كيف صمد الاقتصاد في "الشهور العجاف"؟!

كيف صمد الاقتصاد في "الشهور العجاف"؟!
- الاقتصاد
- العمال
- البنوك
- عمال المقاولات
- التسهيلات الضريبية
- فيروس كورونا
- كورونا
- كوفيد 19
- الاقتصاد
- العمال
- البنوك
- عمال المقاولات
- التسهيلات الضريبية
- فيروس كورونا
- كورونا
- كوفيد 19
يمكن أن تطلق عليها الشهور العجاف.. يمكن أن تسميها «شهور الاختبار».. يمكن أن تصفها بـ«الكابوس» الذى هدد كل شىء حتى الوجود الإنسانى ذاته.. فالجميع خلال الشهور الأربعة الماضية كان تحت الاختبار.. الحكومة أمام اختبار شرس فى «إدارة الأزمات» وتوفير السلع وضمان تدفق الدخل.. أرباب الأسر أمام اختبار أكثر شراسة فى تدبير احتياجات أسرهم فى ظل ظروف ساءت دون سابق إنذار.. ودخل تدهور بين عشية وضحاها.. المستثمر أمام «اختبار البقاء» لمشروعه أو مشروعاته.. كيف سيستمر فى الإنتاج؟.. وكيف يؤمن نفقات شركته؟!
قامت هذه الاختبارات على الاختيار.. «أعمل.. أم أتوقف؟» بالنسبة للمستثمر وأصحاب المشروعات والحرف.. «أتوسع.. أم أنكمش؟» بالنسبة للحكومة.. «أنفتح أم أنغلق؟» بالنسبة للدولة ككل.. بينما لم ينعم العمال بفرص الاختيار وكانوا ينتظرون «تقرير المصير» من أصحاب الأعمال وعليهم أن يقبلوا القرار.. فهنا الحسابات ترتبط بـ«لقمة عيش البسطاء» التى ينبغى أن تأتى حتى ولو كانت المخاطرة بالحياة نفسها!
"التوسع النقدى والمالى" ينقذ الاقتصاد من الركود.. ونمو السيولة المحلية وقروض البنوك "كلمة السر" فى استمرار البيع والشراء بالأسواق
فى كل الأحوال مر الاختبار بسلام.. ونجحت الدولة فى حماية اقتصادها من الانهيار.. ولم تتح فرصة واحدة لاختلال السوق ونقص السلع.. ولم تبخل فى إنفاقها على «مضادات الأزمة»، حيث قدمت الدولة التسهيلات الضريبية والدعم المباشر للمشروعات الإنتاجية.. ورفعت الإنفاق على مشروعات البنية التحتية لضمان بقاء عشرات الآلاف من عمال المقاولات فى أعمالهم.. يشيدون الطرق ويبنون المساكن التى تطرحها الدولة لمحدودى ومتوسطى الدخل.. والإنفاق الاجتماعى تضاعف بعد تخصيص منح للعمالة غير المنتظمة.. وسجل الإنفاق على الخدمات الصحية رقماً قياسياً لتوفير الأدوية وأدوات الوقاية اللازمة لمواجهة الجائحة فى دولة يسكن بها فوق الـ100 مليون شخص وإمكانياتها الاقتصادية ما زالت محدودة.
الاختيار الأول للحكومة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء بين «الانكماش» و«التوسع» كان صائباً، حيث اختارت الحكومة أن تتبع سياسة اقتصادية توسعية بشقيها المالى والنقدى لتعزيز السيولة فى الاقتصاد ودعم دخول الأفراد وتشجيع أصحاب الأعمال.. فعلى صعيد السياسة المالية أقرت الحكومة برنامج إنفاق عاجل قيمته 100 مليار جنيه تم تخصيصه لدعم القطاع الصحى وتعزيز مخصصات الصرف على التموين والدعم الاجتماعى والباب السادس المتعلق بالموردين والمقاولين العاملين مع الدولة، بالإضافة لدعم قطاعى السياحة والطيران، اللذين كانا أكثر القطاعات تأثراً بجائحة كورونا، ليس فى مصر فحسب بل فى العالم أجمع، بالإضافة لبنود صرف أخرى. ويأتى هذا التوسع المالى برغم انهيار إيرادات الدولة فى عدد من البنود الرئيسية، أهمها ضرائب الدخل والرسوم الجمركية وغيرها.. ومن المتوقع أن يؤدى هذا التوسع المالى لانعكاسات سلبية فيما يتعلق بالدين العام للدولة ولكن لم يكن هناك طريق أفضل من ذلك.
"الاحتياطى الأجنبى التاريخى" يدعم الدولة فى مواجهة الأزمة.. والحكومة تهزم قاعدة "ارتفاع الأسعار وقت الأزمات"
أما على الصعيد النقدى فاتجهت الدولة إلى تطبيق سياسة نقدية توسعية بكفاءة، ساعدها فى ذلك وجود بنك مركزى قوى تحت قيادة طارق عامر محافظ البنك.. حيث قررت لجنة السياسة النقدية للبنك المركزى فى 16 مارس الماضى تخفيض أسعار الفائدة على الإيداع والاقتراض بـ300 نقطة أساس دفعة واحدة، لتسجل 9.25٪ و10.25٪ على التوالى.. وذلك من أجل دعم السيولة فى الاقتصاد وتشجيع الاقتراض بهدف الاستثمار أو الاستهلاك لدفع السوق بعيداً عن الركود الذى كان يمثل الخطر الأكبر أمام الاقتصاد.. كما أعلن «المركزى» عن العديد من المبادرات لدعم الصناع والشركات السياحية والعديد من الفئات التى تضررت من جائحة كورونا.. وكانت البنوك الوطنية «كلمة السر» فى تنفيذ هذه المبادرات، خاصة البنك الأهلى المصرى وبنك مصر اللذين أصدرا شهادات ادخارية بعائد قياسى سجل 15% لحماية صغار المدخرين من تآكل عوائد مدخراتهم التى يعيشون عليها.. وفى الوقت ذاته توفير سيولة مالية مناسبة فى بنوك الدولة التى يعتمد عليها البنك المركزى بنسبة كبيرة فى تنفيذ مخططاته لدعم الاقتصاد والمواطن. ونتج عن سياسات التوسع المالى والنقدى التى نفذتها الدولة زيادة فى حجم السيولة المحلية، وهو ما أوضحته بيانات البنك المركزى التى كشفت عن زيادة السيولة إلى 4.28 تريليون جنيه فى نهاية مارس 2020 مقابل 4.19 تريليون جنيه فى نهاية فبراير السابق عليه.. بما يشير إلى زيادة السيولة المحلية بنحو 90 مليار جنيه تقريباً فى شهر واحد وبمعدل زيادة 2.14% يعتبر أكبر معدلات النمو الشهرى للسيولة منذ فترة طويلة مضت.. وارتفعت السيولة المحلية كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى إلى 64.6% لتسجل أعلى معدل لها فى آخر 5 سنوات. وساهمت هذه السياسات أيضاً فى نمو قروض البنوك، حيث ارتفعت من 1.89 تريليون جنيه فى فبراير 2020 إلى 2 تريليون جنيه فى مارس الماضى، بزيادة حوالى 110 مليارات جنيه خلال شهر واحد، منها 15 مليار جنيه زيادة فى القروض الشخصية للأفراد، و12 مليار جنيه زيادة فى قروض القطاع الصناعى، و6 مليارات جنيه زيادة فى قروض القطاع التجارى، و10.5 مليار جنيه زيادة فى قروض قطاع الخدمات، الذى يندرج تحته القطاع السياحى وقطاعات حيوية أخرى. وساهمت زيادة السيولة المحلية والقروض فى تعزيز معدلات الإنفاق على الاستهلاك والاستثمار فى الاقتصاد خلال الشهور التالية لشهر مارس وبالتحديد الشهور الثلاثة الماضية، الأمر الذى انعكس بالإيجاب على حركة البيع والشراء فى السوق ودعم الكثير من القطاعات فى استمرار دوران عجلة الإنتاج وعدم فقدان الكثير من العاملين لوظائفهم.
تراجع متوقع فى النمو الاقتصادى إلى 4.2% فى العام المالى الماضى.. وتوظيف الخريجين الجدد والعائدين من الخارج أبرز تحديات الحكومة.. و"التزام المواطن بالوقاية" يجنبه دفع ثمن أرباح الاقتصاد
تحدٍ آخر نجحت فيه الحكومة على مدار الشهور الماضية، وهو توفير السلع فى السوق وضمان عدم شحها على نحو يؤدى لظهور السوق السوداء والارتفاعات الكبيرة فى الأسعار.. وتمكنت الحكومة من تحقيق ذلك من خلال 3 عوامل رئيسية؛ الأول يتعلق بتأمين احتياطى مناسب من السلع الأساسية وبالتحديد القمح والأرز والسكر والزيت واللحوم والأسماك، والثانى يتعلق بتشجيع الحكومة لاستمرار عجلة الإنتاج خاصة فى القطاع الصناعى الغذائى، وأقرت لذلك عدداً كبيراً من المحفزات.. والثالث يتعلق بضمان انتظام توريد السلع الأساسية التى تستوردها مصر من السوق العالمى. وبالفعل نجحت الحكومة فى هذه المهمة باقتدار ولم يُلاحظ أحد نقص السلع فى الأسواق حتى فى الأوقات التى اشتدت فيها الأزمة، خاصة خلال شهر أبريل الماضى.. ولم يُلاحظ أيضاً وجود أى ارتفاعات غير مبررة فى أسعار السلع على غير عادة الأزمات فى مصر خلال العقدين الأخيرين.. بل تراجع التضخم العام السنوى من 5.9% فى أبريل الماضى إلى 4.7% فى مايو.. وتراجع معدل التضخم الأساسى -الذى يتم احتسابه بعد استبعاد عدد من السلع التى تخضع لسلة التضخم العام ومنها السلع التى يتم تحديد أسعارها إدارياً وبعض السلع التى تتأثر بصدمات العرض المؤقتة - من 2.5% فى أبريل 2020 إلى 1.5% فى مايو الماضى.. وهى معدلات منخفضة وتتفق مع مستهدفات البنك المركزى للتضخم التى تعد المرشد الأول لسياسته النقدية.
وتمكنت الدولة من الوفاء بجميع التزاماتها الخارجية خلال الفترة الماضية ولم تتخلف عن سداد أى منها، سواء المتعلقة بأقساط القروض التى حل موعد استحقاقها أو نفقات استيراد السلع الأساسية المختلفة، وذلك برغم التراجع الكبير فى مصادر الإيرادات الأجنبية للاقتصاد بتوقف السياحة والطيران وتراجع الرسوم الجمركية وانهيار تحويلات المصريين بالخارج وغيرها من البنود.. وأدى ذلك إلى تراجع الاحتياطى النقدى من العملات الأجنبية من 45.5 مليار دولار فى نهاية فبراير -أى قبل اشتداد وطأة الأزمة - إلى حوالى 36 مليار دولار فى نهاية مايو الماضى، وبذلك فقد الاحتياطى 9.5 مليار دولار خلال 3 أشهر.. وبالرغم من هذا التراجع فإن الاحتياطى النقدى ما زال عند مستوى متميز يغطى 6.5 شهر من الواردات مقابل مستويات أمان مطلوبة لا تقل عن 3 أشهر.. بما يعنى أن الاحتياطى الأجنبى للدولة ما زال آمناً ومطمئناً. ويعود الفضل فى بناء هذا الاحتياطى الضخم للحكومة وبالتحديد البنك المركزى المصرى، الذى تمكن من إدارة الاحتياطى بشكل جيد قبل ظهور الأزمة وعمل بسياسة واضحة لبنائه ووصوله لمعدلات تاريخية لم يسبق تحقيقها أو الاقتراب منها من قبل، الأمر الذى أفاد كثيراً الدولة فى خطة إنفاقها خلال الأزمة.. وما زال.
مؤخراً اتبعت الحكومة سياسة الانفتاح التدريجى على كافة الأنشطة، وبدأت منذ الأسبوع الماضى فى إعادة الكثير من الأنشطة الاقتصادية ولكن بتدابير احترازية سيكون المواطن هو الفيصل فى مدى الالتزام، بها سواء عامل أو مستهلك أو صاحب عمل، حتى لا تتدهور الأوضاع الصحية فى الدولة وتضطر الحكومة إلى مراجعة هذه الإجراءات وتطبيق الإغلاق من جديد.. وبهذا تكون الحكومة قد وضعت حداً للشهور العجاف، خاصة مع عودة الطيران والسياحة، ولو بشكل تدريجى، وانتظام عجلة الإنتاج فى مختلف قطاعات الاقتصاد تدريجياً.. ولكن من المتوقع أن يدوم أثر الإغلاق فى الشهور الماضية إلى ما هو أبعد من ذلك، وسيؤثر بالتأكيد على معدلات نمو الاقتصاد المصرى، حيث تتوقع الحكومة أن يسجل الاقتصاد نمواً بنحو 4.2% فى العام المالى 2019/2020، الذى انتهى منذ أيام، وتتفق هذه التوقعات بشكل كبير مع توقعات وكالة موديز العالمية التى توقعت أن يسجل الاقتصاد نمواً بـ4.4% خلال الفترة نفسها. كما سيؤثر هذا الإغلاق على فرص التوظيف الجديدة، الأمر الذى يضع أمام الحكومة عدة تحديات لا بد أن تلتفت إليها خلال الفترة المقبلة، فى مقدمتها تشغيل الخريجين الجدد وتدبير وظائف بديلة للعاملين الذين فقدوا وظائفهم خلال الشهور الماضية أو العائدين من الخارج بعد أن فقدوا وظائفهم هناك.