خوارج أمريكا وأمير مؤمنيها..!

عندما أوشك جيش «علىّ» أن يظهر على جيش معاوية فى واقعة صفين، بادر داهية العرب عمرو بن العاص إلى نصح معاوية برفع المصحف الشريف على أسنة الرماح فى وجه جيش «علىّ» الغالب. فعلها جنود معاوية فانفرط عقد جيش «علىّ» وانقسم ما بين مطالب بالاستمرار فى القتال، ومطالب بكف الأيدى ويتساءل: كيف نقاتل قوماً طالبوا بتحكيم كتاب الله؟. النتيجة التى ترتبت على ذلك حرب أهلية ضروس لم يزل المسلمون يعانون من ويلاتها حتى اللحظة المعاشة. فمن ظهر «علىّ» خرج الحسين، ومن ظهر معاوية خرج يزيد، وقتل «يزيد»، «الحسين»، ونشب الخوارج أظافرهم فى الجميع. وحتى اللحظة لم يزل الصراع بين أحفاد الحسين وأحفاد يزيد على أشده. وفى العصر الحديث كانت أول خطوة قام بها حسن البنا وهو يمهد الطريق لجماعة الإخوان عام 1928 أن رفع المصحف بيده وأخذ يصرخ «الطريق ها هنا.. الطريق ها هنا»، وليس ثمة حاجة لأحكى لك ما ترتب على ذلك من صراعات ما زلنا نعانى منها حتى اليوم.

فى أوروبا العصور الوسطى رفع دعاة الحروب الصليبية وأنصارها الإنجيل فى أيديهم، ونادوا بالحرب المقدسة لتحرير أرض المسيح. واشتعل أوار حرب دينية أكلت فى طريقها عشرات الآلاف من البشر.

ومنذ أيام رفع «ترامب» الإنجيل فى مواجهة المنادين بنبذ العنصرية، ومحاكمة عادلة لقاتل جورج فلويد. قد يكون هناك من يحرك المظاهرات ويحول وجهتها نحو التخريب، كما أكد ترامب، مثل جماعة أنتيفا والأناركية وغيرهما. لكن ما لم يقله «ترامب» أن هذه الحركات جميعها «خوارج أمريكا» خرجت من رحم التكريس للعنصرية، ورفعت شعارات معاداة الفاشية والتمييز العنصرى. وبذكاء التاجر بادر ترامب إلى مواجهة الشارع الأمريكى المحتج والغاضب برفع «الإنجيل» بيده والترجل إلى الكنيسة القريبة من البيت الأبيض، فى إشارة واضحة ودعوة صريحة لليمين الأمريكى المتطرف الداعم له للتحرك فى حشود مضادة.

فى تقديرى أن «ترامب» كان واعياً بالخطوة وهو يخطوها، ومستوعباً لأثرها فى الواقع، وهى فى المجمل تحمل مغزى انتخابياً يأتى فى سياق حملة ترامب للفوز بمدة رئاسة ثانية للولايات المتحدة الأمريكية، لكن ذلك لا يعنى بحال براءة الخطوة من الخسائر. فاللعب بورقة الدين تنطوى على خطر جسيم. وإذا كانت فكرة «التكفير الدينى» غائبة إلى حد ما عن ساحة التطرف فى الغرب، فإن «ترامب» جاء بفكرة لا تقل عنها خطورة وهو يتحدث عن خصومه من خوارج أمريكا، حين دمغهم بما يشبه «التكفير السياسى». الفكرة تبدو غريبة للغاية على مجتمع يؤمن بالديمقراطية والليبرالية وحق الناس فى التعبير عن الرأى وتبنى الأفكار دون مضايقات. كما أن دعوة «ترامب» إلى التعامل بالقوة والتهديد بكل أدواتها ينذر بخطر ليس بالهين على المجتمع الأمريكى. فعندما يتم إسكات الأصوات، ويتم التعامل مع من يتجرأ على البوح أو التعبير بالعنف القاهر، فإن ذلك يعنى تمهيد الأرض للعنف المضاد. ولا يخفى عليك النتائج التى يمكن أن تترتب على مثل هذا التحول من صراع غير محمود العواقب بين خوارج أمريكا وأمير مؤمنيها.