"الميندو".. سر انخفاض وفيات كورونا في اليابان

"الميندو".. سر انخفاض وفيات كورونا في اليابان
- الاسكندرية
- اليابان
- ووهان
- فيروس كورونا
- كورونا فيروس
- فيروس كورونا المستجد
- كوفيد19
- الاسكندرية
- اليابان
- ووهان
- فيروس كورونا
- كورونا فيروس
- فيروس كورونا المستجد
- كوفيد19
في وقت تزايدت فيه إصابات فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) في جميع أنحاء العالم، وارتفعت نسبة الوفيات لتتجاوز أكثر من نصف مليون، سيّطر سؤالا على أذهان الملايين، وهو سر انخفاض معدل الوفيات في اليابان.
وفي الجزء الأول من 2020 شهدت اليابان معدلا أقل في متوسط الوفيات، وهو أمر مثير للدهشة بشكل خاص، لأن اليابان لديها العديد من الظروف التي تجعلها معرضة لكورونا، لكنها لم تعتمد أبدا النهج النشط في التعامل مع الفيروس الذي تبناه بعض جيرانها.
وفي ذروة تفشي المرض بووهان في فبراير الماضي، حين اكتظت مستشفيات المدينة وأقفل العالم أبوابه أمام المسافرين الصينيين، أبقت اليابان حدودها مفتوحة، كما أنّ الفيروس يقتل كبار السن في المقام الأول وينتشر بشكل كبير بسبب الحشود أو الاتصال القريب لفترات طويلة، ويوجد في اليابان أكبر عدد من كبار السن مقارنة بأي دولة أخرى، كما أنّ المدن اليابانية ذات كثافة سكانية ضخمة.
ويعيش في منطقة طوكيو الكبرى 37 مليون نسمة، وبالنسبة لمعظمهم فالطريقة الوحيدة للتنقل هي قطارات المدينة المزدحمة، ثم هناك رفض اليابان الالتفات لنصيحة منظمة الصحة العالمية بإجراء الاختبارات، ويبلغ إجمالي الاختبارات حتى الآن 348 ألفا فقط، أي ما يعادل نسبة 0.27% من سكان اليابان.
ولم تفرض اليابان إغلاقا بنطاق الإغلاق العام في أوروبا أو صرامته، ففي أوائل أبريل الماضي أمرت الحكومة بفرض حالة الطوارئ، لكن طلب البقاء في المنزل ظل طوعيا، وطُلب من الأعمال غير الأساسية أن تغلق أبوابها، ولكن لم تكن هناك عقوبة قانونية على الرفض، وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
وأجرت شركة سوفتبنك Softbank العملاقة للاتصالات فحص الأجسام المضادة على 40 ألف موظف، فظهر أنّ نسبة 0.24% فقط تعرضوا للفيروس، وأظهر الفحص العشوائي لـ8 آلاف شخص في طوكيو ومنطقتين أخريين مستويات تعرض أقل، ففي طوكيو جاءت نتيجة الاختبار لنسبة 0.1% فقط إيجابية.
كل تلك الأشياء أثارت الحيرة في نفوس الكثيرون والذين تساءلوا عن سر احتواء اليابان للفيروس دون أن تفعل أي شيء.
السر في الميندو
وقال نائب رئيس الوزراء تارو أسو، إنّ اليابان نجحت في السيطرة على الفيروس التاجي نتيجة لما يسميه "الجودة العالية" للشعب الياباني، وأنّ الاختلاف بين الدول واليابان، يكمن في "الميندو" (أي مستوى البشر) بين بلدانهم وبلدنا، وهذا جعلهم صامتين وهادئين، وتعني كلمة mindo حرفيا "المستوى الشعبي"، رغم أنّ البعض ترجمها على أنّها تعني "المستوى الثقافي".
وهو مفهوم يعود إلى الحقبة الإمبراطورية ويدل على إحساس بالتفوق العنصري والشوفينية الثقافية، وأُدين أسو بشدة لاستخدامه هذا التعبير.
وقد يكون لبعض الأعراف اليابانية دور في احتواء الفيروس التاجي، فهناك القليل من العناق والقبلات في التحية، ما يساعد في عملية التباعد الاجتماعي.
حصانة تاريخية
يعتقد تاتسوهيكو كوداما، الباحث في جامعة طوكيو، ويدرس كيف يتفاعل المرضى اليابانيون مع الفيروس، أنّ اليابان ربما تكون قد أصيبت بكوفيد من قبل. ليس كوفيد-19، ولكن شيئا مماثلا ربما خلف وراءه "حصانة تاريخية".
ويشرح ذلك قائلا إنّه عندما يدخل الفيروس جسم الإنسان، ينتج الجهاز المناعي أجساما مضادة تهاجم مسبب المرض الغازي، وهناك نوعان من الأجسام المضادة آي جي ام وآي جي جي IGM وIGG، ويمكن أن توضح طريقة استجابتهما ما إذا كان شخص ما قد تعرض للفيروس من قبل، أو لشيء مماثل.
وأضاف قائلا: "في العدوى الفيروسية الأولية (الجديدة) تأتي استجابة IGM أولا ثم تظهر استجابة IGG في وقت لاحق. ولكن في الحالات الثانوية (التعرض السابق) تحتوي الخلايا اللمفاوية بالفعل على ذاكرة، وبالتالي فإن استجابة IGG فقط تزداد بسرعة".
وتابع قائلا: "عندما نظرنا إلى الاختبارات شعرنا بالدهشة جاءت استجابة IGG في جميع المرضى بسرعة، وكانت استجابة IGM متأخرة وضعيفة، بدا أنّهم تعرضوا من قبل لفيروس مشابه جدا".
ويعتقد أنّه من المحتمل أن يكون هناك فيروس شبيه بسارس انتشر في المنطقة من قبل، ما يفسر انخفاض معدل الوفيات ليس فقط في اليابان ولكن في معظم الصين وكوريا الجنوبية وتايوان وهونغ كونغ وجنوب شرق آسيا.
ارتداء الكمامة أمر أساسي منذ 1919
وكان اليابانيون بدأوا ارتداء الكمامات منذ أكثر من 100 عام خلال وباء إنفلونزا عام 1919 ولم يتوقفوا أبدا، فإذا كنت تعاني من السعال أو البرد، فمن المتوقع أن ترتدي كمامة لحماية من حولك.
ويقول كيجي فوكودا، اختصاصي الإنفلونزا وعميد كلية الصحة العامة بجامعة هونغ كونغ: "أعتقد أنّ الكمامة تعمل كحاجز مادي، كما أنّها بمثابة تذكير للجميع بأن يكونوا واعين، ولا يزال يتعين علينا توخي الحذر حول بعضنا البعض".
نظام التتبع
ويعود نظام التتبع في اليابان إلى الخمسينيات من القرن الماضي عندما واجهت موجة من مرض السل، فأقامت الحكومة شبكة وطنية من مراكز الصحة العامة لتحديد الإصابات الجديدة وإبلاغ وزارة الصحة عنها.
وحال الاشتباه في انتقال العدوى في المجتمع يتم إرسال فريق متخصص لتتبع العدوى، والاعتماد على تتبع دقيق وعزل للمخالطين.
حملة تجنب 3 أمور
كما اكتشفت اليابان نمطين مهمين في وقت مبكر من الوباء. يقول الدكتور كازواكي جينداي، الباحث الطبي في جامعة كيوتو وعضو فريق التصدي لبؤر الوباء، إنّ البيانات أظهرت أنّ أكثر من ثلث الإصابات نشأت في أماكن متشابهة للغاية.
وأضاف قائلا: "أظهرت أرقامنا أنّ العديد من المصابين زاروا أماكن العروض الموسيقية حيث يصرخون ويغنون، كنا نعلم أنّ تلك هي الأماكن التي يحتاج الناس لتجنبها".
حدد الفريق "التنفس الشديد من مسافة قريبة" والذي يتضمن "الغناء في قاعات الكاريوكي والحفلات والهتاف في النوادي والمحادثات في الحانات وممارسة التمارين في الصالات الرياضية" باعتبار أنّها الأنشطة الأكثر خطورة.
ثانيا، وجد الفريق أنّ انتشار العدوى يرتفع بين نسبة صغيرة من أولئك الذين يحملون الفيروس، ووجدت دراسة مبكرة أنّ نحو 80% من المصابين بسارس كوفيد 2 لم يصيبوا الآخرين بينما 20% كانوا مُعدين للغاية.
وأدت هذه الاكتشافات إلى قيام الحكومة بإطلاق حملة وطنية تحذر الناس من تجنب "3أمور":
1. المساحات المغلقة ذات التهوية الضعيفة.
2. الأماكن المكتظة بالسكان.
3. الاتصال القريب مثل المحادثة وجها لوجه.
ويقول الدكتور جينداي: "أعتقد أنّ ذلك ربما يكون أفضل من مجرد مطالبة الناس بالبقاء في منازلهم". ورغم استبعاد أماكن العمل من القائمة، فقد كان من المأمول أن تبطئ حملة "الأمور الثلاثة" تفشي المرض بشكل كافٍ لتجنب الإغلاق، فقلة الإصابات تعني عددا أقل من الوفيات.
التوقيت
يعتقد الباحث كينجي شيبويا أنّ الدروس المستفادة من اليابان ليست مختلفة تماما عن غيرها، ويقول: "بالنسبة لي، لقد كان درسا في التوقيت".
وأمر رئيس الوزراء شينزو آبي بحالة طوارئ (غير إجبارية) في 7 أبريل الماضي، طالبا من الناس البقاء في منازلهم "إن أمكن".
وأضاف شيبويا قائلا: "إذا تأخرت مثل هذه الاجراءات لكنا واجهنا وضعا مماثلا لنيويورك ولندن، فمعدل الوفيات في اليابان منخفض".
قلة الأمراض الكامنة
وأظهر تقرير حديث صادر عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، أنّ الأشخاص الذين يعانون من حالات طبية كامنة مثل أمراض القلب والسمنة والسكري تزيد احتمالات نقلهم للمستشفى 6 مرات إذا أصيبوا بكوفيد-19 كما أنّهم أكثر عرضة للوفاة 12 مرة عن غيرهم.
ويوجد في اليابان أدنى معدلات لأمراض القلب والشرايين والسمنة في العالم المتقدم. ومع ذلك، يصر العلماء على أنّ مثل هذه العلامات الحيوية لا تفسر كل شيء.
ويقول فوكودا: "قد يكون لهذه الأنواع من الاختلافات الجسدية بعض التأثير، لكن أعتقد أنّ المجالات الأخرى أكثر أهمية، لقد تعلمنا من كوفيد أنّه لا يوجد تفسير بسيط لأي من الظواهر التي نراها، إنّها عوامل كثيرة تساهم في النتيجة النهائية".
واعتمدت اليابان على الشيء ذاته؛ وهو كسر سلسلة العدوى. وفي اليابان يمكن للحكومة الاعتماد على الجمهور في الامتثال لتعليماتها.
ورغم عدم إصدار الأمر للناس بالبقاء في المنزل، إلا أنّهم فعلوا ذلك، وطلبوا من الناس التزام الحذر، والابتعاد عن الأماكن المزدحمة، وارتداء الكمامة وغسل أيديهم، وبصفة عامة، كان ذلك بالضبط ما فعله معظم الناس.