قوادة عالمية.. وعاهرة إقليمية

عماد فؤاد

عماد فؤاد

كاتب صحفي

اعتدنا كعرب التعايش مع التناقضات الواضحة فى سياسات الولايات المتحدة الأمريكية فى تعاملها مع بقية دول العالم بشكل عام، وتجاه منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، وبالتالى لم تعد تدهشنا تلك التناقضات، بل وأصبحنا نتوقعها مع أى حدث سياسى تتشابك معه الدولة الأقوى فى العالم.

وعلى الرغم من تلك الحالة -اعتياد عدم الدهشة- فإن تقريراً أخيراً لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) لا بد أن يدفع أى إنسان على كوكب الأرض للجنون وليس مجرد الدهشة.

التقرير يرصد آخر ما وصل إليه تنظيم داعش الإرهابى، وأكد أن تركيا ما زالت «مركز ترانزيت» للسلاح والتمويل والدعم اللوجيستى غير المحدود للتنظيم الإرهابى، وذلك رغم مشاركتها فى مهام مكافحته.

التقرير نشره مكتب المفتش العام بوزارة الدفاع الأمريكية، ومكون من 136 صفحة، وستتم إحالته للكونجرس لمناقشته.

وأكد التقرير أن «داعش» يستمر فى استخدام تركيا قاعدة لانطلاق عملياته، باعتبارها ما زالت مركزاً للتنظيم الإرهابى الذى كلَّف أكثر من 10 أشخاص ومؤسسات بهذه المهام داخل تركيا خلال التسعة أشهر الأخيرة.

الولايات المتحدة فرضت فى سبتمبر من العام الماضى عقوبات مالية على 15 شركة ورجل أعمال فى تركيا متورطين فى دعم داعش، وكذلك دعم حزب الله وحركة حماس.

وأدرجت وزارة الخزانة الأمريكية اسم عدنان محمد أمين الراوى مع شخص آخر بعد أن توصلت إلى أنهما قدما دعماً مالياً أو لوجيستياً لتنظيم داعش الإرهابى فى الشرق الأوسط وأنحاء العالم.

والراوى يقيم ويدير مؤسسة فى تركيا، وهو ما يثير التساؤلات بشأن الدور المثير للجدل الذى تلعبه أنقرة فى دعم التنظيم المتطرف، عبر السماح لقياداته بالإقامة ومباشرة الأنشطة الإرهابية انطلاقاً من أراضيها.

واكتفى مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة بالقول إن الراوى قدم دعماً مالياً أو مادياً أو تقنياً لداعش عن طريق السلع أو الخدمات فى تركيا.

وتعنى العقوبات الأمريكية تجميد أصول الراوى داخل الولايات المتحدة وفرض عقوبات على أى جهة تتعامل معه.

تقارير استخبارية أمريكية أكدت أن شبكات تمويل داعش الخفية فى تركيا نشطة -حتى الآن- بشكل غير مفهوم، ويقول الباحث فى شبكات تمويل الإرهاب، كولين كلارك، إن «داعش» قامت بغسل أموالها داخل تركيا عبر شركات الوساطة المالية التى تسعى إلى تحقيق مكاسب غير مشروعة.

وتوقع «كلارك»، فى حديث مع صحيفة «عرب نيوز»، أن تؤدى هذه الشبكات دوراً فى بقاء داعش خلال السنوات العشر المقبلة.

تناقضات السياسة الأمريكية هنا لم تعد مجرد استنتاجات أو عبر تحليل الأحداث، لكنها مرصودة من خلال تقارير رسمية داخل الولايات المتحدة نفسها، فالدولة العظمى التى تزعم مكافحة الإرهاب، تتغافل -والأدق تتعامى- عن الدور القذر الذى يلعبه أردوغان فى دعم التنظيم الإرهابى، واكتفت بتوقيع عقوبات اقتصادية على بضعة أشخاص وشركات فى تركيا.

الولايات المتحدة هنا تمارس دورها الاستعمارى بامتياز، وما زالت تتمسك بسياسة الفوضى الخلاقة، فى إطار مخططها لتقسيم دولنا العربية.

الولايات المتحدة هنا فى علاقتها بتركيا تبدو كقوادة -عالمية- تتستر على عاهرة -إقليمية- وتوظفها لتحقيق مصالحها.

القوادة تزعم مكافحتها للإرهاب، والعاهرة تدعمه، ونقف نحن فاغرين أفواهنا ولا نملك إلا الدهشة.