مصر وتركيا.. أصل الحكاية!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

لماذا لا يدرس تلاميذ الابتدائى مواد الثانوية العامة مباشرة؟ لأنها أكبر من وعيهم وعقولهم، والأمر يحتاج إلى تمهيد طويل يحتاج لسنوات حتى يستطيعوا بالتراكم فهم مقررات الثانوية!

فى السياسة الحديث يتوجه إلى الكبار مباشرة لكن بعض القضايا يحتاج فهمه إلى ترتيب وتراكم ليس بالضرورة يحتاج لعدة سنوات.. تكفى فقط عدة حلقات من سلسلة مقالات ليعرف القصة بكاملها.

تركيا.. الوريث الشرعى لإمبراطورية سابقة هُزمت فى حربين عالميتين وتم إذلالها باقتطاع أجزاء منها ومنحها أخرى، والهدف تمزيق أوصالها كدولة عدوانية، وليس لأنها دولة إسلامية.. فتمزيق الأوصال تم مع ألمانيا مثلاً وغيرها، كما أن هذه الدولة المفترض إسلامية هى بنفسها من احتلت دولنا العربية وأذلت شعوبنا وقتلتها.. وهى نفسها الدولة التى اغتصبت أراضى سورية عديدة مع لواء الإسكندرون الشهير.. ومنذ سنوات وبأحلام عودة الإمبراطورية الضائعة إن لم يكن بالتمدد جغرافياً على الأرض فعلى الأقل بالنفوذ.. وفى العقل الباطن للقيادات التركية الانتقام مما جرى فى معاهدات عديدة أجبرت الأتراك على القبول بالذل، مثلما جرى فى لوزان وغيرها.. ومنذ سنوات ويتم تمهيد الأرض لذلك.. أهم ما فيها التربية القومية التى تتكلم عن القومية التركية، وفيها تجد هناك فى تركيا شبه إجماع، والاختلاف بين السياسيين يكون فى الدرجة وفى الشكل وليس فى النوع، حتى فى الإجرام والعدوان على الآخرين.. الاختلاف فى تفاصيل لكنهم يعرفون ماذا يريدون فى نهاية الأمر! وليس غريباً أن يكون خصم أردوغان الآن أحمد داوود أوغلو هو مهندس السياسة التركية كلها، ولذا وافق على اتفاق أردوغان السراج!

قوى التآمر العالمى التقطت ذلك، وقررت توظيف هذه الأحلام لخدمة مشروعها هى.. وليس هناك مشكلة أن يعتقد أردوغان أنه فى طريقه لإنجاز أحلامه هو، بينما هو فى الواقع يحقق مخططات أخرى.. أكبر منه بل وقادرة على سحقه تماماً، وربما يحدث فى الوقت المناسب.. ولإنجاز ذلك تم إعداد تركيا لتطرح نفسها قائدة للعالم الإسلامى أفضل من أن تبقى فى ذيل أوروبا!! ومن أجل ذلك أيضاً اصطنعت مواجهات مع إسرائيل، ليبرز فيها أردوغان كزعيم إسلامى مهتم بقضايا مزمنة فى المنطقة كالقضية الفلسطينية، ومن وقتها يتم إعداد الطابور الخامس فى بلادنا العربية، ليس ليكونوا بناة أوطانهم أو حتى مواطنين فى بلدانهم، إنما ليكونوا جند السلطان الجديد المتطلع لعودة إمبراطوريته الغابرة!

فى مصر.. التى كانت حتى وهى جريحة فى 67 دولة، ذات مشروع فى المنطقة خرجت الجماهير تعيد قائدها بعد النكسة، ويحمل أهل السودان سيارته فى مشهد أذهل العالم.. ومن الاستنزاف إلى أكتوبر وبدلاً من تأكيد القيادة واستمرار المشروع بعد الانتصار اختارت مصر وقتها طريقاً آخر سكنت فيه فى دار الرعاية الأمريكية، جنباً إلى جنب إسرائيل ودول أخرى، وتركت مختارة وبإرادتها القيادة وتركت المشروع!

تمر الأيام ودور مصر يتراجع ويتراجع.. مقيدة بمعاهدات ممكن.. كبلت بالديون جائز.. قل ما تشاء لكن بقى الأخطر على الإطلاق كونها إما جزءاً من مشاريع أخرى والاندفاع إلى أفغانستان دليل، أو تتفرج على مشاريع غيرها.. وتمر الأيام ويصل إلى السلطة فى مصر بكل أسى رجال مشروع أردوغان!! ولكن وفى أسطورة ستروى كاملة فى المستقبل يسترد المصريون وطنهم.. ويتولى أمره رجال نثق فى وطنيتهم، ومن بينهم من نثق فى وطنيته وطهارته.. ويبدأ بأهم ملفين على مكتبه.. الأمن والبطالة.. ثم استنهاض الهمة وإثبات قدرة المصريين على الفعل، فكانت قناة السويس الجديدة وبعدها الانطلاق فى كل الملفات وفى وقت واحد، من الطاقة والطرق والعشوائيات والصناعة والإصلاح الإدارى والتسليح العصرى لكافة أفرع الجيش العظيم، إلى إعادة بناء الإنسان المصرى فى بنيته وفى وعيه واستعادة حقوق غائبة لفاعلين أساسيين به، مثل المرأة والشباب وذوى القدرات الخاصة، إلى إعادة تأهيل مصانع القطاع العام والإضافة إليها وكافة الملفات، رافعاً شعار بناء مصر أولاً مع استعادة الدور شيئاً فشيئاً، خصوصاً الذى كان موجوداً فى الستينات وضاع مع ما ضاع.. وليس بالضرورة أن يعود الدور بالصورة ولا الطريقة نفسها التى كان عليها، فلا الظروف بقيت كما كانت ولا المعادلات الإقليمية والدولية كما هى، وبدأت ملامح الدور تظهر فى أفريقيا وعربياً شيئاً فشيئاً، ولكن مع معادلات بالمنطقة صعبة ومعقدة.. وهنا وقبل وصول مصر إلى مرحلة لا يمكن إيقافها فيها يستخدم المتآمر الخفى كل أوراقه.. فيتو على استمرار مصر فى استنهاض نفسها.. تمول قطر وتدير تركيا وينفذ الإخوان وتبقى إسرائيل تصافح وتوافق على تسهيلات إبراء الذمة ضد الإرهاب فى سيناء.. والخلاصة مشاريع لإسرائيل وإيران وتركيا فى المنطقة فى مواجهة دولة استردت أنفاسها بعد جهد أسطورى، لكن مطلوب كتم هذا النفس بأى ثمن! دولة تلتزم بقيم المجتمع الدولى وثوابت الأسرة الدولية من احترام معاهداتها والتزاماتها إلى احترام القانون الدولى وما أقرته المنظمات الدولية.. دولة لا تتدخل فى الشئون الداخلية للدول ولا تتحالف ضد أحد، وتؤمن أن الشعوب وحدها هى التى من حقها اختيار حكامها دون وصاية فى إطار الدولة الوطنية التى لا تعرف الطائفية ولا المذهبية ولا القبلية.. دولة أن تمتلك جيشاً كبيراً لكنها لم تطلق رصاصة واحدة على حدود أى دولة أخرى!

لا سامح الله من أوصل مصر إلى ما نحن فيه، وقزم دورها وأخرها.. وأعان من يريد عودة مصر لمكانتها.. وهو ما لن يتم إلا بالالتفاف حوله أو للدقة إلى مزيد من الالتفاف حوله ودعمه فى كل معاركه التى يخوضها، من المعركة فى البناء والتنمية إلى المعارك ضد الفساد والإهمال والبيروقراطية والروتين وكافة مشكلات مصر المزمنة.. وللحديث بقية.