أكاذيب "كوشنر" فى حديثه مع عمرو أديب

جيهان فوزى

جيهان فوزى

كاتب صحفي

تحدث مستشار الرئيس الأمريكى لشئون الشرق الأوسط، جاريد كوشنر، عن تفاصيل صفقة القرن فى لقاء مع الإعلامى عمرو أديب، متقمصاً دور الحمل الوديع، الذى يريد الخير للفلسطينيين، وبيّن أثناء الحديث أن الصفقة فُصلت خصيصاً لراحة الفلسطينيين الذين فشلوا على مدار أكثر من ستة عقود فى إيجاد حل لقضيتهم! وأن الرفض المتكرر منهم لكل حل يُعرض عليهم أوصلهم إلى هذه الحالة المزرية من العزلة والفشل، وأنهم إن لم ينتهزوا الفرصة ويجلسوا على طاولة المفاوضات مع إسرائيل للتفاوض على بنود الصفقة التى تتضمن 181 ورقة، فهم الخاسرون وإلى الأبد. «كوشنر» فى حديثه حاول التركيز على الفشل الذريع الذى رافق القيادات الفلسطينية المتعاقبة لرفضها فرصاً عدة كان لها أن تسهم فى حل القضية الفلسطينية، وعزا ذلك إلى طمع القيادات، التى لا تريد الخير لشعبها، فهى المستفيدة من الأموال التى تأتى من الدول المانحة، وإيجاد حل للقضية، حيث سيتوقف ضخ الأموال التى جعلتهم من الأثرياء! فلماذا يخطون نحو الحل وبإمكانهم إفشاله طالما ليس فى مصلحتهم؟! وليذهب الشعب الفلسطينى إلى الجحيم. قال «كوشنر» أيضاً إن القدس ستبقى مفتوحة لجميع الديانات من مسلمين ومسيحيين ويهود، وإن عاصمة الدولة الفلسطينية ستكون فى القدس أيضاً؟! واستنكر متسائلاً: لماذا هذا التعنت الفلسطينى دون دراسة الصفقة أو الاطلاع على تفاصيلها؟ ومن ثم الجلوس على طاولة المفاوضات للبحث فى تطبيقها على أرض الواقع، ولم ينس فى سرد أكاذيبه وكلامه المنمق الذى ينضح سماً، أن يشيد بجهود الرئيس «ترامب» الجريئة والشجاعة، التى لم يستطع أى رئيس أمريكى سبقه أن يتخذ قرارات شجاعة، كما فعل الرئيس «ترامب»، تنهى حالة الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وأن يوافق عليها الإسرائيليون دون شروط، كما حدث فى صفقة القرن.

ليس مستغرباً أن يسوق «كوشنر»، مهندس الصفقة، تلك الأكاذيب بكل ثقة، التى بدت واضحة أثناء حديثه وثباته فى سرد التفاصيل دون لعثمة أو تعثر، فهو الذى طبخ الصفقة على نار هادئة مع القيادات الصهيونية فى أمريكا وإسرائيل لأربع سنوات، دون أن يغفل أى تفصيلة تخص الأمن والمصالح الإسرائيلية، لكن أن يكذب بهذه الوقاحة ودون أن يرف له جفن ويحاول التشكيك فى الطرف الفلسطينى الذى لازمه الفشل طوال عقود -على حد تعبيره- بغية تحقيق مصالح شخصية على حساب حياة الشعب الفلسطينى واستقراره وانتعاشه الاقتصادى، فتلك أكاذيب مردود عليها، خاصة عندما حاول «كوشنر» خلال الحديث التلميح إلى رغبة الفلسطينيين فى تغيير قياداتهم التى أصبحت وجوهاً سقيمة عفى عليها الزمن، والتحريض على ضرورة تغيير تلك الوجوه، إذا أراد الفلسطينيون الخروج من كبوتهم الطويلة ليعيشوا حياة كريمة بعد عقود من الفشل والعزلة ونزيف الدماء وكانت النتيجة صفراً، فى تلميح واضح لإثارة الفتنة والوقيعة بين الفلسطينيين وقيادتهم، فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا قتل «شارون» الرئيس ياسر عرفات؟ ولماذا فشلت المفاوضات التى استمرت أكثر من عشرين عاماً منذ اتفاق أوسلو؟ ولماذا نفضت إسرائيل يدها من كل الوعود والاتفاقات التى تم التوافق عليها فى مؤتمر مدريد؟!

لقد كشفت «القناة الإسرائيلية 12» عن بنود خطيرة للصفقة، حين استعرضت مبادئها وأول تلك المبادئ التى كشفت عنها القناة هى عدم وجود سيطرة للسلطة الفلسطينية على الحدود، وستكون هناك سيطرة إسرائيلية كاملة على القدس. ووفق «القناة 12» فإن بنود الصفقة تشمل أيضاً فرض السيادة الإسرائيلية على المناطق المفتوحة المسماة (C)، والموافقة على كافة المتطلبات الأمنية الإسرائيلية؟ وأشارت القناة إلى أنه سيجرى خلال الصفقة عملية محدودة لتبادل الأراضى بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وسيتم تعويض الفلسطينيين بأراضٍ فى النقب. وفى قضية خطيرة أيضاً تمس الملايين من الشعب الفلسطينى المهجّر من أرضه قسراً، فإنه ووفق الصفقة، فلا تعويض للاجئين الفلسطينيين مع احتمالية لاستيعاب محدود لعدد قليل منهم.

فأين العاصمة الفلسطينية المتمثلة فى القدس التى يتحدث عنها «كوشنر»؟! وأين الدولة الفلسطينية المنشودة التى يتباهى بأنه انتزعها من بين أنياب إسرائيل، ليعيش الفلسطينيون بأمان واستقرار واقتصاد قوى يوفر لهم احتياجاتهم؟! هل كل ذلك مذكور فى 181 ورقة التى أعدها للتفاوض؟ وإذا كانت الصفقة بهذا التميز بالنسبة للفلسطينيين، فلماذا رفضتها الجامعة العربية، وخرج بيان اجتماع الوزراء العرب رافضاً لها بالإجماع، وهو أمر لم يحدث منذ سنوات! فعن أى فرصة ذهبية يتحدث «كوشنر» التى لو تجاهلها الفلسطينيون الآن فلن تتكرر مرة أخرى؟! مستنداً إلى فرضية الفرص العديدة التى أضاعها الفلسطينيون على مدار عقود وأوصلهم عنادهم وفشلهم إلى لا شىء!، وهل ما تتضمنه الصفقة التى تعطى الحق لمن لا حق له، لتدمير ما تبقى من فتات للفلسطينيين هو الحل؟