عادل درويش: التاريخ لم يكتب فصل مبارك بعد

02:24 م | الأحد 01 مارس 2020

قال عادل درويش، المعلّق السياسيّ المصري، والمؤرخ المتخصص فى السياسة الشرق أوسطية، إنّ التاريخ لم يكتب فصل الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بعد.

وأكد درويش أنّه تابع نزاعا على مواقع التواصل الاجتماعي لمثقفين مصريين، بشأن الجنازة الرسمية للرئيس الراحل محمد حسني مبارك، بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي، فبرر مثقفون رفضهم المتشدد لمبدأ إقامة جنازة رسمية، بأنّ حكومة ورئاسة الراحل مبارك سقطت في انتفاضة أو ثورة شعبية كبيرة، وحضور الرئيس الحالي، إشارة باستمرار النظام، فهؤلاء سودوا الفترة المباركية، وصموها بانتشار الفساد والمحسوبية وغسل الأموال ومحاولات نظامه لتوريث غير معتاد للرئاسة.

واستكمل درويش خلال مقال كتبه في جريدة الشرق الأوسط، أنّ المدافعين عن مبارك رأوه حكيما بتفضيله الاستقالة على إغراق البلاد في حرب أهلية كحال بلدان انتفاضات 2011، ولم تخُضْ مصر حروبا أيديولوجية في عهده وأنهى عزلتها عن البلدان العربية، وذكروا دور سلاح الطيران بقيادته في توفير حماية معقولة، رغم عدم التكافؤ مع الخصم، أثناء حرب الاستنزاف، وتغطية تقدم الجيش المصري في حرب أكتوبر1973، وقلة من المصريين كانت محايدة، وأقلية منهم تفحص فترته (1981 - 2011) بنظرة مؤرخين هواة، فكتبت ردا على الجميع وقلت: "في تكرار المؤرخ زيارته إلى ما نفض عنه الغبار من وقائع فترة تاريخية يكتشف، مع كل زيارة، أن صور صفحات كانت بالأبيض والأسود تصبح أكثر تلوناً"

وتابع درويش للثلاثية المعروفة باسم "قصر الذئب"، والتي كان بطلها توماس كرومويل، إذ كان توماس كرومويل وزير الملك هنري الثامن، أنّ الثلاثية غيرت مفهومنا ومعلوماتنا عن السياسة الإنجليزية الداخلية والخارجية في القرن الخامس عشر التي تعلمناها في المدارس، ولمن لم ينتظم في المدارس الإنجليزية سيجد معلومات هذه الفترة في كتب وزارة المعارف المصرية في العشرينات والثلاثينات، سواء لمناهج تلاميذ الإنجليزية أو بالعربية عن الانتقال من القرون الوسطى إلى عصر النهضة والإصلاح الديني الأوروبي في مناهج التاريخ، وكرومويل ساعد سيده هنري في تطليق زوجته الأولى كاثرين الإسبانية وتبعت إنجلترا وقتها كنيسة الفاتيكان الكاثوليكية التي تحرم تعاليمها الطلاق - ليتزوج الشابة آن بولين.

وأضاف: "صورت كتب التاريخ كرومويل بقبح الشرير في رسوم الكاريكاتير، قاسيا لا يرحم في إقصاء خصومه، وأكبر سيئاته تآمره لاعتقال توماس مور، مستشار المملكة المتحدة ورئيس القضاء (قاضي السلطان في المفهوم العربي) مؤلف (يوتوبيا - 1516)، فمحاكمته بتهمة الخيانة العظمى وإعدامه، الذي رأته الكنيسة للمبادئ فأصبح سانت توماس، وصنفته الكتب المدرسية بالمثالي الذي وضع إيمانه بالله قبل ولائه لهنري وكان وقتها يعني الولاء للوطن، بعد أكثر من نصف قرن وجدتني أعيد النظر في السير توماس مور كما وصفه أستاذ التاريخ وقتها، وكان آيرلنديا كاثوليكيا ولم أكن واعيا عندئذ بالعمق السياسي الديني للصراع التاريخي الدموي الإنجليزي الآيرلندي".

واستطرد درويش أنّ مور كان شيطانا في تعذيبه الخصوم الدينيين، وكان ميكافيلليا في تفسيرات دينية قانونية ساقت أبرياء إلى بلطة الجلاد، وكان مدافعا عن سطوة رجال الكنيسة في مقاومتهم للتطور، ونكتشف أنّ توماس كرومويل كان إصلاحيا تقدميا وكان وراء قسوته وتآمره دوافعه الوطنية ضد مقاومة توماس مور لحركة الإصلاح الديني السياسي لتأسيس الكنيسة الإنجيليكية كبداية تحرر العقل الإنجليزي من جمود ذهنية الفاتيكان، وهي خطوة مهدت لترجمة الملك جيمس الأول للكتاب المقدس للإنجليزية في 1611 ليتمكن المواطن البسيط من تفسير دينه خارج إطار احتكار الكهنة، ما أنهى سيطرتهم على عقول الناس وفتح الباب لأكبر إصلاح ديمقراطي في القرن التالي، والفضل في وجودنا في أم البرلمانات كممثلي السلطة الرابعة لمراقبة عمل الحكومة يعود لحركة إصلاح بدأها رجل وصفه التاريخ المدرسي بشرير.

وتابع درويش أنّ فصول تاريخ القرن الخامس عشر لا تزال تحت الفحص والتفسير، فما بالك بتاريخ رئاسة مبارك الذي لم يدون بعد؟، وقد يتساءل القارئ لماذا تسمية "الجمهورية الأولى" لحقبة بدأت (1953) برئاسة اللواء محمد نجيب يوسف قطب القشلان (1901 - 1984) وانتهت بنقل السلطة من الرئيس مبارك (2011) إلى المجلس العسكري؟.. إنه اجتهادي كمؤرخ التقيت ثلاثة زعماء، بتحديد 2011 كنقطة فاصلة غيرت ملامح المؤسسة السياسية بقطع تقليد انتقال رئاسة لأخرى، بفترة استراحة 20 شهرا (حكم المجلس العسكري) حتى بداية الجمهورية الثانية في 2012، فالتاريخ ليس كتابا ثابتا، وكل صفحة هي حصيلة مئات الكتب والدراسات وآلاف التقارير والملاحظات والمراسلات، وغالبا سيراجع باحثون في حياتي أو بعدها اجتهاداتي ليدعموا تسميتي أو يعدلوها، وغالبا سينقسمون وفي الحالة الأخيرة أرجو أن يكونوا أكثر موضوعية وتهذبا من المتراشقين اليوم بشأن مبارك على فيس بوك.