هشاشة العظام.. القاتل الصامت

هشاشة العظام.. القاتل الصامت
- هشاشة العظام
- المياه الغازية
- الكالسيوم
- العظام
- الكورتيزون
- أمراض النساء
- القومي للبحوث
- هشاشة العظام
- المياه الغازية
- الكالسيوم
- العظام
- الكورتيزون
- أمراض النساء
- القومي للبحوث
فى ظل سوء التغذية وانتشار العادات الغذائية الخاطئة وغياب الثقافة الصحية، تزحف هشاشة العظام على المصريين، وسط تقديرات بإصابة ما يتراوح بين 25 و30% من السيدات، فضلاً عن 26% من الرجال بها.
تبعات سلبية كبيرة لهذا المرض تشمل آلاماً بدنية فى مختلف أنحاء الجسم، ربما تمنع المريض حتى النوم، وقد تؤدى لكسور قاتلة، ناهيك عن الآثار الأخرى التى تشمل ضعف الإنتاجية والعزلة الاجتماعية والآلام النفسية. إلا أن هذا المرض الذى يسميه الأطباء بـ«القاتل الصامت»، والذى ينشأ أيضاً بشكل طبيعى مع التقدم فى العمر، يمكن حصاره والحد منه أيضاً بتغيير العادات الغذائية والصحية، والاهتمام بتناول الأطعمة الغنية بالكالسيوم وفيتامين د والتعرض للشمس منذ الصغر، بجانب التخلص من العادات الخاطئة، ومن بينها شرب الشاى بعد الأكل وإضافته إلى اللبن، وشرب المياه الغازية وعلى رأسها المحتوية على «الكولا»، فضلاً عن التدخين. وإلى جانب ما سبق يشدد الأطباء على الأهمية القصوى للتشخيص المبكر للمرض والتنبؤ بالإصابة به فى ضوء العوامل المساعدة على الإصابة، ومن بينها التاريخ العائلى والسن، وإجراء ما يُعرف بـ«مقياس الهشاشة» فى التوقيتات المناسبة، لتحديد العلاج الملائم، مؤكدين فى النهاية أن الوقاية من هذا المرض، كما هو الحال فى كل الأمراض، تبقى أفضل من العلاجات باهظة الثمن لهذا المرض. وفى الوقت نفسه يجتهد باحثون مصريون من أجل استكشاف علاجات محلية جديدة تكون فى المتناول، فى مقدمتها علاج جديد مستخلص من «دودة الأرض» أثبتت التجارب الأولية تحقيقه نتائج مذهلة فى ترميم العظام، وهو الأمر الذى قد يحدث ثورة فى علاج هذا المرض.
العادات الغذائية الخاطئة وتأخر التشخيص يُفاقم «الهشاشة».. والأعراض تشمل آلاماً بدنية ونفسية مُدمرة.. والنساء أكثر عرضة للإصابة من الرجال
منذ الثلاثينات من عمرها بدأت الدكتورة سلوى عبدالحميد، الأستاذة الجامعية، البالغة من العمر الآن 60 عاماً، تعانى من أعراض مرض هشاشة العظام، التى كانت تظهر فى شكل آلام فى أنحاء مختلفة من جسمها بما فى ذلك القدم و«قصبة الرجل» والظهر، كثيراً ما كانت تحرمها من النوم.
مع الوقت أخذت الآلام تزداد عليها شيئاً فشيئاً، وتؤثر على نمط حياتها ككل وحركتها وإنتاجيتها، لا سيما مع ارتباطها أيضاً بخشونة المفاصل، التى كثيراً ما تقترن بهشاشة العظام، حيث باتت هناك صعوبة فى جلوسها وقيامها من شدة الآلام المصاحبة لذلك. تشعر الأستاذة التى تُدرس علم النفس بأنها تعيش بـ«قدر من الإعاقة»، على حد تعبيرها، وتعانى من نقص يعوقها عن ممارسة حياتها أو خدمة نفسها، أو أداء مهام بسيطة مثل الوضوء والصلاة بسهولة، وهو الأمر الذى امتد بطبيعة الحال إلى عملها ووصل للدرجة التى فكرت فيها أكثر من مرة فى تقديم استقالتها واعتزال الحياة تماماً، حسب قولها.
يحدث ذلك بالطبع، فى الوقت الذى لا يخلو الأمر من آثار نفسية سلبية، تدركها جيداً الأستاذة المتخصصة فى علم النفس، لا سيما بعد أن وقعت أكثر من مرة أمام طلابها، واضطرت للصراخ أكثر من مرة من شدة الألم وهى بين زملائها، وهو الأمر الذى قد يستقبله البعض بنوع من الشفقة، وأحياناً ما يستقبله البعض الآخر بنوع من الاستهجان باعتبار ذلك نوعاً من «الدلع»، حسب تصورهم.
الدكتورة الجامعية، التى طلبت الاكتفاء بالإشارة إليها باسم مستعار، هى واحدة من ملايين السيدات، بل والرجال أيضاً، طبً للإحصاءات العالمية والمصرية، الذين يفرض عليهم هذا المرض الصعب، الذى يسميه الأطباء بـ«القاتل الصامت»، رحلة معاناة يومية بدنية ونفسية، يتخللها أحداث و«عثرات» تصل أحياناً إلى حد تهديد حياتهم.
"فرج": نقص التغذية بالأطعمة الغنية بالكالسيوم و"فيتامين د".. وشرب الشاى بعد الأكل مباشرة وإضافته لـ"اللبن" من أهم الأسباب
ويعرف الدكتور أسامة فرج، أستاذ العظام بجامعة عين شمس، مرض «هشاشة العظام» بأنه يعنى أن الكالسيوم داخل العظام بدأ يتآكل، وهو ما يؤدى فى النهاية لما يسمى بهشاشة العظام أى ضعفها، ثم قابليتها للكسر بسهولة. ويشير «فرج» إلى أن من بين أسباب هشاشة العظام نقص التغذية وبالذات بالنسبة للأطعمة التى تحتوى على الكالسيوم وفيتامين د، وهى المشكلة التى تزداد خطورتها مع السيدات اللاتى يحملن ويُرضعن أطفالهن، حيث يكون لديهن مشكلة إضافية فيما يتعلق بالكالسيوم. وإلى جانب ما سبق، فثمة مشكلة أخرى بالنسبة للسيدات، حسبما يلفت فرج، وهى أن دورة الكالسيوم فى أجسامهن مربوطة بهرمون الاستروجين وهو هرمون الأنوثة، وعندما يبدأ انتظام الدورة يضطرب قبل انقطاع الطمث بسنتين، تبدأ المشكلة لديهن تزيد وتتفاقم.
ويفاقم من المشكلة بعض العادات الغذائية الخاطئة، ومنها على سبيل المثال خلط الشاى باللبن، الذى يؤدى لعدم الاستفادة من الكالسيوم الموجود فى اللبن، نتيجة لأن الشاى به مادة تمنع امتصاص الكالسيوم، ونفس الشىء لو تم شرب الشاى بعد أكل أطعمة بها كالسيوم مباشرة، حيث يجب الانتظار 3 أو 4 ساعات لحين انتهاء المعدة من عملها على الأقل، وهو ما لا يلتزم به كثير من المصريين. أيضاً تأتى المشروبات الغازية، وفى مقدمتها «البيبسى» تحديداً كأحد الأسباب التى تؤدى لهشاشة العظام، وتعتبر من الممنوعات بالنسبة لمريض الهشاشة، حيث إن مادة «الكولا» الموجودة فى البيبسى تمنع امتصاص الكالسيوم أيضاً، وهو ما يفسر أن أنواع المشروبات الغازية تكون أقل ضرراً من البيبسى، حيث يقتصر ضررها على احتوائها على «الصودا» فقط.
وفيما يتعلق بنمط الحياة أيضاً، يأتى «عدم التعرض للشمس ضمن أبرز الأسباب التى تزيد من مشكلة هشاشة العظام، خاصة أن الشمس تعتبر مصدراً أساسياً لفيتامين «د» المهم لامتصاص الكالسيوم. وإلى جانب ما سبق تأتى مشكلة عدم ممارسة الرياضة وزيادة الوزن، والأمراض المزمنة مثل السكر التى تؤثر سلباً على العظام». ويلفت «فرج» النظر كذلك إلى أنه بالرغم من أن «هشاشة العظام» مشكلة مختلفة عن «خشونة المفاصل»، التى تعنى أن السطح الأملس للمفصل يبدأ فى التآكل، إلا أن المشكلتين يمكن أن يتقاطعا فى جزء معين، وتؤدى الهشاشة إلى الخشونة، وذلك عندما يكون العظم هشاً ويحدث فيه انضغاط، وهو ما يؤثر بالتالى على كفاءة عمل المفصل. ويشير أستاذ العظام إلى أن تأخر التشخيص يعتبر أكبر مشكلة تقابل المرضى والأطباء، حيث إن المريض بمجرد أن يبدأ الشكوى من ألم فى العظم يبدأ فى أخذ المسكنات ويعتبر أن القصة انتهت عند هذا الحد، لكنها فى الواقع لا تكون انتهت، وتزداد الهشاشة فعلياً، ليفاجأ المريض مثلاً وهو يرفع رجله ليتوضأ بانكسار عظمة الحوض مثلاً، وهو ما يدخله فى مشكلات أخرى أكبر.
وينصح فى هذا السياق السيدات بعد انقطاع الطمث، بعمل ما يسمى بـ«مقياس هشاشة عظام»، وإذا ما كانت هناك آلام فى أكثر من منطقة فى الجسم، يجب أن يتوجه المريض للطبيب مباشرة، ولا يعتقد أنها مجرد آلام بسبب السن، حيث إنه كلما توجه المريض للطبيب مبكراً، كان ذلك أفضل، ويمكن فى هذه الحالة أن يكون علاج مشكلته بسيطاً. ويوضح «فرج» أنه على حسب ما يظهره مقياس هشاشة العظم، يتم تحديد ما إذا كان المريض سيأخد كالسيوم وفيتامين د فقط، وذلك فى حالة ما إذا كانت نسبة الهشاشة بسيطة، أما لو ظهر أن نسبة الهشاشة متقدمة، فلا بد من تناول أدوية لبناء العظم ومنع تكسيره، لافتاً إلى أن معظم هذه الأدوية يكون مرتفع الثمن، ومن بينها علاج هرمونى ثمنه فى الشهر الواحد 12 ألف جنيه، وهو ما يؤكد المبدأ القائل إن «الوقاية خير من العلاج».
ويلقى الدكتور كريم النحاس، مدرس واستشارى أمراض النساء بالمركز القومى للبحوث، مزيداً من الضوء على مرض هشاشة العظام وأسبابه وعلاجه، موضحاً أن العظام هى التى تشكل الهيكل العظمى للإنسان، وأن النسيج العظمى دائماً ما يكون فى حالة تجدد (بناء وهدم)، وفى الأعمار الصغيرة تكون عملية البناء أكثر من الهدم، ولكن مع تقدم العمر تُصبح عملية هدم العظام أسرع من عملية البناء، وهو ما يسبب ضعف كتلة العظام، وبالتالى يؤدى إلى هشاشة العظام.
هكذا يؤكد «النحاس» أن هشاشة العظام عملية مرتبطة بالسن، وتتطور ببطء على مدار عدة سنوات، خصوصاً بعد بلوغ سن الثلاثين، حيث إنه بعد هذه السن يصبح معدل هدم العظام أعلى وأسرع من بنائه، مع ملاحظة أن السيدات أكثر عرضة من الرجال للإصابة بهذا المرض، وبالذات بعد انقطاع الطمث، لأن هرمون الاستروجين يلعب دوراً محورياً فى بناء العظم، وانخفاض مستواه يعرضهن لهشاشة العظام.
ويلفت استشارى أمراض النساء النظر إلى أن «التاريخ العائلى» هنا مهم، لأن إصابة أحد الوالدين أو كليهما بهشاشة العظام تُعتبر إشارة تحذير للإصابة بهذه المشكلة الصحية لاحقاً.
وإلى جانب ما سبق فإن من أهم العوامل التى قد تؤدى إلى هشاشة العظام أيضاً، استخدام بعض الأدوية لفترات طويلة، مثل الكورتيزون، والهيبارين المانع للتجلط، وبعض أدوية الصرع مثل الفينيوتوين، فضلاً عن أن خلل وظائف بعض الغدد كالغدة الدرقية والجاردقية والغدة الكظرية قد يسبب هشاشة العظام أيضاً، تماماً مثل نقص وزن الجسم وقلة النشاط البدنى والتدخين وتناول الكافيين المفرط، والخمور التى تعتبر من أهم عوامل الإصابة بهشاشة العظام.
أستاذ العظام: "الهشاشة" تختلف عن "خشونة المفاصل" لكن الأولى يمكن أن تؤدى للثانية أحياناً.. وتأخر التشخيص أكبر مشكلة
ويشير «النحاس» هنا إلى أن أعراض هشاشة العظام غالباً لا تظهر فى الحالات المبكرة من هشاشة العظام ولكن مع تطور الحالة التى تسبب ضعف العظام، تظهر بعض الأعراض، ومنها على سبيل المثال: ألم الظهر، وقصر القامة بمرور الوقت، وانحناء الوقفة، وسهولة كسر العظم، كما تشمل المضاعفات كسور العظم، خصوصاً فى العمود الفقرى والورك، وانكماش فقرات العمود الفقرى، ما يسبب انحناء وتقوس الظهر، وانخفاض الطول.
ويوضح «النحاس» هنا أنه فى معظم الدول فإن أكثر من ثلث السيدات معرضات للإصابة بهشاشة العظام بعد انقطاع الطمث، وهذه النسبة ترتفع مع السيدات ذوات البشرة البيضاء، وقليلات الوزن، أما فى مصر، وطبقاً لإحصائيات تعود لعام ٢٠١٥، فقد بلغت نسبة السيدات المصابات بهشاشة العظام ما بين ٢٥ و٣٠٪، هذا فضلاً عن أن حوالى 54% من السيدات فى مصر يعانين من وهن العظام، وهى المرحلة التى تسبق الإصابة بهشاشة العظام فى مرحلة ما بعد انقطاع الطمث.
وفى الولايات المتحدة الأمريكية، تشير بعض الإحصائيات إلى إمكانية إصابة أكثر من نصف السيدات بهشاشة العظام بعد سن الخمسين، كما أن الرجال أيضاً عرضة لهشاشة العظام، حيث إنه حوالى 26% منهم فى مصر مصابون بوهن العظام و21.9% مصابون بهشاشة العظام.
وإزاء ذلك ينصح استشارى أمراض النساء السيدات بمتابعة الطبيب المعالج بعد انقطاع الطمث، أو بعد استئصال المبيضين، كما ينصح الحالات التى لديها عوامل خطورة للإصابة بهشاشة العظام باستشارة الطبيب بشأن الإجراءات الوقائية فى سن مبكرة، (45 عاماً) وقبل انقطاع الطمث، فضلاً عن زيارة الطبيب للمشورة عند تناول أدوية الكورتيزون ومضادات التجلط وأدوية الصرع.
ومرة أخرى، يؤكد أن الوقاية خير من العلاج، وأن لها دوراً هاماً، وتبدأ من مرحلة الطفولة من خلال بناء عظام قوية، عن طريق الغذاء الصحى الذى يضمن الحصول على الكميات اللازمة من البروتين من اللحوم الحيوانية، والحليب، والبيض، وفول الصويا، والبقوليات، والبذور، والمكسرات، ومن الكالسيوم فى المصادر الغذائية مثل الحليب ومنتجات الألبان والخضراوات واللفت والبروكلى، أو فى المكملات الغذائية بعد مشورة الطبيب. وبالإضافة إلى البروتين والكالسيوم، ينبغى الحصول على «فيتامين د» من مصادره فى اللبن والزبادى، وأسماك السلمون، وعصير البرتقال، والبذور، أو فى المكملات الغذائية بوصف الطبيب، وأيضاً تأمين السعرات الحرارية اللازمة، وممارسة النشاط الرياضى بانتظام، والإقلاع عن العادات غير الصحية كالتدخين وتناول الكافيين والخمور.
وأخيراً ينصح «النحاس» بالحذر من السقوط والاصطدامات التى تزيد فرصة الكسور، لافتاً إلى أنه ينبغى توفير إضاءة جيدة فى البيوت والسلالم، وتجنب المشى على الأسطح الزلقة مثل الأرضيات المبتلة أو المصقولة، وتجنب المشى فى الطرق غير الممهدة. أما عن العلاجات الدوائية الحديثة لهشاشة العظام، فيذكر منها، على سبيل المثال: أدوية «البيسفوسفونات»، فضلاً عن المعالجة بتعويض الهرمونات و«التيبولون»، و«الدالوكسيفين، و«الكالسيتونين» المستخلص من سمك السلمون.
اقرأ أيضًا:
دراسة جديدة بـ"علوم القاهرة" تتوصل لعلاج فعال للمرض.. "دودة الأرض" تنقذ مرضى هشاشة العظام