طلب جزية.. أستاذ تاريخ يروي كواليس طرد سفير تركيا من مصر قبل 66 عاما

كتب: سلوى الزغبي

طلب جزية.. أستاذ تاريخ يروي كواليس طرد سفير تركيا من مصر قبل 66 عاما

طلب جزية.. أستاذ تاريخ يروي كواليس طرد سفير تركيا من مصر قبل 66 عاما

مصر وتركيا، رابط قديم الأزل، بين دولة ذات سيادة وريادة في منطقة الشرق الأوسط بحكم التاريخ والموقع والمكانة، ودولة تحركها أطماعها ويحكمها الحنين للظواهر الاستعمارية التي ولّت، متصوّرة أنّ التاريخ قد يعيد نفسه، ذلك التاريخ الذي واجهه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بضراوة، وصلت إلى تصدر مانشيت "طرد سفير تركيا من مصر"، صحيفة الأهرام عام 1954، وإمهاله مدة لا تتجاوز الـ24 ساعة للرحيل خارج أراضي المحروسة.

الحملات المستمرة على سياسة قادة الثورة وتوجيهه ألفاظًا نابية لجمال عبدالناصر، كانت من بين أسباب طرد السفير التركي، يروي الدكتور جمال شقرة أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، لـ"الوطن"، ملابسات الحدث وما سبقه وتلاه من أحداث.

حين قامت ثورة 23 يوليو ضد الاستعمار وأعوانه من الخونة رفعت المبادىء الستة الشهيرة، وأطلق عبدالناصر على الوطن العربي، مصطلح الدائرة العربية في كتاب "فلسفة الثورة" سنة 1953، ولما طرح المصطلح كان معناه أنّ مصر وقفت ضد الرجعية العربية والقوى الإقليمية الطامعة في الوطن العربي، وفي هذا الوقت كانت تركيا لها أطماع، وتنظر إلى مصر على أنّها ولاية عثمانية، لكن أن تقوم ثورة راديكالية في مصر وتلقى مبادئها الرواج، وتحفز الدول العربية التي تحكمها أنطمة رجعية كالعراق واليمن وغيرها، حتى حركات التحرر الوطني في القارة الأفريقية وآسيا وأمريكا اللاتينية، فكانت الثورة ضد الرجعية والاستعمار والقوى الإقليمة الطامعة في بقاء الحال كما هو عليه، على الأقل كتركيا وايران.

أفكار ثورة يوليو هددت الأطماع التركية في الشرق الأوسط

بدأت تركيا عن طريق سفيرها انتقاد الضباط الأحرار، والنظر إلى ثورة يوليو على أنّها انقلاب عسكري، وكانت تركيا في هذا الوقت مرتبطة بحلف بغداد الاستعماري المرتبط بالدول الاستعمارية خاصة إنجلترا، لأن ثورة يوليو وجهت الضربة للاستعمار البريطاني ونجحت في عقد اتفاقية الجلاء، فكانت الثورة بأفكارها تهدد الأطماع التركية في إقليم الشرق الأوسط، وتكررت عبارات السفير المعادية لثورة يونيو من ناحية.

ووقع السفير في خطأ حين طالب بالجزية التي كانت تأخذها الدول العثمانية من مصر، متناسيا أنّ الدول العثمانية سقطت عام 1924، وجاء ليطالب مصر بالمتأخرات التي عليها، عند هذا الحد طرده عبدالناصر شر طردة وبدأت تتفجر ثورات التحرر الوطني وسقوط حلف بغداد، فانتصرت الثورة وتراجعت تركيا، لكن عندما تمت الوحدة المصرية السورية عام 1958 دخلت تركيا مع المتآمرين على توحد العرب، وتخوفوا كثيرا أن تصل العدوى لبقية الدول ويوحد العالم العربي، وعليه هوجمت الوحدة حتى أفشلوها عام 1961، وكان لتركيا دور جنبا إلى جنب مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في إفشال التجربة.

"يارب يا متجلي إهلك العثمانلي".. هتاف مصري توارثته الأجيال منذ عام 1517

يعبر شقرة عن محاولات التدخل التركي من حين لآخر بأنّها تحن إلى الناضي متصورة أنه من الممكن أن يعيد التاريخ نفسه، إلا أن التاريخ لا يعيد نفسه مصر عظيمة وإن كانت قد هزمها سليم الأول وشنق طومان باي سنة 1917  ومصر الحالية من أقوى دول المنطقة ولم تستسلم.

"يارب يا متجلي أِهلك العثمنلي"، كان شعار المصريين الذي هتفوا به منذ شنق طومان باي وأوروثوه لأبنائهم وأحفادهم، ليوضح شقرة أنّ مصر تغيرت منذ دخلت التاريخ الحديث، ولقنهم إبراهيم ابن محمد علي درسا وهزمهم على يد الأسطول المصري، واستسلم السلطان العثماني، لكن المؤامرة الكبرى ضربت محمد علي وحجمت عبد الناصر عام 1967.

في 2013 اعتبرت مصر سفير تركيا غير مرغوب فيه وخفضت التمثيل الدبلوماسي

لم تكن واقعة طرد السفير التركي من مصر في عهد عبدالناصر الأخيرة، لكنها تكررت عام 2013، حين قررت الخارجية المصرية اعتبار سفير تركيا في القاهرة شخصا غير مرغوب فيه، وخفضت التمثيل الدبلوماسي مع تركيا إلى مستوى القائم بالأعمال، كما جددت الحكومة المصرية اتهامها لأنقرة بالتدخل في الشؤون المصرية الداخلية، ومحاولة تأليب المجتمع الدولي ضد مصالحها، إذ كانت تأمل في السيطرة بعد وصول جماعة الإخوان إلى سدة الحكم في مصر، وهو ما أفشلته السلطات المصرية والشعب المصري الذي ثار على الإخوان حتى أسقطهم.

وقبل ساعات من إقرار مصر وإعلانها طرد السفير التركي لديها، كانت تركيا تستضيف مؤتمرًا للتنظيم الدولي للإخوان بعنوان "مؤتمر تحالف الحقوقيين الدوليين" لمقاضاة مصر والنظام الحالي في الجنائية الدولية، للتحقيق في انتهاكات لحقوق الإنسان بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة.

ولازالت تركيا تحوم حول مصر، بدعمها للميليشيات المسلحة في طرابلس سواء بالأسلحة الثقيلة أو المرتزقة السوريين الذين نقلوا من الشمال السوري إلى العاصمة الليبية.


مواضيع متعلقة