رغيف عيش.. وتعاطف وهمى.. وبدائل مطلوبة

عماد فؤاد

عماد فؤاد

كاتب صحفي

لم تطاوعنى عيناى فى البكاء على أحوال الفقراء ومحدودى الدخل بسبب قرار خفض وزن الرغيف المدعم بمقدار 20 جراماً، وفيما كان قلبى يحرضنى على التعاطف، تصدى عقلى كابحاً جماح مشاعرى قبل أن تفيض بلا طائل، وأسعفنى بحسبة بسيطة كشفت ما ستتحمله -على سبيل المثال- الأسرة المكونة من خمسة أفراد، وتشترى يومياً 20 رغيفاً بجنيه واحد، هذه الأسرة ستخسر 400 جرام (20 جراماً × 20 رغيفاً)، ويمكن تعويض هذه الكمية بشراء 5 أرغفة إضافية بربع جنيه فقط، وهو ما يعنى أن هذه الأسرة ستتحمل طوال الشهر سبعة جنيهات ونصف الجنيه فقط، ونصيب الفرد من هذا العبء جنيه ونصف الجنيه فقط شهرياً.

بهذه المعادلة البسيطة فقط «بلعت» قرار خفض وزن الرغيف، وخجلت من شن هجوم على الحكومة بسببه، لكننى أيضاً أطالبها بضرورة تكثيف رقابتها على الأفران لضمان الالتزام بوزن الرغيف ومواصفاته التى وضعتها وزارة التموين، وتنص على أن (رغيف الخبز يجب أن يمتاز بالاستدارة الكاملة والنضج، ويبلغ وزن الرغيف الطازج 90 جراماً، وقطره 18 سم، ولا تزيد نسبة الرطوبة به على 36%).

لو وصل الرغيف بهذه المواصفات للمواطن سيكون أفضل كثيراً كثيراً من الرغيف الذى كان يحصل عليه قبل خفض الوزن، فمعظم الأفران فى غيبة الرقابة تنتج الرغيف ناقص الوزن، وناقص تسوية «معجّن»، وبلا ملامح، وباعتراف المتحدث باسم وزارة التموين والتجارة الداخلية فى مداخلات تليفونية مع العديد من البرامج التليفزيونية، فإن المخابز تنتج الرغيف ناقصاً 10 جرامات و20 جراماً، وبعضها كانت تنتجه ناقصاً 30 جراماً.

وبالمرة أتمنى أن يدرس الدكتور على المصيلحى، وزير التموين، فكرة بيع رغيف العيش بالوزن بدلاً من العدد، بمعنى أن يشترى المواطن بجنيه واحد ما وزنه 1800 جرام من الخبز بدلاً من 20 رغيفاً، ولو نقص وزن الرغيف سيلتزم المخبز بتعويض النقص برغيف أو رغيفين مثلاً.. وبالمناسبة هذه الفكرة مطبقة فى دول عديدة مثل الأردن.

قرار خفض وزن الرغيف أيضاً من شأنه إثارة العديد من الأسئلة للحكومة ورئيسها الدكتور مصطفى مدبولى، من بينها: لماذا اتخذت القرار فى هذا التوقيت تحديداً بالتزامن مع الموعد المحدد سلفاً لتحريك أسعار الكهرباء، وبالتزامن أيضاً مع قرار زيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق؟ وهل ذلك يشير إلى غياب التنسيق اللازم بين الوزارات، أم هى الغفلة أو السهو؟

هذا القرار كان يمكن تقديمه -أو تأخيره- عدة شهور من قبيل المواءمة السياسية حتى لا نعطى الفرصة للمتربصين بهذا الوطن للتلاعب بمشاعر المواطنين وتصدير صورة «حكومة الجباية» للأذهان.

وسؤال آخر يتعلق بموقف الحكومة أمام البرلمان؛ كيف ستبرر قرارها الذى اتخذته بعد أقل من شهرين من إقرار «النواب» للموازنة العامة للدولة المتضمنة المبالغ المخصصة لدعم رغيف العيش؟

المؤكد أن الدولة المصرية فى هذه المرحلة الفارقة تواجه العديد من التحديات، ولا مفر أمامها من استكمال خطط التنمية التى تقتضى بدورها أموالاً طائلة.. ولكن على الحكومة الحالية والحكومات المقبلة أن تبحث -وتدرس- بدائل مواجهة تحديات تدبير الموارد، وتحديات الإدارة الاقتصادية للهيئات والمؤسسات والشركات، وتحديات عجز الموازنة العامة للدولة، المهمة العاجلة أمام الحكومة الآن هى إعادة النظر فى السياسات والإجراءات الاقتصادية المطبقة، بما يضمن العدالة فى توزيع الأعباء بين الطبقات والفئات والقوى الاجتماعية، وعليها أن تعلم أن الإدارة الاقتصادية للهيئات والشركات العامة والخاصة لا تتناقض مع الدور الاجتماعى للدولة.

واحتياج الهيئات والشركات والمؤسسات والموازنات للموارد المالية يمكن أن يتحقق بالعديد من الطرق والأساليب، بعيداً عن سياسات تحميل المواطنين وموازنات الأسر المنهكة المزيد من الأعباء.