محمد كريم.. حاكم الإسكندرية الثائر الذي أعجب نابليون ببسالته ثم أعدمه

كتب: أحمد البهنساوى

محمد كريم.. حاكم الإسكندرية الثائر الذي أعجب نابليون ببسالته ثم أعدمه

محمد كريم.. حاكم الإسكندرية الثائر الذي أعجب نابليون ببسالته ثم أعدمه

يذخر تاريخ مصر بالنضال، لا سيما وأن هذا البلد بموقعه الفريد يعد مطمعا للمحتلين، ومنذ زمن حفظ تلاميذ المحروسة عبارة "مصر ملتقى قارات العالم الثلاث"، ومن حملات الاعتداء الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابارت، والتي قوبلت، كما هي عادة المصريين، بمقاومة شرسة كان من رموزها محمد كُريم، فمن هو؟

هذا الرجل الموصوف بالثائر توفى في مثل هذا اليوم 6 سبتمبر من العام 1798م الذي يوافق 1213هـ، لكن وفاته لم تكن عادية، لا سيما وأنه كان حاكم مدينة الإسكندرية خلال عهد الحكم العثماني لمصر، إذ قتل على يد قائد الحملة الفرنسية نابليون بونابارت لثورته ضد الاحتلال.

ولد بحي الأنفوشي في مدينة الإسكندرية قبل منتصف القرن الثامن عشر، ومما ذكر عنه أنه نشأ يتيما فكفله عمه وافتتح له دكانا صغيرا في الحي. وكان يتردد على المساجد ليتعلم فيها وعلى الندوات الشعبية ليتحدث فذاع صيته بالمدينة وأحبه الناس لصفاته المحمودة وحسن معاشرته. ولاه مراد بك أمر الديوان والجمرك بالثغر، فأصبح صاحب الكلمة العليا في المدينة والحاكم الفعلي لها.

شهد وصول الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت فقاوم الجيش الفرنسي ومعه أهل الإسكندرية في مواجهة غير متكافئة حتى قبض عليه، فاستقبله نابليون بنفسه تقديرا لاستبساله وشجاعته ورد إليه سلاحه وأبقاه حاكما على الإسكندرية، وعين معه الجنرال كليبر حاكما عسكريا للمدينة.

ظل محمد كُريم حافظا لعهده في الدفاع والنضال عن وطنه، ولما تأكد الفرنسيين من دعمه للمقاومة وإثارته للأهالي ضدهم قبضوا عليه، وأرسلوه إلى القاهرة، فحوكم في 5 سبتمبر 1798 بتهمة خيانة الفرنسيين، وأصدر نابليون أمر إعدامه رميا بالرصاص، فنفذ الحكم بميدان الرميلة في 6 سبتمبر 1798.

في 19 مايو 1798 أقلع أسطول فرنسي مكون من 260 سفينة من ميناء طولون بفرنسا محملاً بالجنود والمدافع والعلماء وعلى رأسهم نابليون بونابرت قاصدا الإسكندرية ومر في طريقه بمالطة، ولما بلغ الإنجليز خبره عهدوا إلى سفنهم بقيادة نلسون باقتفاء أثره ومعرفة وجهته وهدفه، فقصد نلسون مالطة وهناك علم أن مراكب نابليون غادرتها نحو الشرق منذ خمسة أيام، فرجح أنها ذهبت إلى مصر فاتجه إلى الإسكندرية ووصل إليها يوم 28 يونيو 1798، وأرسل وفدا إلى حاكم المدينة محمد كريم كي يسمح لأسطوله بالنزول إلى المدينة وشراء الميرة، لكن محمد كريم رفض طلبهم قائلاً "ليس للفرنسيين أو سواهم شيء في هذا البلد فاذهبوا أنتم عنا"، فتوجه أسطول نلسون إلى شواطئ الأناضول ليتزود من مدينة أخرى، ولم يمض على رحيله غير أسبوع حتى ظهر الأسطول الفرنسي أمام شواطئ الإسكندرية.

استعد محمد كُريم ومعه أهالي المدينة للدفاع عنها بأي شكل، وظل يقود المقاومة الشعبية ضد الفرنسيين حتى بعد أن اقتحم الفرنسيون المدينة، ثم اعتصم بقلعة قايتباي ومعه فريق من الجنود حتى فرغت ذخيرته فكف عن القتال وتم أسره هو ومن معه، ودخل نابليون المدينة وأعلن بها الأمان. أعجب نابليون ببسالة وشجاعة محمد كُريم فسلم إليه سلاحه وأبقاه حاكما للإسكندرية وعين معه الجنرال كليبر حاكما عسكريا للمدينة.

بقى كليبر على رأس حامية الإسكندرية، بينما أخذت دعوة محمد كريم إلى المقاومة الشعبية تلقى صداها بين المواطنين فعمت الثورة أرجاء المدينة، فاعتقل كليبر بعض الأعيان للقضاء على الثورة، ولاحقا قبض على محمد كريم يوم 20 يوليو 1798 ووجهت إليه تهم التحريض على المقاومة وخيانة الجمهورية الفرنسية، واستمرت المحاكمة حتى 5 سبتمبر 1798 حين أرسل نابليون رسالة إلى المحقق يأمره فيها أن يعرض على محمد كريم أن يدفع فدية قدرها ثلاثون ألف ريال خلال أربع وعشرون ساعة، فرفض محمد كريم دفع الفدية، ولما ألح عليه البعض أن يفدي نفسه بهذه الغرامة رفض وقال: "إذا كان مقدورا علي أن أموت فلن يعصمني من الموت أن أدفع الفدية، وإذا كان مقدرا لي الحياة فعلام أدفعه". وفي يوم 6 سبتمبر 1798 أصدر نابليون بونابرت الأمر بإعدامه ظهرا في ميدان الرميلة رميا بالرصاص.

وقد كرمت محافظة الإسكندرية ذكرى محمد كُريم مناضلها والمدافع عنها في أكثر من مناسبة، ففي عام 1953 وضعت صورته لأول مرة مع صور محافظي الإسكندرية في مبنى المحافظة، كما أطلق اسمه على شارع التتويج وأصبح اسمه "شارع محمد كريم"، كذلك أطلق اسمه على إحدى المدارس الخاصة بمنطقة بسموحة، وفي 27 نوفمبر 1953 افتتح مسجدا بجوار قصر رأس التين وأطلق عليه "مسجد محمد كريم" وفي حديقة الخالدين بالإسكندرية صنع له تمثال تخليدا لذكراه.


مواضيع متعلقة