د. أحمد صقر عاشور يكتب: المنظومة التعليمية تعاني قصورا بالغا

د. أحمد صقر عاشور يكتب: المنظومة التعليمية تعاني قصورا بالغا
- الجامعات الحكومية
- الجامعات
- البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة
- تصنيف شنجهاي
- الدروس الخصوصية
- الجامعات الحكومية
- الجامعات
- البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة
- تصنيف شنجهاي
- الدروس الخصوصية
تشير الخبرات العالمية خلال القرنين الماضيين إلى أن الاستثمار فى التعليم بافتراض جودته واتساقه مع احتياجات المجتمع يمثل إحدى الروافع الأساسية للتنمية الاقتصادية والنهضة المجتمعية بصفة عامة. ويُرجع الاقتصاديون وخبراء التنمية هذا الدور للتعليم لأنه الأساس فى تكوين وتشكيل وتراكم رأس المال الإنسانى أو البشرى. وخلال السنوات الأخيرة اعترف الاقتصاديون وخبراء التنمية المعاصرون بأن رأس المال الإنسانى يمثل أهم عوامل التنمية المستدامة لأنه استثمار طويل الأجل من ناحية، ولأن التعليم الجيد يعنى تنمية القدرة على استمرار التعلم واكتساب المعرفة والخبرات. وعالمياً يمثل التعليم الجيد المتاح بفرص متكافئة لكل فئات المجتمع الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة التى أقرتها الأمم المتحدة حتى عام 2030. وفى تقديرى لا يقتصر دور التعليم على تنمية المعارف والقدرات الذهنية والبدنية، وإنما يمتد ليشمل القدرات والمهارات الوجدانية والنفسية والأخلاقية. ويكمل دور التعليم ما يكتسبه الفرد فى حياته من خبرات عملية من خلال التدريب والممارسات الوظيفية والحياتية، فكل هذه المصادر تصب فى حصيلة القدرات والمهارات التى تمثل الأصول الإنسانية أو رأس المال الإنسانى للممجتمع الذى يحدد فرصته فى التنمية والتقدم والنهضة.
وتشير المؤشرات الدولية إلى أن التعليم والتنمية البشرية فى مصر يعانيان من قصور بالغ. فمثلاً، حصلت مصر فى مجال التعليم على الرتبة 93 من بين 140 دولة شملتها مؤشرات التنافسية العالمية لعام 2019 التى تصدر عن المنتدى الاقتصادى العالمى. وهى نفس الرتبة التى حصلت عليها فى المؤشر الكلى للتنافسية فى ذلك العام، مما يعنى أن التعليم والعوامل الأخرى للتنافسية مثل الأوانى المستطرقة تتبادل التأثير فيما بينها فى تشكيل القدرات التنافسية للاقتصاد ككل. وقد كان ترتيب مصر فى مؤشر التنمية البشرية 116 من بين 189 لعام 2020 الصادر عن البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة. وهو مؤشر عام لا يشمل التعليم فقط، وإنما يضم عوامل أخرى للتنمية البشرية مثل الصحة، ومتوسط الدخل، وعدالة توزيع الدخل، وتنمية المرأة.
جامعات مصر ليست من بين الـ500 جامعة الأفضل فى العالم وفق "ترتيب شنغهاى"
أيضاً رغم زخم عدد الجامعات والمعاهد العليا وأعداد الهيئة الأكاديمية فيها، فإن جامعات مصر ليست من بين الدول المتضمنة فى الـ500 جامعة الأفضل فى العالم وفق الترتيب الدولى الذى يصدر عن معهد شنغهاى، نتيجة ضعف المخرجات العلمية التى تجتاز المواصفات العالمية، ونتيجة تكدسها بأعداد كبيرة بالقياس والمقارنة بأعداد أعضاء هيئة التدريس فيها.
التعليم الجيد يعنى تنمية القدرة على استمرار الثقافة واكتساب المعرفة والخبرات
إذا كان للتعليم هذا الدور الخطير فى تشكيل مواصفات الأفراد الذين يتكون منهم المجتمع أى رأس المال الإنسانى للمجتمع، وفى تحديد تنافسية الاقتصاد والقدرة على التنمية، فإن وقوع منظومة التعليم ومؤسساته والقائمين به فى براثن الفساد يعنى اختلال الدور الذى يقوم به التعليم فى تنمية القدرات والمهارات المختلفة المفترض أن يشكلها. بل إن تغلغل الفساد وانتشاره عبر منظومة التعليم ومؤسساتها والعاملين فيها يعنى ضرباً فى مقتل لقدرات المجتمع على تحقيق التنمية والتقدم فى عالم شديد التنافسية، خاصة فى مجال العلم والمعرفة والقدرات الاقتصادية، ناهيك عن عدم إمكانية تحقيق التنمية المستدامة. فساد التعليم يعنى هشاشة الحصيلة التعلمية فى كل جوانبها، العقلية والبدنية والوجدانية والأخلاقية. والجانب الأخطر والأكثر تدميراً لرأس المال الإنسانى فى هذا الشأن أنه عندما يصيب الفساد ممارسات المنظومة ومؤسساتها والعاملين فيها، فإن التعليم يفقد دوره فى تنمية الجوانب الوجدانية والأخلاقية، بل وقد يصبح هو نفسه مفرخة للفساد، لأن طلابه يتعلمون التحايل على نظم المؤسسات التعليمية ويتمرسون على الممارسات غير القويمة، ويدركون أنهم يشترون وسائل اجتيازهم للامتحانات من خلال الدروس الخصوصية، ويفقد المدرسون دورهم كقدوة أخلاقية وسلوكية لأنهم يبتزون الطلاب ويتاجرون بسلطاتهم، ويتعلم الطلاب مما يجرى حولهم وفى غياب الوازع الأخلاقى لديهم أساليب الغش الفردى وأحياناً الجماعى فى الامتحانات. تمثل هذه الصور البسيطة الشائعة لما يجرى ليس فى المدارس فقط وإنما فى كل مستويات التعليم بما فيه الجامعات والمعاهد العليا الحكومية والخاصة، وحتى فى برامج الدراسات العليا وإن كانت بصور مختلفة ومقنّعة ومستترة، عوامل تشويه وتدمير لرأس المال الإنسانى للمجتمع.
لا بد من وضع مشكلة الفساد على رأس أولوياتنا لإصلاح منظومة التعليم والممارسات المحيطة بها
وفى ظل أوضاع كهذه، وهى قائمة فى كل قطاع التعليم، يصبح إصلاح المناهج أو إدخال النظم الإلكترونية الحديثة (مثلما يجرى الآن بفعل جائحة الكورونا)، أو أى إصلاحات أخرى، لا جدوى حقيقية أو فعلية منها، لأنها لا تعالج الداء المدمر لوظيفة التعليم والدور الحقيقى له فى تشكيل وبناء عناصر رأس المال الإنسانى السابق الإشارة إليه. فهذه الإصلاحات لا تؤتى ثمرتها وآثارها إلا بالتصدى للفساد المتغلغل فى القطاع وانتهاج سياسات تعالج أسبابه وأشكاله وأنماطه وتمنعه وتردعه وتراقب الممارسات التى تجرى فيه وتُخضعها لنظام فعال للمساءلة والتحفيز للأداء الفعال القويم المتصف بالنزاهة. ولا يمكن أن يتحقق هذا إلا بوضع مشكلة الفساد كأولى الأولويات الجادة لبرامج وجهود الإصلاح لمنظومة التعليم والممارسات التى تجرى فيها وفى كل المستويات.
وقوع منظومة التعليم ومؤسساته والقائمين به فى براثن الفساد يعنى الاختلال فى تنمية القدرات والمهارات المفترض أن يشكلها
ويتطلب الأمر للتصدى الجاد لهذه الظاهرة المدمرة، التعرف على أنماط وأشكال الفساد، وعلى العوامل والأسباب المولدة له كأساس لوضع استراتيجيات وآليات للتصدى له والوقاية منه وحصاره ومكافحته. ونتناول فى هذا الجزء من الدراسة الظواهر والأنماط التى يأخذها الفساد فى مجال التعليم. وفى الجزء الثانى (فى عدد لاحق من «الوطن») ننتقل إلى تشخيص الأسباب والعوامل المولدة للفساد فى التعليم، لننهى الدراسة بالاستراتيجيات والآليات المقترحة للتصدى له.
الرشاوى التى يتم دفعها لقبول الطلاب تكون صريحة أو تحت مسميات كالتبرعات والهبات القسرية
أنماط وأشكال الفساد فى قطاع التعليم
هناك أنماط من الفساد شائعة بين الدول النامية ومنها مصر. لكن هناك أنماطاً تختص بها مصر ولم يتم رصدها ضمن التقارير العالمية.
الأنماط الشائعة للفساد فى التعليم الغالبة بين الدول النامية (التى تعانى مصر من الكثير منها). ترصد التقارير الدولية الأنماط الشائعة للفساد فى التعليم، ومنها مثلاً تقرير منظمة الشفافية العالمية الصادر فى 2013 وتقارير منظمة اليونيسكو خلال السنوات الأخيرة. وفيما يلى أمثلة عن هذه الأنماط:
- السوق السوداء فى التعليم، أو نظام التعليم الظل، وهو المتمثل فى الدروس الخصوصية، التى عندما تكون شائعة، تمثل سوقاً سوداء تعمل خارج إطار النظام الرسمى للتعليم وآلياته.
- تحول التعليم الخاص إلى تجارة رابحة بوسائل وتحايلات شتى من القائمين على هذه المؤسسات الخاصة، نتاجاً لعدم قدرة القطاع التعليمى الحكومى على استيعاب الطلاب الراغبين فى الحصول على درجات تعليمية من ناحية، وضعف الرقابة الحكومية عليه من ناحية ثانية.
- الرشاوى التى تُدفع لقبول الطلاب، إما كرشاوى صريحة أو تحت مسميات أخرى (التبرعات والهبات القسرية).
- قبول مستندات مزورة ضمن مسوغات القبول نظير رشاوى لموظفى القبول.
- مدارس الأشباح والمدرسين الأشباح والتلاميذ الأشباح، فى الحالات التى توجد المدرسة فى السجلات الرسمية وتتلقى الدعم أو الاعتراف الحكومى لكن لا تعمل كلياً أو جزئياً.
الفساد فى الامتحانات (مثل التلاعب فى نتائجها أو بتسريبها نظير مقابل).
- الفساد فى منح الشهادات الأكاديمية نظير رشاوى، من خلال التزوير، أو بالتغاضى عن المتطلبات الأكاديمية لها.
- التوسع فى منح درجات أكاديمية دون اعتبار للمعايير العلمية والأكاديمية إلى الدرجة التى تتحول فيها المؤسسة التعليمية إلى ما يسمى «مصنع لمنح الشهادات» (Degree Mill). ويُعتبر هذا شائعاً فى جامعات الأعداد الكبيرة المتضخمة، لما تمثله هذه الأعداد من مصادر دخل للكليات وللجامعة، وفرص لمصدر دخل مستتر يتضمن جزء جوهرى منه ممارسات فساد لأعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة فيها.
- الرشاوى والمحسوبيات فى العملية التعليمية والامتحانات.
- الانتحال Plagiarism والغش فى الامتحانات، وفى الأوراق والمشروعات البحثية التى يجريها الطلاب.
- الفساد والانتحال فى الرسائل العلمية، وفى أبحاث أعضاء هيئة التدريس.
- الفساد فى مراحل المسار الوظيفى للمدرسين ولأعضاء الهيئة الأكاديمية فى الجامعات والمعاهد العليا.
- الفساد والمحسوبيات فى التعيين لوظائف المدرسين فى المدارس أو لأعضاء الهيئة الأكاديمية فى الجامعات والمعاهد العليا.
- التحرش الجنسى واستخدام سلطات الوظيفة التعليمية للاستغلال الجنسى للطلاب من الجنس الآخر.
- الفساد فى الجوانب المالية للمدارس والجامعات، مثل التوريدات والمشتريات والأعمال الإنشائية والصيانة والمخازن والعهد.
- التسرب والتلاعب الذى يحدث فى عناصر وبنود الموازنات، وكذلك فى المستندات والسجلات الخاصة بالإيرادات وبالمصروفات.
الدروس الخصوصية تمثل سوقاً سوداء تعمل خارج إطار النظام الرسمى.. والتعليم الخاص تحول إلى تجارة
أنماط الفساد فى التعليم التى تختص بها مصر
من خلال متابعة كاتب هذه الدراسة لأوضاع وأنماط الفساد عامة وفى التعليم خاصة، ومن خلال متابعته للتقارير العالمية عن الموضوع، وجد أن الفساد فى قطاع التعليم بكل مستوياته وصل وتغلغل إلى مدى بعيد، لدرجة أن هناك أشكالاً وأنماطاً مستحدثة منه فى مصر أغلبها فى مؤسسات التعليم العالى لم ترصدها التقارير الدولية فى الموضوع. وفيما يلى أمثلة للأنماط التى تختص بها مصر:
- اقتناص أو اختطاف البرنامج الدراسى، خاصة فى الجامعات الحكومية، من قبَل تخصصات بعينها، لتأكيد منافع وعوائد أعضاء هيئة التدريس منها. ويأخذ هذا صوراً عديدة مثل صراعات الأقسام والتخصصات العلمية حول نصيبها أو حصتها من البرنامج. ولا يُجدى فى صراعات المصالح الأكاديمية طلب الاحتكام إلى المرجعيات العالمية. ولا يُجدى أيضاً دور لجان القطاعات فى المجلس الأعلى للجامعات فى هذا الشأن إذا كان هذا قد تحول إلى أعراف مستقرة، مانعة للتطوير. مثال ذلك برامج كليات التجارة وكليات الحقوق، فحتى مسميات التجارة والحقوق تُعتبر مسميات منقرضة فى العالم منذ عقود طويلة. لكن الإصرار عليها يحمل فى طياته التمسك بالمصالح المتضمنة فى البرنامج الدراسى والتى تحكمها موازين القوى داخل هذه الكليات.
- المتاجرة بالسلطة الأكاديمية فى كل مستويات التعليم، بحيث أصبحت العوائد والمنافع المرتبطة بالوظيفة الأكاديمية التى يتم الحصول عليها خارج النظام الرسمى، أو بتغاضى النظام الرسمى عنها، أعرافاً شائعة ومستقرة أو «سبوبة» مرتبطة بالوظيفة. يأخذ هذا صوراً عديدة لا تقتصر على الدروس الخصوصية التى تُعتبر شائعة فى كل مستويات وأغلب مجالات التعليم بما فيها أغلب كليات القمة (مثل الطب)، وإنما تتضمن ممارسات أخرى تجارية فجة. منها مثلاً الكتب والمذكرات الجامعية، التى أضيف إليها خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة فى بعض الكليات ملخصات وتمارين وتدريبات وحلول للامتحانات (تسمى أدلة) يعدها ويبيعها أعضاء هيئة التدريس للطلاب. وكل هذه المدخلات للعملية التعليمية تُعتبر مخالفة لمعايير النزاهة الأكاديمية، وصوراً فجة للفساد. هذا ناهيك عن أن هذه المنتجات التعليمية التجارية لا تخضع مضامينها لأى فحص أو رقابة جودة، وكثير منها يتضمن انتحالاً وسطواً على مصادر علمية مأخوذة منها أغلب هذه المنتجات.
- توريث المهن الأكاديمية، ومثالها الصارخ كليات الطب. وتوجد هذه الظاهرة، وإن كانت بصور متفاوتة فى كليات أخرى. وقد تحولت هذه الممارسات إلى أعراف مستقرة فى كليات الطب، حيث يجرى تبادل المجاملات والمحسوبيات بين أعضاء هيئات التدريس ممن لهم أبناء يطمحون إلى وظائف آبائهم. وتشيع هذه الممارسات فى الامتحانات التى تتضمن سلطة تقديرية للممتحن ومعرفة بهوية الطالب مثل امتحانات الشفهى والعملى. ومن الغريب أن يجرى هذا لعقود ممتدة وطويلة دون تدخل من قبَل الدولة لتصحيح أوضاع فساد فجة تمس قطاعاً خطيراً هو الذى يعد الكوادر الطبية فى مصر ككل.
- التجمعات العائلية للأكاديميين داخل الأقسام التخصصية فى الجامعات. وهذه التجمعات تشكل تكتلات لحماية مصالح أعضائها، وتمثل إضعافاً للمعايير الموضوعية والأكاديمية فى القرارات التى تتخذها الأقسام والكليات بشأنهم. ولا يقع اللوم هنا على هؤلاء، وإنما على النظام الذى يسمح بذلك، ولا يتضمن ضوابط تحد من هذه الظاهرة، على غرار ما هو مأخوذ به فى الجامعات العالمية، وفى المؤسسات العامة والدولية فى العالم عموماً بشأن معايير التوظيف.
- تحول برامج وشعب التدريس باللغات الأجنبية فى الدرجة الجامعية الأولى فى الجامعات إلى فرص لتنمية إيرادات الكليات والجامعة وفرص موازية لزيادة دخول أعضاء هيئات التدريس، بما أكسبها نزعة تجارية. وقد بدأت هذه البرامج على استحياء لسد حاجة سوق العمل منذ حوالى ثلاثة عقود فى بعض الجامعات بقواعد تتعلق بمصادر المعرفة ولغة التدريس واشتراطات موضوعية لقبول الطلاب القادرين على التعلم باللغات الأجنبية واشتراطات مشددة على من يدرّس من أعضاء هيئة التدريس فى هذه البرامج وقواعد تتعلق بالكتب المقررة وغير ذلك. ولما تبين أنها تمثل فرصة لزيادة الإيرادات والعوائد للجميع، تكالبت عليها الجامعات والكليات، وتم التوسع الشديد فيها من خلال التخفيف والتساهل المخل فى شروط القبول للطلاب وفى من يقوم بالتدريس وحتى فى اللغة الفعلية التى تلقى بها المحاضرات والمصادر المعرفية التى يتم الاعتماد عليها. واقتصر المطلوب من الطالب على المحاضرات التى يتم الشرح فى أغلبها باللغة العربية وعلى الشرائح الضوئية (باللغة الأجنبية) المساندة للمحاضرات، وفى أغلب الحالات لا كتاب مقرر ولا «دياولو». وصار هذا هو العرف السائد فى أغلب مقررات هذه البرامج. وما يجرى فى الجامعات الحكومية يجرى أيضاً فى الجامعات الخاصة والأهلية، وربما بصورة أكثر فجاجة. وما وصل إليه الأمر بشأن هذه البرامج والشعب فى غيبة أى صورة من صور الرقابة على الجودة والممارسات التعليمية يمثل فساداً نظامياً ومؤسسياً.
- تحول التعليم الخاص وجزء من التعليم الأهلى فى كل مراحل التعليم إلى عمل تجارى صرف، يسعى لتعظيم العائد والربحية. ويتم التحايل على القواعد القانونية التى تمنع أن تكون المؤسسة التعليمية هدفها الربح، بوسائل شتى تعلمها وتجيزها الدولة، لكن يتم التغاضى عن الواقع الفعلى للممارسات التجارية الساعية للربح لهذه المؤسسات، ولأن أساليب التحايل ذاتها مشروعة قانوناً، وإن كانت فاقدة للنزاهة والمصداقية الفعلية.
- توابع التهجين الذاتى فى الجامعات (أى تنتج الجامعة ما تحتاج إليه) لسد الاحتياج من أعضاء هيئات التدريس، نتاجاً لتوسع الجامعات، وضعف برامج البعثات، والعجز فى أعضاء هيئات التدريس، مع خروج ممتد للكثير منهم فى إعارات خارجية يتم التحايل لمدها لسنوات طويلة تحت أسباب صورية (مثل مرافقة الزوج أو الزوجة). وهناك أعراف لدى الجامعات العالمية بألا يعين خريجوها من الحاصلين على الدكتوراه، منعاً للآثار السلبية للتهجين الذاتى فى تشكيل أجيال ضعيفة من أعضاء هيئة التدريس فى الجامعة. ولا يمثل التهجين الذاتى فى حد ذاته صورة من صور الفساد، وإن كانت له آثار سلبية أخرى، وإنما يكمن الفساد فى الممارسات المقترنة به وفى أسباب حدوثه، فهناك حالات من استغلال أعضاء هيئة التدريس المشرفين على الرسائل للطلاب للقيام بخدمات خاصة أو مهنية. وهناك حالات من التراخى فى قيام أعضاء هيئة التدريس بواجباتهم فى المتابعة ودعم عملية اكتساب الطالب للخبرات البحثية اللازمة. وهناك أيضاً حالات تساهل غير مبرر من قبَل بعض أعضاء هيئة التدريس تجاه طلاب الدراسات العليا من أعضاء الهيئة الأكاديمية. هذا ناهيك عن الآثار والتوابع السلبية للتهجين الذاتى الممتد الآن فى الجامعات المصرية عبر أجيال، حيث تضعف مع الوقت صلات أعضاء هيئة التدريس القدامى بالبحوث والاتجاهات العلمية والبحثية العالمية، لأن النظام المصرى لا يشترط استمرار الإنتاج العلمى والبحثى بعد الترقية لأستاذ، وتضعف مع هذا حداثة الحصيلة المعرفية لديهم، وينعكس هذا على أدوارهم فى الإشراف. ويصبح مصدر تجدد معارفهم هو الرسائل التى يشرفون عليها، أى يصبح ما يطلع عليه الطلاب أنفسهم من أدبيات مصدراً لمعارف أعضاء هيئة التدريس.
- التغاضى والتحايل على إخفاق بعض أعضاء البعثات الخارجية، والتغاضى عن تقارير المشرفين عليهم، باستيعابهم فى البرامج الداخلية بعد سنوات من الدراسة بالخارج. يتم هذا بدافع التعاطف معهم حتى يجرى إعفاؤهم من إرجاع المبالغ التى صُرفت عليهم من قبَل الحكومة المصرية خلال البعثة. وترجع بعض حالات الإخفاق إلى قيام الطالب خلال دراسته أو خلال إعداد بحث الرسالة بممارسات تخالف معايير النزاهة الأكاديمية (مثل الانتحال أو الغش). ويتم التغاضى عن هذه الحالات، فيؤدى هذا إلى تضمين هيئة التدريس أعضاء ضعافاً علمياً، وأحياناً أخلاقياً.
- تضافر أولياء الأمور مع الملاحظين والمراقبين على الامتحانات العامة فى المستويات الأدنى للمراحل قبل الجامعية فى بعض اللجان، على تسهيل وتيسير الغش الجماعى. فهناك وقائع تحدث بين الحين والآخر عن قيام أولياء أمور الطلاب الذين يتجمعون خارج لجان الامتحانات بتجميع مبالغ من بعضهم البعض لتقديمها للملاحظين والمراقبين لتسهيل وتيسير قيام الطلاب فى اللجنة بالغش. وهناك وقائع عن قيام المدرسين القائمين بالدروس الخصوصية بالمرور على لجان الامتحانات لمساعدة الطلاب الذين كانو «زبائنهم» فى الدروس، ولوصية الملاحظين عليهم.
- اجتياح الدروس الخصوصية كل المنظومة التعليمية فى المدارس، حتى إن المدرسين يذهبون للمدارس ليس لشرح المواد الدراسية، وإنما لترتيب والترويج للدروس الخصوصية التى يقدمونها. وقد وصل الأمر فى بعض المدارس إلى تقديم هذه الدروس فى فصول المدرسة بعد انتهاء اليوم الدراسى. يحدث هذا تحت سمع وبصر مدير المدرسة، الذى غالباً ما يحصل على نصيب من العوائد نظير تغاضيه عن هذا.