الثقافة.. شىء لزوم الشىء
.. وكما رأينا فى انتحابات مجلس الشيوخ الأخيرة، جاهدت كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية فى توعية المصريين وحثهم على المشاركة بالتصويت، المشهد يتكرر مع كل استحقاق انتخابى، وقد يأتى الجهد أحياناً بنتيجة ما، لكنها أبداً ليست النتيجة المأمولة أو المرجوة.
ما حدث أكد حاجتنا لإعادة الاعتبار لفكرة الثقافة العامة لجموع الشعب المصرى، ويجب أن لا نخلط بينها وبين مفهوم التوعية.. فالأخيرة قد تسعفنا فى موقف معين مثلما أشرنا فى الاستحقاقات الانتخابية، أو فى الرد على الشائعات كما تفعل الحكومة أسبوعياً، وهكذا موقفاً بموقف.
التوعية هنا تبدو كسلاح تكتيكى طارئ لإنقاذ الموقف، لكنها لا تفى بالغرض دوماً، وهو ما يقتضى أن نستعين بالسلاح الاستراتيجى الأكثر حسماً للمواجهات على المدى الطويل، إنه سلاح الثقافة العامة.
تساعد الثقافة دائماً وبشكل عام على تنمية سلوك الفرد وبالتالى تنمية عقله وتفكيره، ويستطيع الإنسان الذى لديه ثقافة وخبرة ومعرفة التعامل مع جميع المشكلات التى يتعرض لها وحلها بسهولة اعتماداً على خبرته وذكائه وفطنته، ويستطيع بلورة رأى عاقل ومتوازن فيما يصادفه من مواقف دون الاستعانة بشخص آخر أو الحاجة لجهد توعوى زائد.
دولة 30 يونيو التى تسير بوتيرة متسارعة فى طريق التنمية الاقتصادية ينقصها بلا شك الاهتمام بالتنمية الثقافية، والرئيس السيسى لا يترك الفرصة فى كل مناسبة إلا ويتحدث عن بناء الإنسان المصرى، ورؤيته هنا واضحة تماماً، بدليل توجيهاته للحكومة بنقل سكان العشوائيات إلى شققهم الجديدة بعد تأثيثها بأثاث جديد أيضاً يتفق مع الواقع المختلف الذى سيحيونه مستقبلاً.
وبصراحة واجبة هنا فإن المسئولين عن الثقافة والتنمية الثقافية عموماً لا يسيرون جنباً بجنب مع تطلعات الرئيس فى هذا المجال المهم إلى أقصى حد ولا يسيرون خلفه بخطوة أو خطوات، تراهم وتحسبهم وكأنهم مغيبون تماماً.
يا سادة.. للثقافة أهمية بالغة، وعندما تتوافر فى مجتمع ما فهى حتماً تنعكس على ممارسات وسلوكيات أفراد هذا المجتمع، وتنتقل الثقافة بين الأجيال ليس على مستوى العلوم والمعارف الإنسانية فقط، بل يشمل ذلك نقل سلوكيات الأفراد وأسلوب معيشتهم، ومأكلهم، ومشربهم، وملبسهم، وطريقة تعاملاتهم، وهنا تتميّز الثقافة بقدرتها على الاستمرار والبقاء مع الزمن، وتوجّه سلوك الأفراد فى كافّة شئون الحياة وتنظم السلوك التفاعلى فيما بينهم، وهى تسهم أيضاً فى تقويم اعوجاج بعض الأشخاص وزيادة طاقتهم الإيجابيّة، ومن أبرز خصائصها أنها لا تنتهى برحيل حامليها من البارزين والمؤثرين فيها.
وللثقافة العديد من الفوائد، فهى بداهة تميّز الإنسان عن بقية المخلوقات، وتجعله مواكباً لكل ما يحدث من تغيرات فى عصر السرعة والعولمة، وبهذا فهى تساهم بالضرورة فى نهضة المجتمع وتطوّره، وكلما زادت ثقافة مجتمع زاد رقيّه وتقدمه وحضارته، ومن خلال الثقافة، والتفكير، والبحث، والقراءة يتمكّن الإنسان من معرفة مواهبه المختلفة، ويعمل على تنميتها والوصول إلى ما يمكن وصفه بالرخاء الفكرى والثراء العلمىّ.
المجتمعات لا تتطور بالسياسة والاقتصاد فقط، ولا بد من العلم والقراءة وأخذ كلّ ما هو جديد، ولا يتم ذلك إلا بالثقافة.
حلّ المشكلات بشكل أسرع، والقدرة على اتخاذ القرارات السليمة يستلزم قدراً من الثقافة نتيجة تراكم المعرفة والخبرات لدى الأفراد بشكلٍ خاص والمؤسسات بشكلٍ عام.
مشروع دولة 30 يونيو الذى يركز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، يلزمه بالضرورة مشروع ثقافى تتشارك فيه أكثر من وزارة، ولن يكون من الإنصاف أن نلقى بالعبء على وزارة الثقافة وحدها، نريد مشروعاً قومياً يضم وزارات التربية والتعليم، والتعليم العالى، والشباب، والأوقاف، والمجلس الوطنى للإعلام، والأحزاب السياسية لا بد أن تشارك أيضاً، ومؤسسات المجتمع الأهلى كذلك.
المشروع الثقافى القومى هو مشروع الضرورة القصوى الآن، ومن يراه ترفاً، أو من يضعه فى ذيل الأولويات.. أقول له «ارحمنا واركن على جنب».