بريد الوطن.. عندما أضربَ الموت فى رواية «ساراماجو»

بريد الوطن.. عندما أضربَ الموت فى رواية «ساراماجو»
مر «الخضر» على شخصين يتشاجران على قطعة أرض يريد كلاهما نسبتها لنفسه، دعا الخضر ربه أن يحيى له أصحاب القطعة من يوم آدم فيحدث، وتتكدس أكوام من البشر فوق بعضها، يكف الشخصان عن الشجار بعدما اعتبرا وأدركا أن الأرض فى حقيقتها لا يملكها إلا خالقها، رويت لى تلك القصة فى طفولتى وكان أكثر ما يستوقفنى مشهد البشر المتكدسين فوق بعضهم، وكنت أتساءل: ماذا لو لم يكن هناك موت؟ كيف كنا سنعيش؟ تلك التساؤلات التى أجاب عنها الأقربون بتعنيفى ونهيى عن ترديدها والتفكير فيها، ليأتى بعد عدة أعوام البرتغالى «خوسيه ساراماجو» ليجيب عنها فى روايته «انقطاعات الموت»، التى يبدأها وينهيها بعبارة «فى اليوم التالى لم يمت أحد»، يبدو الأمر سعيداً فى ظاهره، لكنه كارثى فى باطنه، مع مرور الأحداث تبدأ كوارث غياب الموت فى الظهور، فالمستشفيات التى كانت تعتمد على الموت لتخيف عدد نزلائها ليحل مكانهم آخرون، يتكدس المرضى فى طرقاتها، دور المسنين أو «بيوت الأفول السعيد» كما يسميها، لا مكان فيها لتقبل المزيد، الحانوتية أو «الوكالات الجنائزية»، كما يسميها لم يعد لهم عمل، وكذلك مهن أخرى، يضطر الأهالى لتهريب كبار السن ليموتوا فى البلد المجاور الذى ما زال الموت يعمل فيه، مما يجعلهم يقعون ضحايا لعصابات تستغل الوضع فى تأمين تلك التهريبات، بغياب الموت لا توجد آخرة، ستتحول الحياة لغابة، فلا خوف من حساب ولا عقاب «كل شىء سيكون مباحاً إذا كانت الكائنات البشرية لا تموت»، الرواية تدعونا للتعامل مع الموت بطبيعية ودون كراهية، «الموت فى نهاية المطاف من أكثر الأمور اعتيادية وطبيعية فى الحياة، مسألة روتينية خالصة».
مصطفى سيد عبدالسلام
الدلاتون - منوفية
يتشرف باب "نبض الشارع" باستقبال مشاركاتكم المتميزة للنشر، دون أي محاذير رقابية أو سياسية، آملين أن يجد فيه كل صاحب رأي أو موهبة متنفساً له تحمل صوته للملايين.. "الوطن" تتلقى مقالاتكم ومشاركاتكم على عنوان البريد التالي bareed.elwatan@elwatannews.com