علا الشافعى تكتب: نادية الفن

كتب: علا الشافعى

علا الشافعى تكتب: نادية الفن

علا الشافعى تكتب: نادية الفن

نادية لطفى.. هى الأنبل والأكثر تمرداً فى بنات جيلها.. كان من السهل أن تستسلم لكونها «شقراء» الشاشة، وواحدة من الجميلات، فالعائلة والمدرسة الألمانية التى تخرجت فيها، أسهمتا بشكل كبير فى تشكيل عقل واعٍ، وإنسانة صاحبة شخصية ملهمة، كانت تدرك منذ اللحظة التى خطت فيها أولى خطواتها الفنية منذ أن اكتشفها المنتج الكبير رمسيس نجيب، بدءاً من الانتشار وتقديم أفلام تجارية خفيفة، وصولاً إلى مرحلة الاختيار، ليس ذلك فقط، بل وصولاً إلى أفلام تحمل حساً تجريبياً مع حسين كمال، وشادى عبدالسلام.

ملكت نادية لطفى روح وقلب مغامرة وفارسة، فهى فنانة شديدة الموهبة، تألقت فى الكثير من الأدوار المميزة، التى لا تزال عالقة فى الأذهان، وأثبتت من خلالها قدرتها على التلون فى الأداء والانتقال من شخصية إلى أخرى لتتمرّد على ملامحها الشقراء، خصوصاً أن البعض كان يحاول حصرها فى نوعية أدوار بعينها، إلا أنها رفضت أن تكون مجرد وجه جميل، فالشاشة مليئة بالجميلات من بنات جيلها، لذلك انتصرت «نادية» لموهبتها ووعيها بتلك الموهبة وضرورة العمل على تنميتها، لذلك لم تكتفِ بتقديم الميلودراما فقط، بل نوّعت بين أدوارها بحرفية ومهارة شديدتين وعرفت جيداً اللحظة التى يجب أن تتوقف فيها عن تقديم الأدوار الخفيفة أو الكوميدية، مما أهّلها للوصول إلى النجومية فى وقت أقصر من فتيات جيلها بفترة الخمسينات والستينات».

وبالنظر إلى الكثير من أدوارها المختلفة ندرك جيداً أن من تقدم شخصية «زوبة العالمة» فى رائعة نجيب محفوظ «قصر الشوق»، و«ريرى» فتاة الليل فى «السمان والخريف»، أيضاً لنجيب محفوظ، «ومادى» فى «النظارة السوداء» لإحسان عبدالقدوس و«نانى» فى «المستحيل» للمخرج حسين كمال، و«زينة» فى فيلم «المومياء»، بحضورها المهيب الآسر مع المخرج شادى عبدالسلام، لم تكن مجرد ممثلة صاحبة موهبة متفرّدة، بل هى صاحبة رؤية، وتملك وعياً بضرورة أن يحمل مشوارها الفنى محطات متميزة يتوقف عندها صناع السينما والنقاد وجمهورها من المتابعين. وقد كان لها ما أرادت، حيث صنعت بأسلوبها مكانة خاصة جداً بين نجمات جيلها، والمفارقة أن تلك النجمة ذات الصيت الواسع، التى كانت تتصدّر «الأفيشات»، بعد نجاحها الكبير فى فيلم «النظارة السوداء»، ودور الفارسة «لويزا» فى «الناصر صلاح الدين»، وهو ما وضعها فى مقدّمة النجمات الشابات، فإنها لم تكن ترفض الظهور فى أفلام نجوم آخرين كضيفة شرف، وأحياناً فى لقطات عابرة صامتة دون كلمة حوار واحدة، حيث ظهرت فى فيلم أقرب إلى البرنامج الغنائى التليفزيونى، بعنوان «القاهرة فى الليل»، وكان ظهورها فى لقطة صامتة، حيث ظهرت بلا أى جملة حوار، وهى تتصفّح بعض المجلات مع ليلى طاهر، بينما تغنّى «صباح» «الراجل ده هيجننى». واقتصر ظهورها على لقطات متقطعة أثناء الأغنية.

وشاركت أيضاً فى لقطة عابرة فى فيلم «مين يقدر على عزيزة» (1975) من إخراج أحمد فؤاد، وبطولة حسين فهمى، وسهير رمزى، حيث كانت تجلس على مائدة فى «عرض أزياء»، ثم تظهر فى لفتة جانبية لم تستغرق ثوانى قليلة، مع إشارة من مذيع العرض إلى فستان باسم «الإخوة الأعداء» وهو عنوان الفيلم الذى قامت ببطولته قبل ذلك بعام.

ولا ينسى أحد منا حضورها الطاغى أيضاً فى فيلم «أضواء المدينة» من بطولة «شادية»، وإخراج فطين عبدالوهاب، وتحديداً فى مشهد احتفاء بعودة الفنانة شادية إلى التمثيل، حيث دخلت إلى حفلة نقابة السينمائيين ضمن أحداث الفيلم، بصحبة صديقها المخرج حسين كمال، الذى ظلّ طوال اللقطات الصامتة المتفرّقة التى ظهرت فيها على الشاشة، يحاول، من دون أن ينجح، إشعال سيجارة فى يدها، حتى تحوّلت المائدة إلى كومة من أعواد الثقاب التالفة. وينتهى ظهور «نادية» فى المشهد «اللطيف هذه المرة» بإلقائها السيجارة من يدها بعد انتهاء الحفلة.

ذلك الظهور الصامت لنجمة بحجم نجوميتها، هو أمر لافت للغاية ويستحق التساؤل حوله، وكانت هى ترد على هذا الأمر بجملة محدّدة «طقت فى دماغى»، وهو التعبير الذى أشار إليه الناقد السينمائى الراحل أحمد يوسف، حيث قال: «السر الذى اكتشفته نادية لطفى من البداية، أن تعيش حياة الشخصيات التى تقدّمها بكل إقناع واقتناع، ورغبة فى الحياة، لذلك لم تتمسّك «النجمة» بالقواعد الشكلية للنجومية، وهذا ما جعلها دائماً، حتى فى أدوارها القصيرة، تظل مركز الإشعاع الذى تنطلق منه شرارة الصراع الدرامى، أو هى البحر الذى تلتقى عنده الروافد والأنهار، فالنجمة نادية لطفى لم تسيطر أبداً على «الممثلة نادية لطفى»، لذلك ظلّت حرة من أى قيود، ولم تسجن نفسها يوماً فى الأقنعة الفنية التقليدية.

تلك الرؤية حقيقية جداً، وتعبر عن شخصية نادية لطفى الإنسانة والفنانة، فهى لم تكن شخصية تقليدية أو نمطية، بل كانت ترفض الأقنعة والبهرجة المبالغ فيها، وكان الصدق مفتاح شخصيتها والوضوح أبداً لم تعرف المراوغة، ولا ألاعيب النجومية، وأدركت أن بريقها زائف، لذلك كانت من أكثر النجمات اللاتى كن يملكن مرونة فى التعامل مع فكرة الزمن، وضرورة التأقلم، وأكاد أجزم أنها من النجمات القلائل اللاتى ظهرت لهن صور بملابس منزل بسيطة وأنيقة، وماكياج خفيف فى أواخر حياتها، ولم تعتزل الحياة مثلما اعتزلت الفن، بل ظلت على تواصل مع أجيال مختلفة تتابع وتنتقد، وكثيراً ما كانت ترفع الهاتف على من يجيدون فى أدوارهم لتناقشهم وتهنئهم، وبروح تلك المرأة الجدعة، التى تملأها الشهامة التزمت بأدوار حياتية متعدّدة وغاية فى الأهمية، حيث كان دستور حياتها مساعدة زملائها، وكل من يحتاج، ما دامت قادرة على تقديم يد العون لهم.

نادية لطفى ستظل حالة متفرّدة وفريدة فى تاريخ الفن المصرى والعربى، فهى النجمة الموهوبة والمرأة الجميلة ذات السحر الخالص، المرادف الحقيقى لمعنى «الست»، والمثقفة والمهمومة بالوطن والمناضلة ذات الأدوار المتعدّدة المعروفة، والأدوار التى لم يفرج عنها بعد، فهى «نادية الفن» التى لن تتكرر وساحرته التى ملكت القلوب.


مواضيع متعلقة