى تترتب على إلقاء الضوء صوب أمر ما، ولهذا من المهم تصنيف الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية، لأن قول الحقيقة له قوة يخشاها الطغاة والإرهابيون والقتلة..».

تعهّد «ترامب»، خلال حملته الانتخابية، بتصنيف جماعة الإخوان إرهابية ولم يستطع، والآن بعد 4 سنوات كاملة ينافسه الديمقراطى جو بايدن بتعهد آخر لا يقل إثارة، بايدن قال وسط حشد من أنصاره إنه سيتخلى عن سياسة الفوضى الخلاقة، التى تبنّتها إدارة الرئيس «أوباما»، وكشفت عنها وزيرة خارجيته «كونداليزا رايس» مطلع عام 2005 من خلال حديث صحفى مع جريدة واشنطن بوست الأمريكية، وأكدت اتجاه الولايات المتحدة لنشر الديمقراطية بالعالم العربى والبدء فى تشكيل ما يُعرف بـ«الشرق الأوسط الجديد»، بعد نشر ما وصفته بـ«الفوضى الخلاقة» عبر الإدارة الأمريكية.

ما تعهّد به «بايدن» سيثير بلا شك خيال «المحللاتية»، وسيُعرب بعضهم عن خالص تمنياته للمرشح الديمقراطى بالفوز، وسيفضّل آخرون استمرار «ترامب» لفترة رئاسية ثانية، الذى يتفق مع الرئيس عبدالفتاح السيسى فى رفض وجود جماعة الإخوان الإرهابية، وهو ما يكفينا منه.

قضايانا المصيرية يجب ألا تكون رهناً لإرادة أحد من الصقور، أو إرادة آخر من الحمائم، ولو كان الأمر كذلك لما استطعنا مثلاً خوض حرب أكتوبر رغم الإرادة الأمريكية.

الإرادة السياسية المصرية ظلت لسنوات وسنوات بالنسبة لنا كالفردوس المفقود، واستعدناها بثورة 30 يونيو العظيمة، والمدقق فى كل سياسات الرئيس السيسى الداخلية والخارجية يلمح توافر الإرادة السياسية، والتى لولاها لما استطعنا تجاوز الصعاب التى واجهتنا خلال السنوات السبع الماضية.

الإرادة السياسية ليست مجرد جملة لغوية بلا مدلول، ولكنها تعنى المقدرة على اتخاذ القرار بعيداً عن الضغوط الداخلية والخارجية، فى إطار رؤية استراتيجية تأخذ مصالح الشعب بعين الاعتبار، ومفهوم الإرادة السياسية من مقومات القوة لأى نظام حاكم يمتلكها -وبالتالى الشعب المحكوم أيضاً- ولا بد أن نعترف أننا فى مصر أضعنا فرصاً تاريخية كثيرة كان يجب أن تتوافر الإرادة السياسية لاستغلالها، وكثيراً أيضاً لم تكن لدينا القدرة على استخدامها!

وأعتقد أننا ندرك الآن معنى وقيمة وجود قائد للبلاد يملك إرادة تقوم على مبادئ ورؤية استراتيجية، وليس مجرد تكتيك سياسى مؤقت، ويدرك أيضاً ضرورة وجود إدارة حقيقية، لأن الاثنتين مرتبطتان ببعضهما عضوياً كشرط لازم لتحقيق النهضة المأمولة لبلادنا.

وأناشد كل المثقفين وقادة الرأى والسياسيين أن يبذلوا جهداً وطنياً مخلصاً لتغيير واقعنا الفكرى والثقافى السائد، وكأننا نبدأ من جديد، علينا أن نوضح لعموم المصريين ماهية الإرادة السياسية وأهمية توافرها فى هذه المرحلة الفارقة فى تاريخنا، لقد أثبتت التجارب أن لدينا قصوراً فى فهم هذا الجانب الأساسى والمحورى.

هل نحتاج هنا إلى أن نذكر وقائع بعينها لكيفية استخدام الإرادة السياسية فيها، أو تلك التى ضاعت علينا لعدم وجود تلك الإرادة، أو كيف نبنى الإرادة السياسية؟ إن مجرد البحث فى أسباب تخلفنا وعجزنا وضعفنا وضياع الفرص علينا وتململ شعوبنا ومعرفة تلك الأسباب، يضعنا على بداية الطريق.

أن تكون لدينا إرادة سياسية نستخدمها فى الوقت المناسب بالمستوى المناسب، فتلك خطوة متقدمة على طريق التقدم والنهضة.