إذا كنت تكره جمال عبدالناصر.. فلا تفعل الآتى!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

إذا كنت إقطاعياً أو من عائلة إقطاعية أخذ منها عبدالناصر وأعطى فقراء مصر ممن أنهكهم وأحياناً أذلهم الفقر مع المرض، فلك عذرك أن تغلب الشخصى على الموضوعى، وأن تكره الرجل.. وإن كنت ابناً أو حفيداً لمسئول فاشل أو فاسد خرج فى عهده فى أى تطهير أو حوكم فى أى قضية فمن حقك أيضاً أن ينتصر عندك الخاص على العام وتكرهه.. وإن كنت مؤمناً بالرأسمالية على أقصى صورها وأنها كانت الأفضل لمصر وأن شعبنا كان التعدد الحزبى مفيداً له وليس حكم أبناء الجيش العظيم، رغم أن ذلك كان سيعنى أن تبقى الأحوال الاجتماعية كما هى وسيعود الإقطاعيون فى أول انتخابات، لكن سنحترم اختيارك لتصور آخر لحكم مصر ويمكن أن نلتمس لك العذر فى كراهيته.. لكن إن كنت من أبناء عموم الشعب المصرى ممن قام الرجل وزملاؤه بثورتهم من أجله وأعادوا لك وأسرتك نصيبك فى ثروة وطنك التى وزعت من أبناء محمد على على المحاسيب والخدم وممن أدوا أدواراً ضد الشعب ولمصلحة القصور الخديوية.. ولو كنت ابن أسرة بسيطة أو ثرية شريفة حققت ثورة يوليو أحلامك قبل تراجعها بعد رحيل جمال عبدالناصر ثم عبث إعلام الإخوان الرهيب فى وعيك وتسللت أكاذيبه مع بعض كتاب السلطة وقتها مع كتاب حزب الطرابيش فعليك أن تتسق مع نفسك وتكون صادقاً أمامها وتمتنع عن الآتى:

اترك ماء النيل الذى بين يديك فهو فى بيتك بفضل السد العالى ولا تبق فى منزلك الريفى على ضفاف النيل فقد كانت تجرفه وتغرقه مياه الفيضان لشهور طويلة كل عام حتى بنى السد العالى، ولا تشاهد التليفزيون المصرى لأى سبب فذكراة الستين تمر علينا الآن وقد بناه الرجل كأول تلفاز فى أفريقيا، وإن كنت فى بيتك وأصابك مكروه فلا تتصل بهيئة الإسعاف المصرية ولا تذهب أنت ولا أقاربك إلى معهد القلب ولا معهد الأورام ولا معهد تيودور بلهارس، ولا ترسل أولادك ولا أولاد أقاربك إلى معهد السمع والكلام ولا تمنحهم التعليمات الدورية ضد الأمراض، وارفض الاستفادة من التأمين الصحى الحالى ولا العيادات الخارجية فى المستشفيات، وإن أصيب أحد أقاربك بكورونا فلا ترسله لأى مستشفى للصدر أو للحميات، وقد أنجز عبدالناصر كل ما سبق ومعه مئات الوحدات الريفية بقريتك، ومعها هيئة تنظيم الأسرة والزائرة الريفية، بعد أن كان حال الصحة فى عصر الاحتلال مؤسفاً!

وإن كنت من سكان المدن فارفض أيضاً الاستفادة من كل ما سبق وغيره الكثير، ولكن إن كنت من سوهاج مثلاً فلا تتعامل أو حتى تحلم بعودة غزل سوهاج ولا مصنع تجفيف البصل، وإن كنت من قنا فلا شأن لك بمصنع غزل قنا ولا مصانع السكر واترك وظيفتك فى ألومنيوم نجع حمادى، وإن كنت من أسوان فاترك وظيفتك فى السد العالى ولا تصطد ولا تشتر من أسماك بحيرة ناصر، وإن كنت من أسيوط فلا تتعامل ولا تحلم بمصنع غزل أسيوط، ولا شأن لك بجامعة أسيوط بكل متعلقاتها من كليات وإنتاج حيوانى وزراعى وأساتذتها من كلية الطب، وإن كنت من المنيا فلا شأن لك بمصنع غزل المنيا العملاق ولا بشركة سكر أبى قرقاص، واترك أرض الإقطاع به وأرجعه لأصحابه، وإن كنت من الوادى الجديد فاترك المحافظة كلها وقد أعلنت كمحافظة فى عهده، وإن كنت من الفيوم فلا شأن لك لا بمصنع الغزل ولا بما أضيف من أرض زراعية، وإن كنت من بنى سويف فغادر مركز ناصر واترك أرض الإصلاح الزراعى، وإن كنت من الجيزة فلا شأن لك بمصنع سكر الحوامدية ولا بقفزات الشرقية للدخان ولا تحلم بعودة تليمصر للتليفزيون بالهرم، ولا تمر من أمام قاعة سيد درويش ولا أكاديمية الفنون بما يتبعها من معهد الفنون المسرحية ومعهد السينما ومعاهد الباليه والكونسرفتوار وأوركسترا القاهرة السيمفونى والمسرح القومى وفرقة الموسيقى العربية والفرق القومية للفنون الشعبية ومسرح البالون ومركز الفنون الشعبية والمسرح الحديث، وكذلك فرقة مسرح الجيب للأعمال التجريبية والسيرك القومى ومتحف الحضارة والقبة السماوية بالجزيرة ومتحف مختار ومتحف محمد محمود، ولا تقترب من كل ذلك وقد أسسها عبدالناصر!

وإن كنت من القاهرة فلا شأن لك بالكورنيش العظيم الممتد من حلوان للقناطر، ولا تزر برج القاهرة ولا تتعشم فى عودة النصر للتليفزيون ولا مصانع المسبوكات ولا المراجل البخارية، ولا تحاول زيارة قصور الملكية التى فتحت للشعب ولا الحدائق التى أصبحت عامة!

ولو كنت من دمياط فلا تحلم بعودة مصنع الغزل والنسيج العملاق هناك ولا إدفينا هناك أيضاً لتعبئة التونة، وإن كنت من المنوفية فلا شأن لك بمصنع غزل شبين، وإن كنت من الغربية فابتعد عن مصانع طنطا للزيوت والكتان وطنطا للصابون وعن إضافات غزل المحلة العملاقة، وإن كنت من الدقهلية فلا شأن لك بمصنع سماد طلخا ولا مصيف جمصة، وإن كنت من البحيرة فلا دخل لك بمصنع سجاد دمنهور الشهير ولا إنتاج مديرية التحرير (مركز بدر حالياً) من الغذاء، وإن كنت من القليوبية فلا تستخدم منتجات ستيا ولا منتجات أبى قير للأسمدة وقد أسست فى عهد عبدالناصر وافتتحت بعد رحيله ولا تحلم بعودة مصر للألبان ولا تذهب لشاطئ المعمورة، وإن كنت من القليوبية فلا شأن لك بإنتاج مصانع شبرا الخيمة العملاقة، وهى بالعشرات من إسكو للنسيج إلى مصانع الكابلات إلى مصانع الزجاج وراكتا للورق وغيرها!

ولأن المساحة لم تعد كافية لكن نختصر ونقول إن كنت من عموم مصر فلا تتباهى بجهاز المخابرات العامة ولا بجهاز الرقابة الإدارية ولا تتعامل مع أجهزة المركزى للتنظيم والإدارة ولا المركزى للتعبئة والإحصاء ولا المركزى للمحاسبات، ولا تحتفل ولا تشاهد أى مبارة على استاد القاهرة الدولى، واترك أى إنتاج علمى للقومى للبحوث الجنائية ولا معهد الدراسات العربية ومعهد الدراسات الأفريقية، ولا تأكل من منتجات بسكو مصر وقها، ولا تستفد من إنتاج القابضة للأدوية رغم إضعافها بعده، وهى مجموعة شركات كبرى ولا تشتر كتب الهيئة العامة للكتاب ولا تستمع لإذاعات القرآن الكريم ولا الشرق الأوسط ولا صوت العرب، ولا تذهب لمسارح الدولة ولا تزر الهيئة العامة لقصور الثقافة بكل قصورها وبيوتها، ولا تتباه معنا بإنتاج سيماف ولا ترسانة الإسكندرية ولا كل مصانع الإنتاج الحربى ولا بإغراق المدمرة إيلات، ولا بعيد الدفاع الجوى ولا حائط الصواريخ ولا بقصة رأفت الهجان ولا الحفار ولا بإبراهيم الرفاعى ولا بشدوان ولا رأس العش ولا بتدمير إيلات الميناء ٣ مرات، ولا بتحويل مجرى النيل ولا إنقاذ آثار النوبة فى ملحمة كبرى، وتنازل عن أى دخل يصلك من قناة السويس ولا الشركات الأجنبية التى مصرها وأممها استعادة لحقوقنا المنهوبة عبر سنوات طويلة.. وألق ثلاجات إيديال التى بمنزلك ولا بوتاجازات ومراوح مصنع ٣٦٠ ولا تستخدم النصر للسيارات إن كنت تستخدمها ولا تستقل سيارات رمسيس المستخدمة فى النقل الجماعى فى كافة أحياء مصر، ولا تستفد من كليات الأزهر الحديثة ولا تذهب للصلاة فى كاتدرائية العباسية الكبرى، ولا تلجأ للدستورية العليا عند البحث عن حقوقك!! ولا ولا ولا.. لقد أرهقتنا إنجازات عبدالناصر رصداً وعداً ولم نحصرها أكثر من إرهاق نمردة كارهيه ونكرانهم لفضل الرجل وعطائه!