«غزل المحلة».. قلعة دمرها «الفساد والخصخصة والإهمال»
![«غزل المحلة».. قلعة دمرها «الفساد والخصخصة والإهمال»](https://watanimg.elwatannews.com/old_news_images/large/225639_Large_20140430101631_11.jpg)
داخل شارع طلعت حرب بمدينة المحلة الكبرى، تقع واحدة من أهم قلاع الصناعة المصرية، شركة مصر للغزل والنسيج، التى أسست عام 1927، وأسهمت على مدار سنوات كثيرة فى إعلاء الاقتصاد المصرى، حيث كانت تصدر الشركة إلى أكثر من 150 دولة حول العالم، ولكن خلال السنوات العشر الماضية، تحولت الشركة من الربح إلى الخسارة، حتى وصلت خسائرها خلال السنوات الأخيرة منذ عام 2011 حتى عام 2013 إلى 780 مليون جنيه، طبقاً لتقرير الجهاز المركزى للمحاسبات.
ارتبط اسم شركة الغزل والنسيج التى يوجد بها أكثر من 20 ألف عامل، بالإضرابات التى ما تلبث أن تتوقف حتى تبدأ من جديد.
ياسر سلامة أحد عمال شركة غزل المحلة يعمل فى الشركة منذ 23 سنة، يقول: إن العمال حاولوا تشكيل ائتلاف عقب ثورة يناير، حتى يمكن وضع حلول للعمال وأخذ حقوقهم وتطهير الشركة من الفساد الذى لحق بها على مدار السنوات الماضية، وإن شركة غزل المحلة تضم 8 مصانع للغزل، و16 مصنع نسيج، و7 مصانع للملابس الجاهزة، وهناك عدد من الورش للنجارة والميكانيكا، ومحطة كهرباء تستطيع تغذية مدينة المحلة بأكملها.
وأضاف: «عشت فى الشركة أو بيتى الثانى أكثر من نصف عمرى، فمنذ تأسيسها على يد رائد الاقتصاد المصرى طلعت باشا حرب، توسّعت الشركة فى عمليات التصنيع، خصوصاً فى فترة الستينات، حققت الشركة رواجاً كبيراً.
وكانت تنتج كل المنتجات، بداية من غزل القطن حتى تصنيع الملابس الجاهزة، لكن فى عهد مبارك، وهذه هى الفترة التى عاصرتها فى الشركة، كانت فى بداية حكمه مستمرة فى نشاطها والتوسع فى التصدير، حتى إن الشركة كانت تصدر إلى أكثر من 150 دولة حول العالم، ولكن منذ تولى عاطف عبيد رئاسة الوزراء فى عهد مبارك، عمل على خصخصة الشركات، وكانت شركة مصر للغزل والنسيج، على رأس الشركات المستهدفة».
يتابع «ياسر»: «تعمد بعض المسئولين فى الحكومات التى سبقت ثورة يناير إهمال الشركة تمهيداً لبيعها، فخسائر الشركة الحقيقية بدأت منذ عام 2006، مما أدى إلى خروج العمال فى مظاهرات يوم 6 أبريل عام 2008، بعد ذلك أصدر مبارك قراراً برفع مديونيات الشركة، لكن سرعان ما تحولت الشركة مرة أخرى إلى الخسارة، حتى تولى رئيس الشركة الحالى الذى زادت الديون والخسائر فى عهده لتصل إلى مليارات الدولارات». يتنهد «ياسر» قليلاً ثم يكمل بحزن: «فى الستينات كانت شركة غزل المحلة تصنع منسوجات، وملابس جاهزة على أعلى مستوى من الجودة، جعلتها إحدى الشركات الرائدة فى التصدير إلى الخارج، كانت الشركة تعمل بقوة 43 ألف عامل، والآن انخفض العدد إلى النصف تقريباً وأصبحت الشركة تعمل بربع طاقتها فقط».
ويقول عبدالعزيز حسانين الذى يعمل فى الشركة منذ أكثر من 20 سنة، أحد القيادات العمالية بالشركة: إن شركة الغزل والنسيج فى المحلة كانت مثل الفاكهة، فكل الشخصيات المهمة والأثرياء كانوا يرتدون ملابسهم من شركة المحلة، وكانت تصدر «البدل الجاهزة» إلى معظم دول أوروبا، لكن لم يعد هذا هو حال الشركة الآن، فتوقف التصدير إلى معظم هذه الدول، وتقلّص المنتج ولم تعد الشركة إلى سابق عهدها.
ويضيف: «العمال لا يعانون من ضعف المرتبات وضيق الحال فقط، لكنهم يحزنون على وضع الشركة السيئ الذى آلت إليه، حيث لم يتم تطوير منتجات الشركة منذ الثمانينات بسبب سوء الإدارة والتنظيم والتخطيط داخل الشركة، ولا يوجد حالياً أى خبراء للارتقاء بالمنتج لمجاراة الأذواق العالمية الجديدة».
يرى «عبدالعزيز» أن تشجيع الدولة على زراعة القطن، سيعمل على رفع كفاءة المنتج النهائى، لكن الدولة لم تعد تهتم حالياً بزراعة القطن، وأصبحت تعمل على تصدير القطن المصرى «جيزة 85 و86»، وهو أهم أنواع القطن فى العالم، وتفضّل استيراد القطن من الخارج، وهو أقل جودة من القطن المصرى، مما ينعكس سلباً على المنتجات المصنّعة فى مصر. وأشار إلى أن الدولة تأخذ سعر القطن من الفلاح بأقل من سعره العالمى، مما يؤدى إلى تقاعس الفلاح عن زراعة القطن، لأنه لا يجد منه أى منفعة.
أما القيادى العمالى ناجى حيدر الذى يعمل فى شركة غزل المحلة منذ 33 سنة فيقول: شركة غزل المحلة تمثل ثلث قوة مصر فى صناعة الغزل والنسيج، التى بدأ إنتاجها يتقلص بعد زيادة تصدير القطن المصرى إلى الخارج، وأصبح الإنتاج متوقفاً عند غزل القطن فقط، دون الانتقال إلى المراحل الأخرى، من قماش وملابس جاهزة، حتى إن المخازن توجد بها كميات كبيرة من المنتج لم يسوق حتى الآن، وبالتالى عملت الإدارة على تكهين بعض الماكينات نتيجة توقفها عن العمل، كما أن معظم إنتاج الشركة فى الفترة الحالية مخصص لتصنيع احتياجات القوات المسلحة، من الملابس والأقمشة.
ويوضح «ناجى» أن هناك مجموعة كبيرة من الأراضى المملوكة للشركة غير مستغلة، بسبب سوء إدارة هذا الكيان العملاق، الذى تبلغ مساحته أكثر من 600 فدان، فشركة غزل المحلة مثل بيت العائلة، على الدولة أن تضع خطة لترتيب هذا البيت من الداخل، والعمل على إعادة هيكلته مرة أخرى، والقضاء على الفساد الذى أضر بالشركة على مدار السنوات الماضية، فالشركة لديها إمكانيات كبيرة تستطيع تغذية محافظات مصر بالغزل والنسيج والملابس إذا تم استغلال جميع الموارد الموجودة بها، وضخ استثمارات جديدة تعمل على إعادة تطوير الآلات.
ويضيف «ناجى»: «مُنحنى إنتاج الشركة بدأ فى الهبوط منذ منتصف تسعينات القرن الماضى نتيجة عوامل عدة، منها اهتمام الدولة بالقطاع الخاص على حساب شركات القطاع العام والاتجاه نحو الخصخصة وإهمال زراعة القطن وعدم زيادة المساحات المزروعة منه، مما أدى إلى استيراد خامات رديئة من الخارج لتعويض الإنتاج، فهناك فساد كبير مستشرٍ فى الشركة، وهذا هو السبب فى تراجعها. مصانع الشركة الآن تعمل بالمرحلة الأولى وهى الغزل للخارج رغم قدرتها على إنتاج كل المراحل، والشركة كانت تنتج أفضل المنتجات من الأصواف اللى كنا بنصدرها للخارج، لكن دلوقتى بيقولوا الصوف الإنجليزى وغيره».