محمود أباظة: عائلتي سمحت لأبنائها بالانضمام للوفد بشرط عدم تنافسهم مع بعضهم في الانتخابات

محمود أباظة: عائلتي سمحت لأبنائها بالانضمام للوفد بشرط عدم تنافسهم مع بعضهم في الانتخابات
- محمود أباظة
- رئيس حزب الوفد الأسبق
- حزب الوفد
- الفود
- أيمن نور
- الإخوان الإرهابية
- ثورة 25 يناير
- ثورة 30 يونيو
- محمود أباظة
- رئيس حزب الوفد الأسبق
- حزب الوفد
- الفود
- أيمن نور
- الإخوان الإرهابية
- ثورة 25 يناير
- ثورة 30 يونيو
لم يكن دخولهم عالم السياسة والحياة العامة من قبيل الصدفة، وإنما بدأت إرهاصاته معهم منذ الطفولة، بعضهم نشأ فى أُسر سياسية، وآخرون هربوا إليها عامدين متعمدين، ومدفوعين بأفكارهم ورؤاهم وتطلعاتهم، فحولوا دفة مستقبلهم 180 درجة. بكثير من الذكريات والمواقف الإنسانية والاجتماعية والسياسية التى عاشوها، وكانوا طرفاً فيها أو شاهدين عليها، أو متابعين لها، تبدأ «الوطن» من اليوم نشر سلسلة من الحوارات مع سياسيين وشخصيات عامة، منهم من عاصر الملك فاروق، وكان شاهداً على أحداث ثورة 23 يوليو والضباط الأحرار، ومن كان رفضه فى طفولته لممارسات الإنجليز دافعاً لالتحاقه بالعسكرية المصرية. تعاطف بعضهم مع الرئيس جمال عبدالناصر حتى فى النكسة، فيما رفض آخرون الرئيس أنور السادات وقراراته وطُردوا من مجلس الشعب لاعتراضهم على كامب ديفيد. وكان نزول الإخوان إلى منصة التحرير نقطة تحول بالنسبة لهم فى مسار ثورة يناير ضد الرئيس الأسبق حسنى مبارك. بعيداً عن السياسة وواقعها ووقائعها، كانت حياتهم الاجتماعية عامرة بالأحداث والمفارقات، فمنهم من درس الطب ولم يشتغل به، ومن هربت من أسرتها فى الصعيد للزوج من حبيبها فى المنصورة، ومن كان مرافقاً لدنجوان السينما المتمرد رشدى أباظة.
رئيس "الوفد" الأسبق: كنت وراء فصل أيمن نور من الحزب.. وعندما شاهدت الإخوان فى التحرير قلت "الثورة راحت"
أكد محمود أباظة، الرئيس الأسبق لحزب الوفد، أن تجربته فى البرلمان فى عهد مبارك كانت سيئة، لأن «الكلام فى المجلس كان زى عدمه والقرار فى النهاية كان يحسمه أغلبية الحزب الوطنى»، مضيفاً أنه ذهب إلى ميدان التحرير فى ثورة يناير فوجد الإخوان يعتلون المنصة، فقال لمنير فخرى عبدالنور «الثورة راحت». وأشار إلى أنه تحدّث إلى «عمر سليمان» فى الاجتماع الذى شاركت فيه القوى السياسية، وقال له: «هناك اتجاه دولى لرحيل مبارك، فما هو البديل؟»، فرد سليمان: «البديل هو القوات المسلحة»، قائلاً: «وحينها اطمأن قلبى على مصر».
وأضاف «أباظة» فى حواره لـ«الوطن» أنه بدأ عمله السياسى عندما كان طالباً بكلية الحقوق عام 1968، وشارك فى تأسيس رابطة طلابية، وحرر مع زملائه مجلة معارضة لسياسات ثورة يوليو. وأكد أن نعمان جمعة كان حاد الطباع، وشارك فى فصله من الحزب لاعتماده على البلطجية فى حل خلافاته مع أعضاء الوفد.
نريد أن نتعرف على ذكريات الطفولة والدراسة إلى أن دخلت كلية الحقوق جامعة القاهرة؟
- كنت مقيماً فى طفولتى فى قرية الربعماية فى منيا القمح بمحافظة الشرقية، وكنا نمتلك بيتاً فى القاهرة، وعندما دخلت المدرسة أصبحت مقيماً أوقات الدراسة فى القاهرة، وبالمناسبة صاحبة المدرسة صديقة جدتى، لذلك كنت مدللاً فى المدرسة، واكتشفت أننى أقول كلمات ريفية تعلمتها فى الشرقية تجعل زملائى بالقاهرة يضحكون عند سماعها «بيتريقوا عليا»، فمثلاً فى مرة قلت على مربية إنها «شينة»، وهذه الكلمة تعنى أنها قبيحة، فضحك زملائى «كانوا عاوزينى أقول عليها وحشة»، وبعد أن أنهيت دراستى المدرسية التحقت بكلية الحقوق جامعة القاهرة سنة 1968.
الإخوان لم يكن لهم وجود فى الجامعة خلال الستينات
هل كان للإخوان وجود طلابى فى جامعة القاهرة فى ذلك الوقت؟
- لم يكن لهم وجود فى الجامعة، تكاد لا تراهم، واختفى وجودهم تماماً بعد 1954 عندما اصطدم الإخوان بعبدالناصر، ثم ظهروا مرة أخرى فى الستينات، واختفوا مرة أخرى بعد 1965، أما التيار الليبرالى فخرج بعد ثورة 1919، والوالد كان وفدياً، لكن أغلب عائلة الأباظية لم تكن وفدية، بل كانوا «أحراراً دستوريين»، لأن عدلى يكن، أحد مؤسسى الأحرار الدستوريين، كان مديراً للشرقية (محافظاً) حوالى 4 أو 5 سنوات، وعندما حدث خلاف بين عدلى يكن وسعد زغلول أخذت عائلة الأباظية طرف عدلى يكن، وحينها انضم أغلب الأباظية لحزب الأحرار الدستوريين، وسنة 1924 قرر مجلس الأسرة عدم دخول العائلة حزب الوفد، ولهذا لم ينجح مرشحو عائلة الأباظية فى الانتخابات البرلمانية بالشرقية، وكان عددهم 6، لأن كل مرشحى حزب الوفد فازوا فى الانتخابات. وبسبب هذه الخسارة المدوية اجتمعت العائلة مرة أخرى وقرروا أن من حق أى عضو فى العائلة أن ينضم للوفد أو أى حزب آخر، ولكن غير مسموح بأن يترشحوا كمنافسين لبعضهم البعض فى الدوائر، وإذا كان هناك اثنان من العائلة ترشحا فى دائرة واحدة فيجب أن يتنازل الصغير للكبير.
ما ذكرياتك فى مظاهرات الطلبة عام 1968؟
- «ماكناش مصدقين»، المظاهرات أبهرتنا، وأتذكر فى ذلك اليوم أننى زرت محمد عبدالقدوس، ابن الروائى الكبير إحسان عبدالقدوس، فى منزله، ولم يكن انضم حينها لجماعة الإخوان، وللحقيقة هو رجل على خُلق ومن أفضل الشخصيات التى قابلتها فى حياتى، وأتذكر فى ذلك اليوم أن والدته أحضرت لنا الفطار «قشطة وفطير وعسل»، ثم ذهبنا للجامعة بسيارتى، ووجدنا كردون بوليس خارج الجامعة، فتركنى محمد عبدالقدوس ليشاهد ماذا يحدث واختفى فجأة، وشاهدت بعد ذلك مصادمات بين طلاب كلية الهندسة والشرطة، ثم ذهبت للدكتور رمزى سيف وكان وكيل الكلية وسمعت الهتاف «يا حرية فينك فينك.. أمن الدولة بينا وبينك»، وكنا عمرنا ما سمعنا هذا الهتاف قبل ذلك، ثم تم عمل حاجز بين الطلاب والشرطة، وأحد أساتذتنا، يُدعى محمد سلطان، نظر للمظاهرات وقال: «بعد إيه، ما هو احنا شفنا مظاهرات سنة 54 بتهتف يسقط الدستور والحرية وتسقط الجامعة، وانضرب فيها السنهورى، هل المظاهرات دى هيكون ليها قيمة بعد كل الإهانات دى؟!». وللحقيقة مظاهرات 1968 كانت بالنسبة لنا مفاجأة وتحولاً كبيراً فى العمل السياسى بمصر، وتشكلت بعدها تيارات سياسية قوية، وكان الإخوان على أى حال «مستخبيين»، وكنت أشاهدهم أحياناً فى الريف، وطبعاً قبل الاستفتاء الذى نُظم على خلفية بيان 30 مارس، وهذا البيان صدر من الرئيس عبدالناصر كاعتراف بأهمية عودة العمل السياسى بالجامعة وحقوق الطلاب والمواطنين فى الديمقراطية، وسافرت لأشارك فى الاستفتاء، ففاجئنى والدى وقال لى: «جيت كل المسافة دى عشان تشارك فى الاستفتاء»، وذهبت مبكراً لأُدلى بصوتى، ففوجئت أن لجنة دائرتى فى بيت العائلة، والموظفون فى الدائرة قالوا لى انتهينا من التصويت للمواطنين منذ الأمس و«كله تمام»، وفوجئت بأن الاستفتاء تم تزويره قبل فتح باب الاستفتاء أى قبل التاسعة صباحاً، وكانت صدمة كبرى، وطبعاً الجامعة كان مسيطراً عليها منظمة الشباب.
أسست مع زملائى جمعية "الدراسات المقارنة" بكلية الحقوق
وهل سُمح لكم بالعمل السياسى فى الجامعة بعد الاستفتاء؟
- أسست أنا وزملائى جمعية الدراسات المقارنة فى كلية الحقوق، واشترطنا أن يدخلها من لديه لغة أجنبية، وكانت جمعية نخبوية ويشرف عليها الدكتور ثروت بدوى، وقمنا بعرض فيديو حول الألعاب الأولمبية الشتوية فى برلين الغربية بالألوان، وبعدها بشهر عرضنا فيديو لمؤتمر شباب فى برلين الشرقية، وكان الفرق كبيراً، وأسسنا مجلة فى ذلك الوقت اسمها «الجديد» وطبعناها فى الجامعة وطلبنا من زميل لنا رسم صورة الغلاف تضم مجموعة من الطلاب مكتوب عليها: «لا أرى ولا أسمع ولا أتكلم»، وصورنا المهجَّرين من مدن القناة وسيدة فقيرة تعيش فى بير السلم من المهجَّرين، ولم نستطع نشرها لعدم وجود تصريح أمنى، فالتقينا ثلاثة من قيادات منظمة الشباب وهم: «رفعت المحجوب أمين الجامعات فى اتحاد الطلاب والدكتور طعيمة الجرف أمين الجيزة، ومفيد شهاب أمين الشباب بالمنظمة» والثلاثة أساتذتنا فى الجامعة، ورفعت المحجوب كان يدرس اقتصاد، ومكتبه فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وطعيمة الجرف قال لنا: «ما الهدف من المجلة ولماذا رسمتم هذا الغلاف، عاوزين تقولوا إن الجيل الجديد أعمى وأخرس وأطرش، وإيه المعنى إنكم تجيبوا فيلم عن ألمانيا الشرقية والغربية». ثم أنهى حديثه أن «مصر فى حالة حرب ولازم نكون إيد واحدة والبلد معرضة للخطر»، وبناء عليه لم نستطع نشر هذه الموضوعات وتوافقنا على عدم صياغة موضوعات سياسية فى المجلة وقمنا بتحرير موضوعات حول الحداثة والتنوير.
هل كنت على علاقة قوية بالفنان رشدى أباظة؟
- هناك صلة قرابة، وكان يطلق على والدى «البوب»، كما أن والده ابن عم والدى، وفى إحدى المناسبات زارنى رشدى أباظة فى باريس وكان نجماً كبيراً جداً، وقال لى: تعالى أعشيك، قلت له: انت ضيف عليا، قال لى: ضيف إيه، أنا جيت باريس قبل ما تتولد، وعزمنى فى الحى العشرين، وإذا بالناس تقوم من التربيزات تترمى على رشدى ويخطفوا زراير قميصه وهو كان مبسوط جداً، وأنا تهت فى وسط الزحمة واضطروا يجيبولنا البوليس، وواحدة قصّت جزء من كرافتة رشدى، وهو كان مبسوط جداً.
رشدى أباظة متمرد وحُرم من أمه وهو طفل وربته جدته بقسوة.. ولم يكمل دراسته.. ووالده قاطعه عندما قام بتأسيس صالة "كمال أجسام"
فى رأيك لماذا كان رشدى أباظة متمرداً رغم أنه من عائلة كلاسيكية؟
- رشدى أباظة لم يُكمل دراسته وفتح صالة كمال أجسام وتزوج تحية كاريوكا وعمل فى التمثيل ووالده فى الأول كان مقاطعه، وبالمناسبة رشدى رغم تمرده وشقاوته كان فى الاجتماعات العائلية متحفظاً، ولما كبرنا ابتدينا نشوفه فى مجالات أخرى، وأنا أعتقد أن مشكلته إنه عاش أول 8 سنوات من عمره مع جدته وكانت ست قوية جداً، ووالدته كانت إيطالية وأبوه اتجوزها وهو ضابط فى الإسكندرية دون أن تعرف والدته، وعندما علمت اضطر أن يطلقها إرضاء لأمه، ونقل من الإسكندرية حتى يعيش مع والدته، وللأسف رشدى أباظة عاش مع جدته القاسية حتى عمر 8 سنوات وكان محروماً من أمه الإيطالية حتى هذه السن، وأعتقد أن هذا سبب تمرده وكان بيهرب من البيت ينزل من على المواسير فى الطفولة هرباً من جدته، ثم عمل فى التمثيل عندما أصبح شاباً.
كيف كنت معارضاً للرئيس السادات وأنت ليبرالى؟
- وقتها كنت فى فرنسا عضواً بمنظمة اتحاد القوى العربية الوطنية، وطبعنا منشورات معارضة لسياسات السادات لنشرها فى مصر، لكن طبعاً كانت بتتصادر ولم تنشر وتم القبض على المسئولين عن نشرها فى مصر، وكان من ضمن أعضاء هذه الجمعية المصرية إبراهيم أباظة والدكتور مأمون سلامة ويس تاج الدين، وكنا نجحنا فى انتخابات اتحاد الطلاب المصريين فى فرنسا وكسبنا الانتخابات عام 1971 وخرجت المظاهرات التى طالبت بالحرب سنة 1972 وكانت ضد السادات، لأنه وعد بأننا سنحارب إسرائيل عام 1971 وأطلق على هذا العام عام الحسم و«ماحصلتش الحرب»، فقامت المظاهرات، وعلى الحفناوى كان نائب رئيس اتحاد الطلاب المصريين فى فرنسا ونظمنا مؤتمر 25 يناير عام 1972 حول مرور عشرين عاماً على حريق القاهرة، وكتبت لعلى الكلمة ليلقيها فى المؤتمر، وكنت قد كتبتها بحرص شديد ليلقيها باسم الاتحاد فى المؤتمر ولكن «الحفناوى» قال بعد أن أنهى كلمته إنه مر 20 عاماً على حريق القاهرة ويجب أن نكون فى عصر جديد ويسقط السادات، وطبعاً فهمت أنه بعد هذا التطاول على السادات أن الطلاب المصريين فى فرنسا سيسحبون منا الثقة، وكان هناك 36 طالباً من مصر مبعوثين للدراسة فى فرنسا وسوف يسحبون الثقة من مجلس اتحاد الطلاب المنتخب، فقررت عقد اجتماع لكل المصريين المؤيدين لنا، حوالى 17، وطالبنا بالإفراج الفورى عن الطلاب المحبوسين فى مصر خلال 48 ساعة، وإذا لم يتم الإفراج سوف نستقيل من اتحاد الطلاب، وسلمنا هذا المطلب ليحيى الجمل الملحق الثقافى لمصر فى فرنسا، وكان هذا الاجتماع استباقياً على أى محاولة لسحب الثقة منا، وبالفعل لم يتم الإفراج عن الشباب المحبوسين واستقلنا وفوّتنا الفرصة على الشباب المبعوث من مصر، وبعد ذلك سحبوا مقر اتحاد الطلاب المصرى فى فرنسا وتحول لنادى ثقافى فى النهاية، وأنا كنت بحلم بالحرية والديمقراطية والسادات لم يكن يؤمن بالديمقراطية وحق المواطنين فى التعبير عن الرأى وتشكيل أحزاب حرة وبرلمان ديمقراطى ولهذا عارضته.
هل شاركت فى تأسيس حزب الوفد الجديد؟
- عندما كنت فى فرنسا، حزب الوفد عاد من جديد وتشكل من 20 نائباً فى البرلمان عام 1978 وفؤاد سراج الدين انضم للجنة المركزية، وتأسس الوفد الجديد فى فبراير عام 1978 وأحد نواب الوفد اسمه الشيخ عاشور فُصل من البرلمان لأنه عارض فى البرلمان ورئيس المجلس سيد مرعى طرده بسبب معارضته الشديدة، وقال له «اطلع بره»، فشتم السادات، وأعضاؤنا نصحوا فؤاد باشا سراج الدين بألا يترشح وفدى فى هذه الدائرة ولكنه أصر ورشح عضواً من الإسكندرية، ونُظم مؤتمر انتخابى، وحشود هائلة استقبلت الباشا فى هذا المؤتمر، وهذا أغضب الرئيس أنور السادات، وطبعاً نُقل للسادات خطأ أن فؤاد باشا كان يسير قبل المؤتمر فى سيارة مكشوفة، ولكن للحقيقة هذا لم يحدث، فقام الرئيس السادات بتشريع قانون العيب من خلال البرلمان وعزل فؤاد سراج الدين وإبراهيم فرج وحامد زكى وعبدالفتاح حسن باعتبارهم أفسدوا الحياة السياسية، وتوقع فؤاد باشا أن يأتى حلمى مراد رئيساً للوفد، فجمع الباشا الجمعية العمومية وحل الحزب وجمع الهيئة العليا سراً حتى لا تعطل قرار الجمعية العمومية حسب اللائحة الوفدية، وجعل قرار الهيئة العليا سابقاً على قرار الجمعية العمومية، وما فعلة فؤاد سراج الدين جعلنا نكسب قضيتنا عام 1984 لأنه جعل قرار التجميد من الهيئة العليا قبل الجمعية العمومية حينها، وعاد حزب الوفد مرة أخرى بشكل شرعى وقانونى.
ماذا فعلت بعد عودتك لمصر؟
- عدت لمصر عام 1980 وعملت فى المحاماة فى قضايا التحكيم بشكل كبير وكنت فى مكتب محام، وبعد ذلك فتحت مكتبى الخاص، وكنت مسئولاً عن قضايا الحزب والمحامى الكبير مصطفى مرعى قال لى فور عودتى لمصر: «لا بد أن تعمل فى مكتب محاماة، فى مصر غير فرنسا والمحامين اللوكس دول ماينفعوش». وخلال القبض على السياسيين المصريين عام 1981 وكان من بينهم فؤاد باشا سراج الدين كنت أعمل فى مكتب إبراهيم عبدالغنى، وبدأوا يحققون معهم، وكنت أحضر مع حلمى مراد، وإبراهيم عبدالغنى يحضر مع فؤاد سراج الدين، وبعد ذلك قُتل السادات، وكان هناك وفدى مقبوض عليه اسمه محمد المسمارى وكنت أحضر معه وسألنى: من الذى قتل السادات، فقلت له: «واحد اسمه الإسلامبولى»، راح خدنى بالحضن وقال لى مش من عندنا مانعرفوش، كان يخشى اتهامه هو أو أى وفدى بقتل السادات، وكنت قد أحضرت معى دواء وبعض المستلزمات من البيت لحلمى مراد وكان بيتحقق معاه، وفجأة اتصل قيادة اسمه دهشان على ما أتذكر وطلب إنهاء التحقيق مع المقبوض عليهم، ولا أعلم ماذا يعمل «دهشان»، وعرفت بعد ذلك أن المقبوض عليهم خرجوا من السجن على لقاء الرئيس محمد حسنى مبارك، وجميعهم عادوا من القصر إلى منازلهم ما عدا فؤاد سراج الدين زعيم حزب الوفد، وكان يخشى أن يقولوا: «إنه ما صدق يروّح»، وقال لمحمد حسنين هيكل سأعود لمستشفى قصر العينى أقيس الضغط وآخذ دوائى ووجبة الغداء، وبعد ذلك أعود للبيت، فاستغرب هيكل وقال له: معقول يا باشا، فردّ الباشا على هيكل: «آه معقول، أنا بحب انام فى الوقت ده، ولو عدت للمنزل أعضاء الوفد سيتوافدون على منزلى ولن أستطيع أن أنام، وعلى فكرة يا هيكل أنا معتاد على طقوس معينة أقوم بعملها فى قصر العينى بيقيسولى الضغط والسكر وبتغدى وبرتاح». وبعد عودة فؤاد باشا سراج الدين ذهبت له ومعى مصطفى مرعى ووجدنا كثيراً من المواطنين يزورونه، فقال له «مرعى»: أنت اليوم لأسرتك وغداً يأتى أعضاء الوفد. وطبعاً الباشا لم يهتم بكلامه لأنه سعيد بوجود أعضاء الوفد فى البيت ويشعر بالارتياح عندما يتجمع حوله الوفديون. وفجأة فؤاد باشا طلب منى أن ألتقيه غداً الساعة 11 صباحاً، وذهبت له وطلب منى الانضمام لحزب الوفد، وقلت له: وأين الوفد؟ فرد علىّ بشكل قاطع: «الوفد رغم التجميد باقى، وسنعود رسمياً فى أى وقت، واسأل أبوك الوفد ظل حزباً 25 سنة رغم حله أيام عبدالناصر»، وطلب منى الانضمام والعودة للهيكل لتنظيم مؤتمر السعدية الذى سيعلن فيه عودة حزب الوفد.
وهل علاقتك بفؤاد سراج الدين كانت قوية أثناء إقامتك فى فرنسا، ولهذا دعاك للمشاركة فى عودة الوفد؟
- لم تكن قوية، وغضب منى أنا وزملائى لأنه عندما عاد الوفد عام 1978 أرسلت أنا ويس تاج الدين خطاباً قلت له فيه: «نراقب باهتمام وأمل محاولتكم لإعادة إحياء الوفد وإذا استطاع الوفد أن يكون أميناً على موقفه ومدركاً لحاضره ونصيراً لمستقبله ستكونون قدمتم خدمة كبيرة للوطن»، وحينها الباشا غضب منا، وذكّرته بهذا الجواب وقال لى: «أيوه يا سيدى، قرأت الجواب، ولما انتوا بتراقبوا طيب الآخرين يعملوا إيه؟». وللأمانة فؤاد باشا شخصية تتحب، وهو رجل لديه ثقة فى نفسه شديدة جداً مع التواضع، وحمول جداً والدليل على أنه حمول وقوى عندما كان عمره 80 عاماً بعد أن توفيت ابنته أخذ العزاء واقفاً، ومات وعمره 90 عاماً، وهناك واقعة أخرى توضح إلى أى مدى كان رجلاً قوياً وعادلاً، فعندما تم القبض على سعيد عبدالخالق محرر باب العصفورة، وحدث لنا حالة ذهول وعلمنا بأنهم قبضوا عليه لأنه حصل على رشوة، عاد الباشا من الإسكندرية، وقال لنا: «لماذا على رؤوسكم الطير، لو كان زملاؤنا أخطأوا سيكون مجنياً علينا وسنقول إن موظفين وفديين كانوا مرتشين، ولو التهم غير صحيحة هناخد بنط»، ونظر لى وقال: هل اطلع أحد منكم على التحقيق؟ فقلت له: لا، وبعد ذلك سألنى: هل أرسلتم أكلاً ودواء لسعيد عبدالخالق والمقبوض عليهم؟ فقلت له: لا، فقال لفؤاد بدراوى: كلم فلاناً وأرسل لزملائك أكلاً، وكان كل ذلك عام 1985، ونظر لنا فجأة وقال: «أرسلوا أحداً يطلع على المحضر وأرسلوا لسعيد عبدالغنى الدواء وتحدثوا مع دكتور عصفور وأحمد الخواجة»، وعرفت أن زملاءنا اتُهموا بالرشوة وطبعاً لأنهم كانوا معارضين للنظام وبقوة لُفقت لهم هذه القضية، وحصلوا على البراءة فيما بعد، وأصبح الأمر «بنط للوفد» على رأى فؤاد باشا سراج الدين.
جندى اعتدى على شيخ الأزهر بـ"البوكس فى وشه" أثناء جنازة فؤاد سراج الدين.. والأمن خطف جثة "ممتاز نصار" حتى لا تتحول جنازته لمظاهرة
هناك ادعاءات باعتداء الأمن على أعضاء الوفد خلال جنازة فؤاد سراج الدين؟
- للحقيقة الأمن لم يعتد على المواطنين عن قصد، ولكنهم كانوا يحاولون عدم تحول الجنازة لمظاهرة سياسية، كما أن شيخ الأزهر محمد طنطاوى وقتها تم الاعتداء عليه، وعندما حدث زحام قام الجنود بحماية شيخ الأزهر، وأحد هؤلاء الجنود ضرب شيخ الأزهر بـ«البونية فى وشه»، وحدث اشتباك بين الشرطة وبين المواطنين بدون قصد مباشر لضرب المظاهرة، وأتذكر قيام الأمن فى جنازة ممتاز نصار عام 1987 بخطف الجثة حتى لا تتحول لمظاهرة سياسية كبرى.
وللحقيقة كان عندهم حق، فحجم المتظاهرين كان كبيراً، وسافرنا إلى أسيوط حتى نشارك فى الجنازة، وكان معى نعمان جمعة ولم تأتِ الجثة، وقررنا أن نعود للقاهرة، ولكن عمدة القرية «زعق فينا وقال لنا تروحوا فين؟ لازم تباتوا للصبح وتشاركوا فى الجنازة، وكان راجل ضخم ويخوّف، ونعمان جمعة خاف يمشى الراجل يزعل». وبالفعل أقمنا فى فندق وشاركنا فى الجنازة فى اليوم الثانى، وكانت مسافة السير فى الجنازة 6 كيلو.
نعمان جمعة رجل وطنى لكنه كان صدامياً وحاد الطباع
كيف تقيّم نعمان جمعة صديقك الذى اختلفت معه بعد أن أصبح رئيس الوفد؟
- نعمان جمعة وطنى وذكى ولكنه صدامى وحاد الطباع ومثل كثير من المثقفين لا يجيد التجميع، يعنى يعتقد أن رأيه دائماً هو الصحيح، وإذا خالفته فى الرأى ستكون بالتأكيد مخطىئاً لأنه لا يقبل النقد، وعندما كان فؤاد باشا رئيس الوفد كان نعمان جمعة يخفى هذه العيوب ويسيطر عليها، وأنا كنت صديقاً لنعمان وأحبه، وعندما ترشح لانتخابات رئيس الوفد ساندته وكل الشباب أيضاً، لأننا كنا نخشى يس سراج الدين شقيق الباشا الصغير لعلاقته الوثيقة بكمال الشاذلى والدولة، وكان مغروراً أيضاً على عكس الباشا، وأول اختلاف مع نعمان بعد أن أصبح رئيس الوفد كان حول إدارته السيئة لحملة انتخابات الرئاسة فى 2005 التى ترشح فيها منافساً للرئيس مبارك، وفى أحد المؤتمرات الانتخابية انتقد نعمان جمعة وزير العمل الذى قال لمبارك: «أنا بحبك وبحب أولادك»، فقال «جمعة»: أنا لو كنت رئيس الجمهورية كنت «هضربه بالجزمة»، وطبعاً غضبت إحدى السيدات المشاركات فى المؤتمر، وقالت: لن أنتخب هذا الرجل وسأنتخب مبارك، وقال لها احد المشاركين: كيف ستنتخبين مبارك وأنت تعيشين فى فقر لمدة ثلاثين عاماً، فقالت له: «يعنى أنتخب الراجل ده اللى قبل ما يبقى رئيس جمهورية عايز يضربنا بالجزمة»، وعندما انتقدنا نعمان جمعة وطلبنا منه أن يغير أسلوبه غضب ورفض الانتقاد وكان يريد أن يتخلص من كل معارضيه.
شاركت فى فصله من الحزب لاعتماده على البلطجية فى حل خلافاته مع أعضاء "الوفد"
وهل الوفديون اعتدوا على نعمان جمعة فى حادث أبريل الشهير؟
- لم يحدث على الإطلاق، والقصة من البداية تتلخص فى أن نعمان جمعة عقد الهيئة العليا فى أول اجتماع بعد فوزنا فى الانتخابات البرلمانية 18 ديسمبر 2005، وكنا خلال هذا الاجتماع سنختار رئيس الهيئة البرلمانية للحزب، وترشحت وحصلت على 38 صوتاً، وأحمد ناصر حصل على 12 صوتاً، فغضب نعمان جمعة لأنه كان يريد أحمد ناصر رئيساً للهيئة فخرج غاضباً، ثم عاد مرة أخرى ورفع الاجتماع لعقد اجتماع هيئة عليا آخر، ولكنه لم يعقد اجتماعاً آخر واختار محمد عبدالعليم داوود رئيساً مؤقتاً للهيئة البرلمانية، فغضبنا وعقدنا اجتماعاً وأكدنا أنه إذا لم ينفذ نعمان جمعة قرارات الهيئة العليا سنفصله حسب المادة 5 من اللائحة، وقبل موعد اجتماع الهيئة العليا تحدّث معى عبدالفتاح نصير أمين الصندوق بالحزب تليفونياً وحذرنى من المجىء للاجتماع بدون حراسة لأن نعمان جمعة سيؤجر بلطجية وسوف يعتدون علىّ أنا ومحمد علوان، ولكننى قلت له: لن أشارك فى الاجتماع، ومعى بلطجية مثله، وسيكون محمد علوان معى فى ذات السيارة، ووصلت الحزب ولم يتحرش أحد بى، ولكنى مُنعت من دخول الهيئة العليا بسبب البلطجية الذين أجّرهم نعمان، فذهبت إلى مكتبى، وكنت حينها نائب أول رئيس حزب الوفد، وجاء زملائى إلى مكتبى لنكمل الاجتماع، فجاء خلفنا البلطجية واعتدوا على مصطفى الطويل وسيدة تُدعى عواطف، فخرجنا لنجتمع فى غرفة أخرى بالحزب، وجاء الشباب ليحمونا من بلطجية نعمان، وأخذنا قراراً بفصله، وعقدنا بعد ذلك جمعية عمومية فى فبراير وأخرى فى مارس، وقمنا بتغيير اللائحة وفصل نعمان جمعة، وانتخبنا مصطفى الطويل رئيس الوفد مؤقتاً، ثم تم انتخابى رئيساً للوفد بالتزكية. وفى 1 أبريل احتل نعمان جمعة وشخص يُدعى أحمد ناصر الحزب ومعهما بلطجية وضربوا 22 رصاصة على شباب الحزب وأصيبوا جميعهم فى أرجلهم، فدخلت مدرعة الشرطة وألقت القبض على نعمان وأحمد ناصر والبلطجية وتم حبس «ناصر» 3 شهور ثم خرج لعدم ثبوت التهمة وقيل حينها إن الضرب كان متبادلاً وهو على خلاف الحقيقة.
"مبارك" غضب من ترشح شقيقه عن "الوفد" فى انتخابات البرلمان.. و"سراج الدين" لم يمنعه لأن الحزب أبلغه بالترشح
كيف كانت علاقة حزب الوفد بالرئيس حسنى مبارك فى بداية حكمه؟
- أولاً علاقة الوفد بحسنى مبارك كانت «غريبة»، وقبل صدور حكم نهائى للوفد بعودته كحزب شرعى، اجتمع مبارك بفؤاد سراج الدين، وقال له: «حزب الوفد سيحكم له بالعودة»، ولكن الأزمة حدثت عندما ترشح سامى مبارك، شقيق الرئيس مبارك، عن حزب الوفد فى الانتخابات البرلمانية، وغضب «مبارك» وطلب من الباشا عدم ترشحه، ولكن فؤاد سراج الدين قال لقيادات الحزب: لو كنتم لم تقولوا لسامى إننا قمنا باختياره ليترشح باسم الحزب فسوف نمنعه، ولكن إذا كنتم قلتم له ستترشح باسم الوفد فلن أمنعه من الترشح فى الانتخابات باسم حزبنا.
وأكد قيادات الحزب لفؤاد باشا سراج الدين أنهم قالوا لسامى مبارك إنه سيترشح باسم الوفد فى الانتخابات البرلمانية، وبالفعل خاض سامى الانتخابات وفاز فى البرلمان، وكان مبارك غاضباً لأن ترشح سامى يعنى عدم فوز مرشحى الحزب الوطنى، كما أن فؤاد باشا كان سأل سامى مبارك: هل قلت لأخيك إنك ستترشح عن حزب الوفد؟ فرد: نعم.
هل الحكومة فى ذلك الوقت حاولت تعطيل مؤتمرات سامى مبارك؟
- بالطبع السلطة وقفت ضد سامى مبارك وعرقلت له بعض المؤتمرات، ولكن على الرغم من ذلك لم تستطع منع فوزه، وتحسنت العلاقة مع مبارك فيما بعد بعض الوقت، ثم جاء توقيت التجديد لمبارك عام 1987 وشعر فؤاد باشا سراج الدين أن الهيئة العليا سترفض موافقة الوفد على التمديد لمبارك، ولكن فؤاد باشا كان يرغب فى التمديد لمبارك، وتم عقد الهيئة العليا، ورفض أعضاؤها التجديد لمبارك، وجاء تليفون لنعمان جمعة خلال الاجتماع وخرج ليرد فوجد عاطف صدقى على التليفون وقال له: «يا نعمان.. إحنا مسجلين الاجتماع كله وعرفنا إنكم رفضتم التجديد لمبارك، ويلا بقى ارجع الاجتماع»، واضطر فؤاد باشا سراج الدين أن يؤجل الاجتماع، وعاد لمنزله، فذهبنا للباشا مساء وقال لنعمان جمعة: «يا نعمان، لا تعمل من وراء ظهرى وتجعل أعضاء الهيئة العليا يرفضون التمديد لمبارك، وبالمناسبة ممكن مبارك يمنع توفير ورق طبع جريدة الوفد المجانى، وليس معنا أموال لنشترى الورق، وأهم شىء ألا نتنازل عن مبادئنا وندافع عن الديمقراطية حتى لو فاز مبارك بالحكم مرة أخرى».
وماذا حدث بعد أن اجتمعت الهيئة العليا مرة أخرى؟
- مبارك طلب لقاء فؤاد سراج الدين، ونُشرت فى الصحف صورة للباشا مع مبارك وصور لشقيقه يقبل زكى بدر «وبيوشوشه فى ودنه»، فغضب الوفديون وعقدنا اجتماع هيئة عليا، وشاركت فى هذا الاجتماع باعتبارى سكرتير رئيس الوفد، ولم أكن عضواً بالهيئة، وعلى أى حال فؤاد باشا رأى أن الأغلبية مع عدم تأييد ترشح مبارك، فقال لهم الباشا: «لو انتم شايفين كده أنا موافق، ولكن على نواب الوفد أن يحترموا هذا القرار وإلا سنفصل أى نائب يصوت للتمديد لمبارك»، وبالفعل تم فصل 5 نواب عن حزب الوفد صوتوا لمبارك.
هل كانت هناك علاقة بين فؤاد سراج الدين والتلمسانى مرشد الإخوان حينها؟
- نعم كان المرشد العام للإخوان التلمسانى صديق الباشا لأنهما سجنا معاً مرات عديدة، والتلمسانى قال للباشا: «لن ننتخب الشيوعيين ولا من سجنوننا وسوف نتحالف مع الوفد وننتخبكم، والإخوان أصبح لهم أعضاء فى النقابات ونريد أن نمارس الانتخابات بشكل شرعى»، والتزم الإخوان بقرارات الوفد، ولكن فى الحقيقة أنا أرى أن الباشا أخطأ لأن الإخوان أخذوا شرعية نيابية من خلال الوفد وأصبح لهم مستقبل سياسى، وفى النهاية تم حل البرلمان، وزار فيما بعد أبوالنصر المرشد العام الجديد للإخوان ومعه سيف الإسلام حسن البنا ومحمد عبدالقدوس فؤاد باشا فى منزله، وكنت موجوداً بالصدفة فى هذا الوقت مع الباشا وحضرت اللقاء، وقالوا للباشا: «نريد أن نفض هذا التحالف»، فرد عليهم الباشا قائلاً: «هو احنا زعلناك فى حاجة يا فضيلة المرشد؟»، فرد قائلاً: «حزب الوفد بين فكى الأسد بينما حزب العمل حزبنا»، فرد الباشا على المرشد بحزم: «على خيرة الله قبلنا فض التحالف»، وبعد أن ذهبوا قال لنا الباشا: «عشان تعرفوا إن إبراهيم شكرى رئيس حزب العمل مايعرفش حاجة والإخوان هيخطفوا منه الحزب»، وبالفعل الإخوان فيما بعد خطفوا حزب العمل.
رفضت طلب الرئيس الأسبق مبارك للقاء وفد إسرائيلى وقلت له: "عفواً.. الحزب هيفصلنى"
متى تعرفت على الرئيس مبارك وما سر علاقتك القوية به كما أشيع خلال فترة رئاستك للوفد؟
- التقيت به قبل أن أصبح رئيساً للوفد من خلال اشتراكى فى لجنة حول المعاهدة النووية، فبعد أن كتبت عنها كثيراً دعانى الدكتور رضا شحاتة لاجتماع بقصر الاتحادية وقال لى: «الرئيس مهتم بمناقشة موقف مصر من التجديد لعضوية المعاهدة النووية»، وطلب منى المشاركة فى هذا الاجتماع وذهبت للقاء، وللأمانة لم أفهم أن قصر الاتحادية هو القصر الرئاسى، ولكننى ذهبت حسب العنوان الذى كتبه لى، وفوجئت بأنه القصر الرئاسى وقلت للأمن: عندى موعد مع الدكتور رضا شحاتة، فوجدوا اسمى من ضمن الحضور، ودخلت القصر، ووجدت رضا شحاتة وقال لى: «انت متأخر وكرسيك بجوار كرسى أسامة الباز»، وفوجئت بدخول الرئيس مبارك الاجتماع ولم أكن أعلم أنه سيشارك فيه، وناقشنا مشكلة اتخاذ القرارات بالأغلبية وليس بالإجماع فى اتفاقية حظر السلاح النووى، وكانت مصر مضطرة للدخول فيها حتى يُسمح لنا باستخدام المفاعلات النووية للاستخدامات السلمية، وقال مبارك خلال الاجتماع: نسمع الضيوف الجدد، وأعطانى الكلمة، فقلت له: «نستمر فى الاتفاقية بشكل مؤقت حتى تدخل فيها إسرائيل ويحظر عليها استخدام السلاح النووى وهذا بمثابة عذر لمصر»، فقاطعنى وقال لى: «انت دخلت جيش؟»، فقلت له: لم أدخل الجيش لأننى تعديت السن وكنت أدرس خارج مصر، ثم استرسلت فى حديثى وقلت له كل أسبابى، ثم قاطعنى مرة أخرى قائلًا: «يا ريت تروح تقول لإسرائيل هذا الكلام»، ثم نظر للدكتور محمد عبدالإله وقال له: «الوفد الإسرائيلى سوف يزور مصر يا ريت تقابلهم ومعك محمود أباظة»، فبالطبع حينها رفضت وقلت لمبارك: لو التقيت بالإسرائيليين فؤاد باشا سراج الدين سيفصلنى من الحزب.
ماذا حدث بعد ذلك؟
- مبارك قرر أن أكون عضواً فى اللجنة التى كان بها مفيد شهاب، والتقينا به مرة أخرى بسبب أعمال اللجنة، بينما باقى اللقاءات التى جمعتنى بمبارك فيما بعد كانت عندما أصبحت رئيساً لحزب الوفد فى البرلمان أو فى القصر الرئاسى وفى بعض المناسبات، وأتذكر فى مرة كان هناك تكريم لفريق الكرة الساعة 7 صباحاً، وتمت دعوتى وذهبت ولم أكن أعرف فى هذا اللقاء سوى سمير زاهر، وطلبت منه أن يجلس بجوارى لأننى لا أعرف أسماء الرياضيين المشاركين فى اللقاء، وقلت له: «أنا هسلّم على الناس ولا أعرفهم وأتمنى أن تظل بجوارى حتى لا أتعرض لأى حرج»، وبعد ذلك فى أحد اللقاءات مبارك أثار قضية الأنفاق بين غزة ومصر، وقلت له خلال اللقاء: إننى ضد هذه الأنفاق لأن السلاح والإرهابيين يدخلون لمصر من غزة، فرد مبارك قائلاً: «أنت يا أباظة ستتحدث معى مثل الأمريكان وفى كل مرة ألتقى بهم يثيرون موضوع الأنفاق وأنا قلت لهم أنتم أغلقتم المعبر من جهة إسرائيل ومعبر مصر يمر به فقط بنى آدمين ولا تمر به بضائع، فافتحوا معبر إسرائيل وأنا أسد الأنفاق، لكن لا يليق أن أترك الفلسطينيين يموتون من الجوع».
وما تقييمك لموقف مبارك من الأنفاق؟
- خلال الاجتماع كنت أقترح أن نحول معبر مصر لمعبر بضائع، فقاطعنى وقال لى: «خليك فى الوفد يا محمود»، وللحقيقة عندما ذهبت مع وفد البرلمان والتقينا نائبة وزير الخارجية الأمريكية كونداليزا بونتبرتى عبّرت عن غضبهم من الأنفاق لأنها من خلالها يدخل للفلسطينيين طعام وسلاح ويُستخدم هذا السلاح فى المقاومة، وفى هذه اللحظة تأكدت أن الرئيس مبارك كان على صواب وأن موقفه من الأنفاق كان صحيحاً وكان يجب السماح للفلسطينيين بدخول طعام وسلاح ليستخدموه فى المقاومة، وفى مرة أخرى كان الفلسطينيون اقتحموا المعبر المصرى ودخلوا بمظاهرة واجتمعنا مع مبارك فى قصر الرئاسة وقلت له: يا ريس، الفلسطينيون بيدخلوا عن طريق الأنفاق، فرد علىّ قائلاً: «فى كل الأحوال هيدخلوا، لأنهم فى حاجة لمؤن وطعام واحتياجات أخرى».
كيف فزت فى الانتخابات البرلمانية رغم أن منافسك كان شقيق زكريا عزمى؟
- الحقيقة زكريا عزمى غضب جداً لأنى فزت، وأتذكر أن شقيقه اللواء يحيى عزمى كان ينظم مؤتمرات انتخابية يشارك فيها وزراء، وفى أحد هذه المؤتمرات شارك 8 وزراء وعندما كان يطلب مواطن أى طلب كان شقيق زكريا عزمى ينظر للوزير ويقول له: نريد الاستجابة لهذا المواطن، والوزير يوافق، ورغم ذلك لم ينجح شقيق رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وفى إحدى المرات عدد من الوزراء تم محاصرتهم فى بلد اسمها الجديدة لأنهم هاجمونى وطلبوا من حسين أباظة يفك أسرهم وأنقذهم فى ذلك الوقت، وبالمناسبة زكريا عزمى كان يفعل كل ذلك بدون دعم من مبارك بل بدعم من الحكومة، ولهذا غضب جداً لعدم فوز شقيقه.
ما تقييمك لأيمن نور خلال فترة عضويته بحزب الوفد؟
- كنت سبباً فى فصل أيمن نور من الوفد لأنه قام بمنع طباعة جريدة الوفد لعدم نشرها بياناً له، ونعمان جمعة فصله قبل أن أتخذ قراراً من الهيئة العليا بفصله، وكان من السهل أن يعود للحزب بحكم محكمة لو لم يكن القرار صادراً من الهيئة العليا، فقلت لنعمان: لا بد أن نفصله بقرار من الهيئة العليا، فرد علىّ قائلاً: «أيمن نور فى التحقيق مش هيبطل كلام»، فقلت له: هذا قرار خاطئ وسوف أفصله بعد عرض الأمر على الهيئة العليا، وبالفعل اتخذنا قراراً بفصله. وباختصار، أيمن نور خائن مثله مثل كل من يهاجم مصر من قطر وتركيا، وكان يعتقد نفسه أذكى إنسان فى العالم، وبالمناسبة أيمن نور كان «دلوعة» أبوه وأمه، وكمان مصطفى شردى كان بيحبه جداً، وهو لم يمارس المحاماة وعمل فى الصحافة قبل أن يتخرج من كلية الحقوق، والحياة أفسدته.
تجربتى فى البرلمان كانت سيئة.. و"الكلام فى المجلس زى عدمه لأن القرار كانت تحسمه أغلبية الحزب الوطنى"
كيف تقيّم تجربتك فى البرلمان وما ذكرياتك مع الإخوان الذين فازوا بـ«88» مقعداً فى برلمان 2005؟
- تجربتى فى البرلمان سيئة لأنه لم يكن برلماناً حقيقياً وكانت الأغلبية «حزب وطنى» وفتحى سرور كان يجعلنى أتحدث بحرية، وهو كان أستاذى فى الجامعة، وكان مندوب الجامعة العربية فى اليونيسكو فى باريس، والتقيته هناك، وكنت أحبه وأقدّره جداً رغم اختلافى مع آرائه السياسية، ورغم أنه كان يجعلنى أتحدّث بحرية إلا أننى اكتشفت أن الكلام فى المجلس زى عدمه، والقرار فى النهاية كان يحسمه أغلبية الحزب الوطنى، وفى إحدى المرات سعد الكتاتنى الإخوانى طلب منى أن أضع لافتة خضراء لنصرة غزة، وقلت له: «أنا نائب، دورى هو التشريع والرقابة، لا أن أضع شارة خضراء»، لذلك نواب الإخوان لا يفهمون فى السياسة وفازوا فى الانتخابات لرفعهم شعار المظلومية وحرمانهم من المشاركة السياسية 30 عاماً.
فتحى سرور كان يسمح لى بالحديث بحرية وطلب منى سحب استجواب ضد بيع بنك القاهرة وقال لى "مش هنبيع"
وأتذكر أننى أحياناً كنت أصوغ معهم بيانات فى المواقف الكبرى، ولكن عندما أرى أنهم يريدون من حزب الوفد أن يشترك معهم فى مواقف سياسية عبارة عن كلام فارغ كنت أرفض، وللأمانة نواب الإخوان أداؤهم البرلمانى لم يكن راقياً ولا فعالاً، وتجربتى فى برلمان 2005 فيها كثير من الإحباط، وذات مرة قدمت استجواباً فى المجلس لرفضى بيع بنك القاهرة لاقتناعى التام بأن البنوك المصرية هى التى كانت تمول المشروعات الوطنية والصناعية الكبرى بينما البنوك الأجنبية لا تستهدف هذا النوع من المشروعات، وأجّلوا مناقشة الاستجواب شهراً آخر، ثم دعانى فتحى سرور وطلب منى التنازل عن الاستجواب وقال لى: «لن نبيع بنك القاهرة» فقلت له: «أعلن أن الدولة لن تبيع البنك وأنا سأسحب الاستجواب»، وبالفعل الدولة أعلنت أنها لن تبيع البنك فيما بعد.
شاركت فى اجتماعات عمر سليمان أثناء ثورة يناير.. وعندما سألته عن تحركات دولية لعزل "مبارك" رد قائلاً: "البديل هو الجيش" فاطمأن قلبى
ماذا قلت لعمر سليمان خلال لقائه بقيادات الأحزاب أثناء ثورة 25 يناير؟
- شاركت فى الاجتماع بتاريخ 2 فبراير 2011 بناء على طلب السيد البدوى رئيس حزب الوفد فى هذا الوقت، ووافقت على المشاركة حتى لا يعتقد «البدوى» أننى سوف أتهمه بالمشاركة فى لقاء مع نائب رئيس الجمهورية رغم استمرار المظاهرات ومطالبة الشباب برحيل مبارك، وقلت لعمر سليمان إنه نُشر فى صحيفة إنجليزية أن هناك 11 مليار دولار باسم مبارك بالخارج واكتشفنا بعد ذلك أنها أموال معمر القذافى رئيس ليبيا، ومثل هذه الأخبار لا تنشر فى هذا الوقت إلا إذا كانت هناك نية ما، فما هو البديل، ففهم عمر سليمان سؤالى رغم أن أغلب الحضور لم يفهموه، وكنت أقصد من سؤالى أن النية مبيتة لرحيل مبارك عالمياً، فرد عمر سليمان قائلاً: «البديل هو القوات المسلحة»، فحينها اطمأن قلبى على مصر.
السيد البدوى نصح شباب "الوفد" بعدم المشاركة فى ثورة 25 يناير
وماذا كان موقفك عندما علمت أن السيد البدوى أجرى مشاورات للدخول مع الإخوان فى تحالف انتخابى عام 2011؟
- أرسلت رسالة إلى السيد البدوى مع يس تاج الدين وقلت له: «إوعى تدخل تحالف مع الإخوان لأن هؤلاء يعتقدون أنهم متحالفون مع ربنا، فهيتحالفوا مع غيره ليه»، وفى النهاية لم يدخل معهم فى تحالف، كما أن السيد البدوى كان يرغب فى خوض الانتخابات البرلمانية فى ظل حكم الإخوان وأعلن ذلك فى جبهة الإنقاذ وهو أمر غير مقبول أيضاً. وللأسف أرى أن السيد البدوى نوع آخر من أيمن نور، وهو من أضاع أموال الوفد، والعذر الوحيد الذى لمسته لـ«البدوى» أنه جاء رئيساً للوفد فى ظروف صعبة ولا أعرف لو كان هناك رئيس آخر للوفد ماذا كان سيفعل. وعندما سألنى شباب الوفد: ما رأيك، هل نشارك فى ثورة يناير؟ قلت لهم: شاركوا فى الثورة، لكن لو شاهدتم 3000 متظاهر فقط لا تصابوا بالإحباط، وعندما ذهبت لميدان التحرير مع منير فخرى عبدالنور فى ذات مرة ووجدت الإخوان يعتلون المنصة ويتحدثون فى الميكروفونات، قلت لمنير: «الثورة راحت»، وبالمناسبة السيد البدوى نصح شباب الوفد ألا يشاركوا فى ثورة 25 يناير.