الأهالي عن هدم "مقابر الغفير" لإنشاء "محور الفردوس": "مش أثرية.. وبننقل الرفات"

كتب: أحمد ماهر أبوالنصر

الأهالي عن هدم "مقابر الغفير" لإنشاء "محور الفردوس": "مش أثرية.. وبننقل الرفات"

الأهالي عن هدم "مقابر الغفير" لإنشاء "محور الفردوس": "مش أثرية.. وبننقل الرفات"

مع دقات السادسة صباحاً يبدأ العمال فى التوجه إلى منطقة مقابر الغفير بمحافظة القاهرة من أجل توسعة الطريق لإتمام مشروع محور الفردوس، الذى يبدأ من نفق أبوحشيش أسفل شارع أحمد لطفى السيد مروراً بأسفل كوبرى أحمد سعيد ثم ميدان الفردوس إلى طريق صلاح سالم حتى الأوتوستراد وصولاً لشارع الطيران وانتهاء بمنطقة منشأة ناصر.. دقائق معدودة للوصول إلى منطقة الأعمال من محطة مترو الجيش، لوادر الحفر تنتشر بشكل كثيف، إلى جانبها قوات من الشرطة تعمل على تأمين أعمال الهدم والإشراف عليها.

بشكل لافت للانتباه يقوم أحد العمال بإزالة الأرصفة الداخلية فى المنطقة المقرر إزالتها، يتحرك السائق بمركبته ببطء يحسد عليه، كأن إطارات الهواء بها فارغة، يقوم برفع مخلفات تكسير المقابر الناجمة عن سائق الحفار، ليضعها على شاحنة كبيرة محملة بكميات كبيرة من الأتربة ومخلفات الهدم، بجوار السائق كان العمال يقومون بقطع الأشجار وتكسيرها حتى يمكن وضعها على سيارة النقل المكلفة بإخراج تلك المخلفات ورميها خارج المقابر.

فى الشارع المقابل لمقبرة الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق، وقف محمد على، عامل مكلف من قبل إحدى العائلات بنقل رفات العائلة من مكانها حتى آخر القبر، وذلك لقيام الشركة المنفذة لأعمال الإنشاء بتكسير جزء من «الحوش» لإدخاله فى المحور الجديد، داخل القبر الواسع كان الأربعينى يتحدث فى هاتفه، نظر إلينا متسائلاً: «لكم أقارب هنا؟»، تبادلنا أطراف الحديث وأخبرنا أنه يعمل سائقاً لدى إحدى العائلات الشهيرة التى تمتلك حوشاً على مساحة كبيرة، وبعد إخبارهم بضرورة نقل رفات ذويهم، طلبوا منه الإشراف على نقلها مع العمال: «حفرنا تحت الأرض، لأن كان فيه جثث من 30 سنة هنا، وشيلناها رجعناها ورا، إمبارح كنت متابع على الفيس بوك، كلام ناس بتردده، إن دى مقابر أثرية، لكن الحقيقة اللى ماحدش يقدر ينكرها إنها مش أثرية، آه هنا فى مقابر مشاهير كتير، لكن مش مسجلة آثار».

عدد من السكان ينتظرون دورهم: "مش عارفين هنروح فين.. ومالناش حق نطلب حاجة"

خرجنا معاً حتى الوقوف فى الجانب الآخر من الحوش ذى السقف المحطم، فقط حائط خلفى ما زال باقياً فى مكانه، أسفله كانت آثار عمليات الحفر لإخراج الرفات باقية، حيث الرمال التى استخدمت قديماً فى الدفن تم إخراجها خارج الـ6 أعين المستخدمة فى الدفن، قبل أن يخرج الأربعينى من الحوش، قرر أن يغلق الباب الأوحد الذى ما زال باقياً ومعلقاً على نصف جدار، وعلى الرغم من أن الحوش ليس به سوى جدار واحد وكتف مصنوع من الطوب يحمل الباب، إلا أن العامل أصر على غلقه بالقفل: «خايف يتسرق وهو حديد تقيل من زمان ومطمع للحرامية».

أمام أحد المقابر جلس رجل ومعه سيدتان يشاهدون ما يحدث للمنطقة التى ظلت أعواماً هادئة، فلم يعكر صفو مواتها شىء طيلة عقود مضت، حتى جاء أعمال إنشاء محور الفردوس، يقول عبدالخالق عيسى إنه يسكن فى المقابر تلك منذ ما يزيد على 50 عاماً، ولم يكن يتوقع يوماً أن يأتى أحد كى يخرجه من مكانه: «أنا ماليش حق أطلب حاجة، من زمان جيت من بلدنا فى البحيرة، قعدت هنا عند صاحب الحوش، اللى أكرمنى وخلانى أقعد أراعى الحوش، وفضلت على الحال ده، لحد ما حصل موضوع المحور، أنا بس عايز شقة أو أوضة تلمنى أنا والأربع عيال».

الصغار يلهون فى أحد الشوارع المقرر هدمها غداً، وفقاً للأهالى، أحد الصغار ويدعى «أحمد»، يبلغ من العمر 7 أعوام، جلس على كرسى بلاستيكى مكسور، وأمامه جزء من جهاز كمبيوتر لم يتبق منه سوى «الكيسة»، وكأنما يحلم أن تتبدل الأحوال ويصبح مهندساً، ولكن ربما أحلامه تلك ستتحطم على صخرة الإزالات التى ستأخذ جزءاً من بيته القديم الذى يعيش فيه مع 10 إخوة آخرين بخلاف أبيه وأمه، يقول صلاح عبدالحق، والد الطفل الصغير، إنه يحلم بغرفة صغيرة حتى يجمع شمل أبنائه، ويؤمن مستقبلهم: «أنا شغال صنايعى محارة، وقاعد هنا من 30 سنة، والهدد هييجى عندنا بكرة، وأنا ماينفعش أقول لأ، وده لأن صاحب الحوش نفسه وافق، فإزاى إحنا ممكن نقول لأ، أنا ماعنديش مشكلة فى التطوير، لكن محتاج حد من المسئولين يهتم بحال سكان المقابر».

وعلى أطراف مقابر الغفير التى ازدحمت بأعمال إنشاءات، ظهرت آثار التكسير بجميع الشوارع، ورمال منتشرة بشكل كثيف، وفى أحد الشوارع الداخلية للمقابر قام عمال الشركة المنفذة للمشروع بحفر الشارع حتى إخراج الجثامين من أسفل بعض الأحواش، نظراً لمرور العديد من السنوات على دفنها، وحتى التأكد من خلوها من رفات المواطنين.


مواضيع متعلقة